مكانة مرقد السيد عبد العظيم الحسني(ع) في تطورات إيران المعاصرة

لقد لعب مرقد السيد عبدالعظيم الحسني (ع) دورًا استراتيجيًا في تاريخ إيران المعاصر، وقد تشكلت في ذلك المكان المقدس العديد من المعادلات السياسية والاجتماعية لإيران بعد العصر الصفوي، فقد لعب دورًا مهمًا في التواصل الديني لأهل طهران منذ القدم وحتى يومنا هذا

2024-04-24

إن بركات وجود المرقد المقدس لا تنتهي عند القضايا العلمية والدينية، باعتباره المكان الديني الأكثر قدسية في العاصمة الإيرانية طهران،  فقد كان للمرقد مكانًا للعديد من الأحداث السياسية والاجتماعية عبر التاريخ المعاصر، خاصةً في العصر الدستوري.. وفي هذا المقال بمناسبة ذكرى وفاة السيد عبد العظيم الحسني (ع) سنلقي نظرة على بعض الأحداث المهمة التي جرت في هذا المكان المقدس.

 

 

من زاره كمن زار قبر الإمام الحسين (ع)

بلغ السيد عبد العظيم الحسني (ع) من القدر والعلو بعد مماته ما يوازي مكانته ومقامه حال حياته. وهذا يكشف عما انطوى عليه من حسن الاعتقاد بالتوحيد والإخلاص للولاية والإمامة حتى غدت زيارة قبره تعدل زيارة قبر الامام الحسين (ع). وإليه أشار الصدوق بسنده عن محمد بن يحيى العطار عندما دخل على أبي الحسن علي الهادي (ع) رجل من أهل الري فقال له: “أين كنت؟ قال: زرت الامام الحسين (ع)، قال له الامام الهادي (ع): أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (ع).

 

 

قبلة طهران

 

 

وصف آية الله السيد علي الخامنئي(حفظه الله) مرقد السيد عبد العظيم الحسني  (ع) على أنه قبلة طهران. قبلة الصلاة في مكان آخر، فما معنى هذه القبلة؟ القبلة هنا تعني التوجه والاهتمام، أي أنه على أهل طهران أن يوجهوا وجوههم نحو هذا المقام النبيل، وجعل شخصية السيد عبد العظيم الحسني(ع) كمصدر إلهام لأسلوب حياتهم الديني ومقامه المقدس كمركز ديني وثقافي وللأنشطة الاجتماعية.

 

فمنذ بداية وجوده، ومن خلال الاتصال والعلاقة مع المجتمع الشيعي، كانت شخصية السيد عبدالعظيم(ع) مصدر الخير والبركات الروحية والمادية، وبعد وفاته، أصبح مرقده المقدس مصدرًا للتحولات المادية والاجتماعية واقتصاد المدينة.

 

لقد كان المرقد المقدس محط اهتمام قلوب الشيعة وتأثير هذه الشخصية خلال حياته وبعد وفاته جعل روح الدين وأساسه أكثر تجذيراً وتعمقاً بين الناس. ومن الناحية الاقتصادية، فإن الأوقاف لم توفر مصدر دخل للتنمية والبناء فحسب، بل خلقت العديد من فرص العمل ووفرت سبل العيش لعدد كبير من الناس. كما تعتبر المداخيل المتحصل عليها وسيلة لرعاية وإعالة المحتاجين وإنشاء مراكز يستفيد من خدماتها عامة الناس.

 

لقد دُمرت مدينة الري عدة مرات بسبب الفيضانات وهجمات العدو (على سبيل المثال، من قبل المغول). وفي كل مرة دُمرت هذه المدينة، بنى الناس منازلهم بجوار قبر السيد عبد العظيم الحسني(ع) وأصلحوا ضريحه. أي أنه في كل مرة تم تدمير الري، استأنف الناس مرة أخرى البناء حول المرقد، كما إن أحد أسماء المرقد في التاريخ هو “أم القرى” ؛ أي أم المدن. وهذا اللقب لم يرد إلاّ لمدينة مكة المكرمة في القرآن الكريم.

 

لقد شعر أهل منطقة الري بالبركة في حياتهم بزيارة مرقد السيد عبد العظيم (ع) حتى أنهم أطلقوا عليه لقب” السيد الكريم”،  وفي التاريخ الحديث، وخاصةً في العصر الدستوري، عندما سئم الناس من الظلم، لجأوا إلى مرقد  عبدالعظيم(ع) واعتصموا به.

 

 

تأثير المرقد المقدس في أحداث إيران المعاصرة

 

 

لقد لعب المرقد المقدس دورًا استراتيجيًا في تاريخ إيران المعاصر، وقد تشكلت في ذلك المكان المقدس العديد من المعادلات السياسية والاجتماعية لإيران بعد العصر الصفوي، بدءاً من اغتيال ناصر الدين شاه على يد ميرزا “رضا كرماني” وانتهاءً بقبول حكمه الذي دام خمسين عاماً إلى أحداث اخرى مثل هجرة العلماء إلى طهران عام 1905م بسبب فساد البلاط، وعدم الوفاء بوعود الملك وطغيان “عين الدولة” مستشار مظفر الدين شاه بناءً على اقتراح آية الله “الطباطبائي” الذي اعتصم  في المرقد وغيرها من الأحداث التاريخية التي شهدتها العاصمة الإيرانية.

 

 

منع انحراف الحركة الدستورية بدأ من عتبة المرقد المقدس

 

 

 

بدأت الحركة الدستورية في شرعنة شؤون البلاد والحد من سلطة الملك، لكنها منذ أن اقتدت بالدول الغربية، أصبحت منحرفة ولم تكن مفيدة كما ظنت الأمة.

وكان آية الله الشيخ “فضل الله نوري “ممن لاحظوا هذا الانحراف سريعاً. لقد كان له دورُ كبير في تحقيق الثورة الدستورية، ولكن بمجرد شعوره بالخطر، بدأ جهوده لمنع الانحرافات، لكن المثقفين الذين لعبوا بأنفسهم دوراً كبيراً في خلق الانحرافات وغيرها من العوامل وقفوا في مواجهته، فخاف من عدم تحقيق أهدافه، وفي سبيل تحقيق مراده هاجر إلى المرقد المقدس واعتصم به  مع بعض علمائه
ومؤيديه.

 

 

اعتقال  السيد جمال الدين أسدآبادي داخل المرقد المقدس

 

استعان به الشاه على إصلاح أحوال المملكة، وسن لها القوانين الكفيلة بإصلاح شؤونها، ولكنه استهدف لسخط أصحاب النفوذ في الحكومة، وخاصةً الصدر الأعظم، فوشوا به عند الشاه، وأسر إليه الصدر الأعظم أن هذه القوانين تؤول إلى انتزاع السلطة من يده، فأثرت الوشايات في نفس الشاه، وبدأ يتنكر للسيد فاستاذنه في المسير إلى المرقد المقدس على بعد عشرين كيلو متر من طهران، فأذن له، فوافاه جمعٌ غفير من العلماء والوجهاء من أنصاره في دعوة الإصلاح، فازدادت مكانته في البلاد، وتخوف الشاه عاقبة ذلك على سلطانه.
كذلك شكل سعي السيد جمال الدين أسد آبادي على رفض تدخلات الأجانب ومنحهم الامتيازات من جهة، وعدم قدرة ناصر الدين شاه على إدارة شؤون البلاد واعتماد البلاط على إنجلترا وروسيا من ناحيةٍ أخرى، زاد من تخوف الشاه منه، فاعتزم الإساءة إليه، ووجه إلى  المرقد المقدس خمسمائة فارس قبضوا عليه وكان مريضاً، فانتزعوه من فراشه واعتقلوه، وساقه خمسون منهم إلى حدود المملكة العثمانية منفياً، فنزل بالبصرة، فعظم ذلك على مريديه، واشتدت ثورة السخط على الشاه.

 

 

آية الله السيد حسن مدرس في المرقد المقدس

 

 

تُعتبر فترة القاجار، وخاصةً سنواتها الأخيرة، من أكثر الفترات مرارةً في تاريخ إيران؛ وبطريقة فريدة من نوعها في الفوضى والخروج على القانون وتدخل الأجانب. وفي مثل هذا الوضع، حصل “صمصام السلطنة” على الثقة من مجلس الأمة كرئيس للوزراء، ولكن بعد فترة قصيرة، اتضح للجميع عدم كفاءته وضعفه الإداري الشديد.

 

وعندما رأى “آية الله مدرس” أن لا  تأثير للاعتراضات، فاقترح الاعتصام عند مرقد السيد عبد العظيم (ع)، متوجهاً بنفسه مع مجموعة من الناس في المرقد احتجاجاً على الأوضاع القائمة . وأخيراً، تسبب ضغط المعارضة والاستياء الشعبي في سقوط حكومة “صمصام السلطنة”، وأصبح “طوق الدولة” رئيساً للوزراء.

 

 

هجرة العلماء من طهران والاعتصام في مرقد السيد عبد العظيم (ع)

 

تأثير الأجانب مثل السيد نوز البلجيكي الذي تولى إدارة الأمور علناً في عهد مظفر الدين شاه، وطغيان عين الدولة، ومستشار مظفر الدين شاه، ونفي العلماء وإذلال الشيوخ، وعدم الوفاء بوعود الشاه في اعتصام تجار طهران من قبل عين الدولة، وفساد البلاط والصراعات بين مسجد الشاه ومسجد سبهسالار، كل هذا دفع “آية الله الطباطبائي” إلى اقتراح الهجرة إلى مرقد السيد عبد العظيم (ع) والذي وافق عليه معظم العلماء.

 

عُرفت هذه الهجرة فيما بعد بالهجرة الصغيرة. إن دور هذا الاعتصام في تاريخ حركة الصحوة والثورة الدستورية مهم لدرجة أن كل من كتب في تاريخ الحركة الدستورية ذكره.

 

انضمت الغالبية العظمى من علماء وطلاب طهران إلى هذا الاعتصام،  ومن هؤلاء آية الله السيد محمد الطباطبائي وآية الله السيد عبد الله بهبهاني، ووصل عدد المتظاهرين إلى أكثر من ألفي شخص؛ بحيث لم يكن هناك مكان للحجاج حول الضريح والساحات في ليالي وأيام الجمعة.

ومع إعلان انتصار المحاصرين في السادس عشر من ذي القعدة، أثناء تلاوة رسالة الشاه الموجهة إلى العلماء، ترددت صيحات “عاشت الأمة الإيرانية” لأول مرة في التاريخ لهذا البلد من مرقد السيد عبد العظيم الحسني (ع) ؛ بطريقة فاجأت وأذهلت رجال الحاشية الحاضرين في المجلس.

 

 

مدافن علماء ومشاهير ايران في المرقد المقدس

 

 

وقد دفن في هذا المرقد المقدس أكثر من 50 من مشاهير الإسلام وإيران، الذين كانوا من عظماء عصرهم، ومن أهم هؤلاء يمكن ذكر الأسماء التالية: المفسر والمرجع الشيخ أبو الفتوح الرازي، آية الله الشاه آبادي (أحد أساتذة الإمام الخميني(قدس)) وآية الله كاشاني، العالم الفاضل والمفسر الجليل، الشيخ محمد خياباني، الشهيد الطيب الحاج رضائي، آية الله أبوالقاسم الطهراني، سيد سیّد محمّد طباطبایی سنگلجی، داعية حجة الإسلام والمسلمين القوي، محمد تقي فيلسوف، أبو الفضل طهراني.

 

 

دوره في انتصار الثورة الاسلامية

 

لم يلعب ضريح المرقد المقدس دورًا في توفير الأساس التاريخي للدستور فحسب، بل كان فعالًا أيضًا في العقود التالية في تشكيل الثورة الإسلامية. في بداية الدرس بتاريخ 1962م، ذكر الإمام الخميني (قدس) وهو يعطي ملاحظات مفصلة حول ضرورة مواصلة الحركة والوقوف ضد النظام البهلوي الغاشم، عدة مدن كتب له أهلها وأعلنوا جاهزيتهم، ومن جملة ما قالوا: “لقد كتبوا رسالة من الري وأعلنوا فيها استعدادهم لخمسة آلاف كفن.”

 

أ.ش

 

المصدر: الوفاق