عضو المجلس المركزي في حزب الله للوفاق:

العلامة مصباح يزدي رائد مشروع ثقافي فكري متجدد

يصادف في الأول من كانون الثاني / يناير الذكرى السنوية الثانية لوفاة الفيلسوف وعالم الدين الإيراني آية الله مصباح يزدي، الذي يُعتبر أحد أبرز علماء الدين الإيرانيين ومن تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي محمد حسين الطباطبائي، وقد عُدَّ من أشهر الفلاسفة الشيعة خلال حياته.

2023-01-08

الوفاق/ خاص/ عبير شمص

ولد آية الله محمد تقي مصباح يزدي في عام 1934 في مدينة يزد (وسط إيران)، وأنهى دراسة المقدمات في العلوم الدينية فيها، وهاجر بعدها إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراساته الحوزوية، ثّم غادرها بسبب الضائقة المالية، مهاجراً إلى قم المقدسة لمواصلة تحصيله العلمي.

تفرّغ للدراسة والبحث والمطالعة حتى أكمل في مدّة أربع سنوات جميع مراحل المقدمات والسطوح حتى الرسائل والمكاسب؛ في حين أنّ إكمال هذه السطوح عادةً ما يستغرق حوالي ثماني سنوات.

وبدأ آية الله مصباح يزدي التدريس من مدرسة حقاني (المنتظرية)، وذلك بهدف تدريب القوى الفكرية والعقائدية، وتربية أشخاص ملتزمين وفاعلين لتشكيل الكادر المستقبلي للنظام الإسلامي والحكومة الإسلامية، فقام بتدريس موضوعات قرآنية وتفسيرية وفلسفية في تلك المدرسة.

كما درس كتاب “فلسفتنا” للشهيد الصدر ، وكتاب “بداية الحكمة” للعلامة الطباطبائي  لمدة عشر سنوات في تلك المدرسة، وكذلك كتب فلسفية مفصّلة مثل الأسفار الأربعة للمهتمين بهذه الدروس، فقد كانت هذه الفصول، في الواقع، المستوى التخصصي في الفلسفة.

وكذلك يعتبر موضوع “الغرض من الإسلام والعلاقة بين الثورة الإسلامية والإسلام” من المباحث الأخرى التي ألقاها آية الله مصباح يزدي بدعوةٍ رسمية من جامعة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا وقد شارك في دروس الإمام الخميني (قدس) في الفترة بين 1952 و1960، وفي تلك الفترة تتلمذ كذلك على يد العلامة الطباطبائي في دروس تفسير القرآن وفلسفة إبن سينا وملا صدرا. وشارك قرابة 15 عاماً في درس فقه آية الله بهجت. وبعد نفي الإمام الخميني (قدس)، واصل أبحاثه وتحقيقاته في الموضوعات الاجتماعية للإسلام بما فيها الجهاد والقضاء والحكومة الاسلامية.

عُرف آية الله يزدي بنشاطاته السياسية قبل الثورة الإسلامية في إيران، وكان له دور فعّال في المجال الثقافي إلى جانب رفاقه من العلماء وشارك معهم في تطوير الحوزة العلمية، وبعد انتصار الثورة الإسلامية تم اختياره عضواً في اللجنة الثورية الثقافية، وشارك في فعاليات تأسيس مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، وإصلاح نظام الحوزة العلمية، وقد قام بتشجيع من الإمام الخميني(قدس) بتأسيس مؤسّسة باقر العلوم العلمية التحقيقية، وكذلك مؤسسة الإمام الخميني(قدس) للتعليم والبحث العلمي.

في الفترة الأخيرة قبيل وفاته، شغل العلامة يزدي منصب رئاسة مؤسسة الإمام الخميني(قدس)، ورئاسة المجلس الأعلى للمجمع العالمي لأهل البيت(ع) ، وعضوية جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بمدينة قم إلى جانب عضوية المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وممثل أهالي محافظة خراسان الرضوية في مجلس خبراء القيادة.

وبهذه المناسبة أجرت جريدة الوفاق مقابلة مع عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي، وكان هذا الحوار:

 كيف كانت شخصية الشيخ مصباح يزدي ؟

إنّ آية الله الشيخ مصباح يزدي كان جندياً صادقاً ومخلصاً في الثورة التي أطلقها الإمام الخميني (قدس)، ومنذ اللحظة التي انتسب فيها إلى الحوزة العلمية الشريفة عمل على قاعدة: كلّما ارتقى في العلم درجة حاز على الصفاء مثلها، فربّى نفسه وهذّبها على بلوغ مرتبة الإنسجام والتطابق بين القول والعمل، وأن تكون حياتُه في خدمة الإسلام، فخرج من أنانية النفس وحاز على مقام الصفاء، فأهّله ذلك ليكون الجندي المخلص في هذه المسيرة، والمسلّمَ لقائدها، معتقداً أنّ نهج الأنبياء هو التسليم المطلق في إطار تبليغ الرسالات السماوية، ومن هنا يظهر التفاوت في رتبة الأنبياء، كذلك زمن الغيبة فإنه (عج) أوكل المهام إلى الفقهاء المتصدّين ضمن الشروط والضوابط، وفي هذا العصر كان يرى العلامة الراحل الشيخ مصباح أنّ الفرد الأبرز والأقدر على القيام بهذه المهمة هو الإمام الخميني(قدس)، فدرس عليه واقتدى به واستفاد من علمه وأخلاقه فرأى فيه العالم الكامل، فسار على طريقه والتزم نهجه قولاً وعملاً ولم يسمح لنفسه حتى بالوسوسة أن يكون له حيّز خاص، بل كان مسلّماً من دون نقاش طائعاً مختاراً. لهذا بنى شخصيّته العلمية والفكرية بما تمكنه من أن يكون الداعي والمبلغ في نجاح هذه الثورة وبناء الكادر القادر على حمل الأعباء ومواجهة التحديات الفكرية والثقافية التي ستواجه مسار الجمهورية الإسلامية فيما يُطلق عليه بالحرب الناعمة.

 هل كان له أسلوب خاص في بيان الدروس الأخلاقية وما هي أهم توصياته الأخلاقية؟

إخلاص آية الله يزدي ظهر جلياً في علاقته بقيادة الثورة والخدمات التي قدّمها لهذه الثورة المباركة، إذ اعتبر أنّ المجتمع يحتاج إلى خطاب يُوضّح له أهداف الثورة ويبني له شخصيته الفكرية والعقائدية، لذلك درس أيضاً على السيد محمد حسين الطباطبائي والشيخ محمد تقي بهجت، فهؤلاء الثلاثة جمعوا إلى الفقه والأصول الفلسفة وعلم الكلام والتفسير والأخلاق، وهذا ما ظهر من مجموع مصنّفاته ومحاضراته، إذ كانت تجمع بين النظرية والتطبيق، فلم يكن منظّراً على الشعب الإيراني بعيداً عن الواقع وتعاليم أهل البيت ( ع )، لذلك كانت حركته الثقافية هادفة وتُوصل إلى المنشود. وقد عمل آية الله يزدي مع قيادة مخلصة في الجمهورية الإسلامية كالشهيد مطهري والشهيد بهشتي والشهيد قدوسي والشيخ جنتي وغيرهم، وهولاء جميعاً كانوا يملكون فكراً نيّراً مضافاً لإخلاصهم الشديد، فقدّموا خدمات جليلة في العلم والمعرفة والتفسير وعلم الكلام والفلسفة مضافاً لمدرسة الأخلاق التي لم تكن مجرد رواية بل كان درس الأخلاق يجمع بين النظرية والتطبيق، فالمخاطبون يشعرون وكأنّ أحداً يقودهم في الليالي الحالكات نحو شاطئ الأمان. ولعلّ أهمّ إنجازات الشيخ مصباح يزدي، هو بلورة المشروع الثقافي الفكري عبر تشييد مؤسسة الإمام الخميني(قدس) للتعليم والبحث العلمي، والمصنفات التي درّسها، واستمرت من بعده وسوف تبقى وتستمر نهجاً للأجيال. وممَا صنّفه: ١/ المنهج الجديد في تعليم الفلسفة؛٢/ النبوة في القرآن الكريم؛٣/ أنواع الفتن في سفينة النجاة؛٤/ بارقة في سماء كربلاء؛٥/ النظرية الحقوقية في الإسلام؛٦/ دروس في العقيدة الإسلامية؛٧/ السير إلى الله؛٨/ أصول المعارف الإنسانية؛٩/ الغزو الثقافي؛١٠/ العرفان في الإسلام؛١١/ معارف القرآن .

كيف كانت علاقته بالسيد حسن نصر الله والمقاومة، وما هو تأثيره على الشباب المقاوم في لبنان أخلاقياً ومعنوياً وروحياً ؟

من عناوين مؤلفاته نكتشف اهتمامات الشيخ يزدي، وأنه قدّم للمكلفين احتياجاتهم الفكرية والثقافية، وأنه لم يكن منظّراً عليهم بقدر ماكان يسعى لتقديم الثقافة العملية للمكلفين التي تجعلهم يعتقدون ويعلمون الحق ويسيرون باتجاهه فكراً وثقافةً وجهاداً في الجبهات المختلفة حيث يدعو الواجب، وهذا ماكان يُعبّر عنه الشيخ يزدي عندما كان يلتقي قادة المقاومة. ففي إحدى لقاءاته بسيد المقاومة الإسلامية سماحة حجة الإسلام السيد حسن نصر الله، أصرّ على تقبيل يده رغم الرفض الشديد من قبل السيد، أراد ذلك تعبيراً عن دعمه لهذا الخيار والنهج وعن إيمانه العميق بوجوب مقاتلة إسرائيل وكلّ الإحتلالات في المنطقة، وأراد لهذه الصورة أن تكون تطبيقاً عملياً في دروس الأخلاق والإنتماء والإلتزام بنهج الولاية، حيث إنّ أول مايحتاجه المنتمي لهذا النهج هو التخلي عن الذات.

ما هي رؤيته لولاية الفقيه وكيف كانت علاقته بالسيد القائد(دام ظله)؟

ج: وأما علاقته بقائد الثورة الإمام السيد الخامنئي (دام ظله)، فهذا يظهر من خلال الإحترام الكبير الذي يصرّ فيه آية الله يزدي على التخلي عن كلّ حيثياته، ليقول: أنا لا كيان لي مقابل الولي الفقيه، وأنّ الذوبان بالقائد هو المعبر الحقيقي للوصول إلى الولاية التامة التي أرادها الله تعالى للأئمة المعصومين (ع)، فبهذه الولاية تكون العبادة صحيحة ويتحقق معها الجهاد ونحوز على الإنتصارات.