في ظل الضغوطات الداخلية والخارجية التي تعيشها

إلى متى ستبقى أميركا تدفع أثمان تهور وجرائم الكيان الصهيوني؟

الوفاق: كشف استطلاع غالوب مؤخراً أن التعاطف بين الديمقراطيين صار يفضل الفلسطينيين (49٪) على "الإسرائيليين" (38٪)،

2024-04-20

تعيش الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أياماً صعبة، حيث تتجلى الضغوط الناجمة عن العلاقة المعقدة مع الكيان الصهيوني في شتى جوانب السياسة الخارجية والداخلية. تتسبب هذه الضغوط في إعادة تشكيل النقاش العام حول القيم والمبادئ التي يجب أن تحكم السياسة الأمريكية، وتثير تساؤلات حول الثمن الذي قد تدفعه أمريكا على المدى الطويل.

فجوة بين السياسة الأمريكية والرأي العام الأمريكي

كشف استطلاع غالوب مؤخراً أن التعاطف بين الديمقراطيين صار يفضل الفلسطينيين (49٪) على “الإسرائيليين” (38٪)، وهو عكس لم يسبق له مثيل من قبل في الاستطلاعات. الفجوة داخل الحزب الديمقراطي حادة جدًا من حيث الأجيال. من بين الديمقراطيين دون سن 35 عامًا، يتعاطف 74٪ مع الفلسطينيين مقارنة بـ 25٪ فقط ممن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.

“تغيير” غير مجدٍ

في مارس، ألقى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر خطابًا استمر 44 دقيقة على أرضية مجلس الشيوخ دعا فيه الصهاينة لإجراء انتخابات وبشكل أساسي التخلص من نتنياهو وائتلافه الحاكم. على الرغم من أن شومر عبر عن حبه للكيان الصهيوني وندد بحماس، إلا أنه لاقى انتقادات كبيرة من الجمهوريين وكذلك من أولئك الذين كانوا مذهولين لأنه لم يدع لوقف فوري للنزاع.

تظهر إدارة بايدن أن موقفها تجاه الكيان الصهيوني انها غير راضية، لكن ليس بما يكفي لإرضاء الناخبين الشباب في اليسار. إلى جانب الأمريكيين العرب، أسمع هؤلاء الناخبون أصواتهم في الانتخابات التمهيدية في منيسوتا ومشيغان ووسكونسن وهاواي حيث حصلت قائمة “غير الملتزمين” على 25 مندوبًا حتى الآن. قد لا يكون ذلك كافياً لقلب الانتخابات – من المرجح أن يصوت الناخبون غير الملتزمين في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في مواجهة احتمال فترة ترامب الثانية – لكنه لا يزال يقلق معسكر بايدن، الذي يتخلف في معظم استطلاعات الرأي المباشرة.

ادعت إدارة بايدن تغيير سياستها تجاه الكيان الصهيوني خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من أن هذا “التغيير” قد لا يبدو كثيرًا نظرًا لأن هذه السياسات لم تؤثر في نهاية المطاف على مسار الحرب في غزة. ومع ذلك، إذا تم الجمع بينها وبين الرأي العام المتطور، فإن هذه التغييرات التدريجية و لو كانت شكلية، فهي بحسب العديد من المحللين قد تمثل بداية تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية .

بعد عقود من المساعدات العسكرية والتنسيق السياسي، تواجه الولايات المتحدة اختلافاتها غير القابلة للتوافق مع الكيان الصهيوني.

تحول في إدارة بايدن؟

لقد أثار استشهاد أكثر من 30,000 فلسطيني خلال العدوان الصهيوني المطول على غزة – الذي بدأ بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر – قلق إدارة بايدن و لكن بالطبع ليس على الفلسطينيين و إنما خشية من الرأي العام الأميركي والعالمي. لاسيما أن مايفوق 70 في المائة من ضحايا الفلسطينيين من النساء والأطفال.

تدعي إدارة بايدن محاولتها إقناع الصهاينة بعدم شن هجوم بري ضد حماس في مدينة رفح الجنوبية، حيث لجأ العديد من الفلسطينيين،و لكن السلطات الصهيونية تجاهلت الولايات المتحدة واقتراحاتها، وغالباً ما كانت غاضبة، وهكذا  كان الموقف “الإسرائيلي” طوال الوقت.و لكن الضربة “الإسرائيلية” الأخيرة على قافلة من ثلاث مركبات تابعة للمطبخ العالم المركزي، والتي أسفرت عن مقتل سبعة عمال إغاثة، أحرجت إدارة بايدن كثيراً، حيث زودت المنظمة الإنسانية سلطات الكيان الصهيوني بمعلومات كاملة عن نواياها ومسارها. ومع ذلك، ضرب الصهاينة جميع المركبات الثلاث بدقة متناهية، على الرغم من أن المركبة المتقدمة والمركبة في الخلف كانتا متباعدتين بما يقرب من ميل ونصف. و الجدير بالذكر أنه لقي ما لا يقل عن 196 عاملاً في المجال الإنساني حتفهم في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر 2023.

اعتذر نتنياهو عن “الحادث المأساوي”. لكن من الصعب ألا نستنتج أن “الاستهداف الأكثر دقة” ليس هو القضية في حرب غزة، نظرًا لكيفية استهداف تلك القافلة بدقة. المشكلة هي أن الكيان الصهيوني يقتل بشكل عشوائي وبلا عقاب. المشكلة هي أن حكومة نتنياهو تقوم بتطهير عرقي للفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية أيضًا بمساعدة المستوطنين الصهاينة المسلحين. وأن سلطات الكيان مصممة على إزالة الأساس المادي لدولة فلسطينية.

في مواجهة هذه السياسة، فإن رد إدارة بايدن غير كافٍ بشكل واضح. بالإضافة إلى ماتدعيه من محاولات “فاشلة” للحد من الخسائر المدنية، دفعت واشنطن من أجل مزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة –و بالتأكيد فقط لإجل تخفيف الضغط الشعبي العالمي- ولكن هذه السياسة لم يتم تنفيذها عند جميع المعابر، وكما تشير أوكسفام، “إنها قطرة ماء في محيط من الحاجة”.

لم توقف الإدارة تزويد الكيان الصهيوني بالمساعدات العسكرية أو ربطها بأي شروط على هذه المساعدات، على الرغم من بعض الضغوط من الكونغرس. أرسل أكثر من 30 ديمقراطياً في مجلس النواب، بمن فيهم نانسي بيلوسي، مؤخرًا رسالة تحث بايدن بشدة على إعادة النظر في القرار الأخير بالسماح بتحويل حزمة أسلحة جديدة إلى الكيان الصهيوني، و ايقاف هذا وأي تحويلات أسلحة هجومية مستقبلية حتى يتم إجراء تحقيق كامل في الغارة الجوية. الجزء المؤسف هو أنه لزم قتل عمال المساعدات الدوليين، وليس عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، لاستدعاء مثل هذه الرسالة.

أما عن محاولة الإدارة الأميركية منع الكيان الصهيوني من شن هجوم على رفح، فقد أعلنت حكومة نتنياهو في العديد من المناسبات أنها تنوي “إنهاء المهمة” تمامًا. في هذا السياق، فإن توفير مساعدات إنسانية حتى لا يموت الناس جوعًا قبل قتلهم في عملية عسكرية هو موقف مشكوك فيه من الناحية الأخلاقية.

أصدقاء مقربون؟

يحب مؤيدو التحالف بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أن يلاحظوا أن الكيان “دولة” ديمقراطية، وواحدة من أكثر البلدان ازدهاراً في العالم، و”أكبر حاملة طائرات أمريكية في العالم لا يمكن إغراقها”، كما قال وزير الخارجية السابق ألكسندر هايغ ذات مرة. وكان الرئيس أوباما أكثر وضوحًا، “ليس لدى الولايات المتحدة صديق أفضل من إسرائيل في العالم”.جميع هذه العبارات نصف حقائق على أفضل تقدير.

بعد تحركات استبدادية مختلفة من حكومة نتنياهو – “الإصلاح القضائي” المصمم لإضعاف المحكمة العليا، وقضايا الفساد المختلفة – أصبحت كذبة ديمقراطية الكيان الصهيوني مفضوحة بشكل كبير. في الوقت نفسه، لا يتمتع الفلسطينيون بالمواطنة الكاملة كما الصهاينة. يمكن القول الشيء نفسه عن ازدهار البلاد: نصف الأسر العربية في الكيان الصهيوني تعتبر فقيرة مقارنة بواحدة من كل خمس أسر يهودية.

ولا يعتبر الكيان الصهيوني حاملة الطائرات الأمريكية. هناك قاعدة عسكرية أمريكية سرية واحدة فقط في الكيان الصهيوني – موقع مراقبة رادارية بعدد غير معروف من الجنود الأمريكيين. معظم الجنود الأمريكيين المتمركزين في الشرق الأوسط موجودون في الكويت والبحرين وقطر (مع قوات أمريكية أخرى موجودة في الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن والعراق وتركيا وسوريا). علاوة على ذلك، ينخرط الكيان الصهيوني باستمرار في صراعات عسكرية تتعارض مع المصالح الأمريكية،لاسيما عدوانها الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق_و ادعاء اميركا بعدم معرفتها المسبقة بالأمر- و ماتلاه من رد ايراني قوي اضطر اميركا وعدة دول للاستنفار و الدفاع عن الكيان الصهيوني.

أما بالنسبة للصداقة، فقلما كانت العلاقة وثيقة جدًا. في عام 1956، كانت إدارة أيزنهاور غاضبة من احتلال الكيان الصهيوني لشبه جزيرة سيناء وهددت بحجب المساعدات إذا لم تنسحب. و في عام 1967، هاجم الكيان الصهيوني سفينة تجسس أمريكية في المياه الدولية، مما أسفر عن مقتل 34 بحارًا. في عام 1981، قصف الكيان الصهيوني مفاعلاً نوويًا في العراق، وهو ما كان محرجًا لإدارة ريغان حيث كانت في ذلك الوقت حليفة لصدام حسين في حربه المفروضة على ايران. وعرضت سياسة الاستيطان الصهيونية في الضفة الغربية العلاقات مع العديد من الإدارات الأمريكية للخطر.

ماذا يقدم الكيان الصهيوني للولايات المتحدة؟

هناك علاقة اقتصادية، حيث يستثمر الكيان الصهيوني حوالي 24 مليار دولار في الولايات المتحدة. قد يبدو هذا الرقم كبيرًا، لكنه لا يدخل في أفضل 20 (تستثمر سنغافورة 36 مليار دولار، والمملكة المتحدة 663 مليار دولار). في الوقت نفسه، منذ عام 1946، امتص الكيان الصهيوني 158 مليار دولار من المساعدات غير المقيدة من الولايات المتحدة، وهو أكثر من أي دولة أخرى.

من الناحية العسكرية، استفادت الولايات المتحدة (ربما) من تبادل المعلومات الاستخباراتية. من ناحية أخرى، أخفى الكيان الصهيوني برنامجه النووي الخاص عن أصدقائه الأمريكيين. في الوقت نفسه، شن هجمات في المنطقة – لبنان وإيران والعراق وسوريا – عقدت بعض الأحيان الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، يمكن القول بأن الكيان الصهيوني يعمل أحيانًا ككلب هجوم مفيد، حيث يتخذ إجراءات أكثر عدوانية مما تشعر الولايات المتحدة أنها يمكن أن تفعله.

كان الكيان الصهيوني حليفًا موثوقًا إلى حد ما للولايات المتحدة في تدخلاتها المختلفة في الشرق الأوسط. لكن هذا لم يكن دائمًا هو الحال. عارض الكيان الصهيوني توقيع اتفاق نووي مع إيران، و جر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مع اليمن بعد عدوانه على غزة. وتهدد الضربات الصهيونية في لبنان وسوريا بتحويل نزاع غزة إلى حرب إقليمية، واخرها كما ذكرنا عدوانه على القنصلية الايرانية و ماتلاه و سيليه .

ثم هناك قضية السمعة. استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 45 مرة في الأمم المتحدة حتى ديسمبر 2023 للدفاع عن الكيان الصهيوني – وهو ما يمثل أكثر من نصف فيتوهات الولايات المتحدة في مجلس الأمن. معظم هذه الفيتوهات كانت بشأن سياسة الاستيطان الصهيونية أو معاملة الفلسطينيين. في فبراير، كانت الولايات المتحدة البلد الوحيد في مجلس الأمن الذي صوت ضد مقترح وقف إطلاق النار في غزة. لكن في الشهر التالي، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، مما سمح بتقدم قرار الأمم المتحدة، على الرغم من أنه لم يكن له أي تأثير على السياسة “الإسرائيلية”.

قامت الولايات المتحدة بعمل جيد في حشد العالم ضد ما اسمته “الغزو الروسي” لأوكرانيا. ولكن موقفها من العدوان الصهيوني على غزة يعد بالتأكيد نفاقًا،وتخاطر الولايات المتحدة بما تبقى من سمعتها “الإيجابية” الدولية من خلال دعمها للصهيونية.

 

أ.ش