في ذكرى استشهادهما الثالثة:

الشهيدان سليماني والمهندس فارسا هذه الأمّة

تكمن أهمية وخصوصية الشهيدين سليماني والمهندس، حيث غدا قدوة ونموذجا للعمل المقاوم في وجه أعداء الامة، ومصدر إلهام للشباب والمجاهدين

2023-01-03

د. أحـمـد الـزين
مع قدوم الذكرى السنوية الثالثة لإغتيال قادة النصر الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، لا يسعنا إلا ان نقف مع محبّي وأنصار ورفاق الشهيدين وشعوب محور المقاومة وباقي احرار العالم، وقفة عزّ وفخر، ونوجه تحية تقدير وعرفان بالجميل، وننحني إحتراما وإكبارا وإجلالا أمام هذين القائدين العظيمين وفاءً لتضحياتهما الجسام وإكراما لدمائهما الزكية التي بذلوها في طريق مكافحة الإرهاب الداعشي التكفيري الصهيوني، وإحباط المخططات الامريكية الاستكبارية لاحتلال المنطقة والهيمنة عليها، وإفشال المشاريع الخليجية السعودية الوهابية الهادفة الى خلق بما يسمى أمارة “داعش” او “تنظيم الخلافة الإسلامية” في سوريا والعراق لاستكمال من خلالها عملية تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني والرضوخ للاحتلال، والترويج للانقسامات وتقسيم ما تبقى من الدول العربية، والسير بسياسات التطويع والخنوع والخضوع والاستسلام لقرارات امريكا والقوى الغربية لحفظ مصالحهم وتنفيذ أجنداتهم الاستعمارية.. في مقابل تأمين الحصانة للملوك والامراء العرب الحاكمة وحماية عروشهم من السقوط، وتحصين حكمهم الجائر من الاهتزاز أو الانقلابات، وإخماد غضب وثورات شعوبهم ضدهم.
والاخطر من ذلك، اعترفت امريكا و”إسرائيل” بان الشهيدين سليماني والمهندس يشكلان عقبة وعائقا في تحقيق مشروع “صفقة القرن” أو مشروع “الديانة الإبراهيمية” الجديد، وهو مخطط استعماري، يهدف الى إقامة تحالف بين العرب المطبعين واليهود، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، لابتلاع القدس وفلسطين، حيث تختفي فيه معالم العروبة والإسلام لصالح العقيدة التوراتية التلمودية الصهيونية.. وقد تنبّه الشهيدين لخطورة تلك المؤامرة الامريكية الصهيونية، واخذا على عاتقمها مواجهتها بكل السبل المتاحة.
ومن هنا تكمن أهمية وخصوصية الشهيدين سليماني والمهندس، حيث غدا قدوة ونموذجا للعمل المقاوم في وجه أعداء الامة، ومصدر إلهام للشباب والمجاهدين، ومثالا للالتزام بالقيم الاسلامية ومبادئ الثورة الاسلامية، ومنهاجا في نصرة الحق والعدل، وعنوانا للايمان والصدق والاخلاص والتفاني والصمود والتضحية والجهاد في سبيل نصرة المستضعفين والشعوب المظلومة ودفع الظلم والاستبداد والطغيان.. ورفع القهر والمعاناة والحرمان عنهم وعن كل مظلوم أو محروم أو معدوم دون تمييز لأي دين او طائفة او مذهب او عرق ينتسب.. حتى بات جوهرهما يشكلان مدرسة إنسانية نادرة، في يومنا هذا، تجسد قيم العطاء والسخاء والفداء.. ومبادىء الإيثار والإقدام والشجاعة والبطولة.. بدليل انهما كانا يتواجدان في الميدان ويدخلان المعركة ويقتحمان الخنادق والجبهات المتقدمة للتصدي للارهابيين والتكفيريين بقوة واقتدار واستعداد وتدبير.. ببرهان ما شهدناه في وسائل الإعلام من إنزال اكبر الخسائر وإلحاق أشد الهزائم بهم.. وإجبارهم على التقهقر والإنحسار.. والقضاء على إرهابهم وإحتلالهم وحلمهم بتأسيس دولة “الخلافة”.. كما حقق القائدين الكبيرين من خلال ذلك الكثير من النجاحات والإنجازات والإنتصارات لمحور المقاومة.. والتي مهّدت الطريق لتحرير جنوب لبنان وشمال العراق ومعظم اراضي سوريا.. وأدت الى إستتباب الامن والاستقرار لشعوب المنطقة، وأعطت الفخر والعزّة والكرامة للامة.. وأثارت الإعجاب والدهشة للصديق والعدو.
ومن الطبيعي ان تنتهي حياة القائدين المغوارين بالاستشهاد، لان عقيدة القتال عندهما هي “المقاومة حتى الشهادة”، فكانا لا يباليان بالاخطار والمخاطر والموت لانهما كانا يقاتلان في الجبهات الامامية، فالشهادة بنظرهما اعلى مرتبة يمكن ان يحصل عليه الانسان في هذه الحياة الدنيا، وتعد منزلة وكرامة الشهيد عند الله تعالى عظيمة فهم أحياء مع الرسل والأنبياء والأولياء، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”. (آل عمران، 169).
ومن طبيعة الإجرام الامريكي، ان يضع ترامب وادارته الشهيدين سليماني والمهندس هدفا لإغتيالهما فخططوا لقتلهما ردا على النكسات المتتالية والهزائم المتلاحقة التي تعرضوا لها.. بعد ان جعل قادة النصر قضية فلسطين والقدس الشريف في اولوية اهتماماتهما، وأقسما على دعم محور المقاومة وحركات التحرر والفصائل في فلسطين، وأعلنا تبني خيار المقاومة المسلحة كخيار وحيد في التصدي للمشروع الوهابي التكفيري الإرهابي والعدو الصهيوني وكيانه المؤقت، وزادا في تصعيد المواجهة ضد الاستكبار الامريكي وعملائهم وأذنابهم في المنطقة، وساهما في تقديم العون والسند والدعم لنصرة قضايا الامة العربية والاسلامية، وخصوصا تلك المواقف الداعمة والمساندة للشعب اليمني المظلوم لصد ورد عدوان قوى التحالف الامريكي السعودي وفك الحصار الجائر على اليمن وشعبه.. ولهما الفضل الاكبر في تراكم الخبرات والقوة والقدرات وخلق معادلة قوة توازن وردع وميزان رعب مع امريكا والكيان الصهيوني وحلفائهما الاقليمين.
فالقائدين سليماني والمهندس ليسا شهيدا إيران والعراق فحسب، بل هما شهيدا الامة العربية والإسلامية وفارسا العروبة والإسلام، ودمائهما الزكية لن تذهب هدرا.. وسيظل طيفا الشهيدين يؤرق مضاجع الامريكيين وسيلاحقا قاتليهم في كل مكان الذين ارتكبوا خطئا فادحا وتوهّموا وظنّوا بقتلهما بأن “العالم بات مكانا أكثر أمنا اليوم”.. بينما في الواقع بات الشهيدين يهددان اعداءهما اكثر منه وهم أحياء.. وهذا ما صرّح به مسؤولون فرنسيون بان الهجوم الامريكي بإغتيال سليماني “جعل العالم بخطر أكثر”. فكما كان جهادهما في حياتهما قد أثمر فتحاً وتحريرا وفوزا ونصرا وعزّة وكرامة.. فإن هذه الدماء الزكية التي سقطت ظلما وعدوانا ستبقى لعنة تطارد الامريكيين أينما حلّوا.. والله تعالى يقول: {..أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ﴿١٨- هود﴾، {..إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} ﴿٢٢- السجدة﴾.
وقد شهدنا نزول لعنة الله على المجرمين الاميركيين وسرعة الانتقام والعقاب الالهي في مشهدية هروب الاميركيين من أفغانستان وانسحاب جنودهم أذلاء، كما أجُبروا على إنهاء وجودهم العسكري في العراق بفضل مواقف العراقيين الشرفاء ورجال المقاومة الإشداء، وأقتصر دورهم على وجود مستشارين فقط.. وتلقت امريكا أيضا صفعة قوية من الرئيس بوتين وأذلّها وأرعبها من خلال التهديدات النووية، وضرب أقتصادها بإغراقها بأزمات الغاز والنفط وارتفاع الاسعار وزيادة التضخم، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. والقادم أعظم!
وببركة وكرامة تلك الشهادة المباركة مع تفعيل الارادة والقوة والعزم والتصميم على الردّ المشروع والانتقام الحتمي من قبل رفاقهما وشعوب المنطقة وضربات قوى محور المقاومة البواسل، سيدفع الامريكيون المجرمون القتلة ثمن جريمتهم النكراء، أقله خروجهم من المنطقة عاجلا ام أجلا مذلولين صاغرين مهزومين.. وهم يجرون أذيال الخيبة والفشل والهزيمة والخسران المبين.. ويسحبون ورائهم أذنابهم العملاء والخونة وذيلهم المثقل بالجرائم والمجازر ودماء الابرياء المتمثل بالكيان الصهيوني الى الابد باذن الله تعالى.