الدّعم النفسي ضرورة لجميع مراحل العمر

مرحلة الشيخوخة لها ظروفها وإحتياجاتها

يقتضي على المحيطين بالمسنّ؛ الأولاد والإخوة والأخوات والمجتمع، أن يعطوا المسنّ تعويضاً عن الضّعف وعن الشّعور بالإحباط الذي يعتريه ، إنّه الحبّ، العطف، التّقدير، والرّعاية،

2023-01-09

كل الناس بدون استثناء.. وما أن ينتهي ربيع العمر تراودهم هواجس وافكارا مقلقة تجاه مرحلة خريف العمر..

بداية الكلام من الضروري الإطلاق من الحديث الشريف (ما عجز البدن عما قويت عليه الهمة).

بعض الحالات التي نشهدها في مجتمعاتنا المصابة بشيخوخة الهمة تعني القدرة على الإنجاز والإحساس بالعجز من شدة الترف والترهل الإجتماعي والحياتي.

وكم من عجوز قارب الثمانين نراه يثابر على اعماله وعبادته اليومية.

تصنيف الشيخوخة إلى ثلاث مراحل :

* مرحلة المسن الشاب وتبدأ من عمر الـ ٦٥ حتى الـ ٧٤ سنة.

* مرحلة المسن الكهل وتبدأ من الـ ٧٥ حتى الـ ٨٤ سنة.

* مرحلة المسن الهرم تبدأ من الـ ٨٥ سنة وما فوق.

مرحلة الشيخوخة واحدة من مراحل النمو الأخرى لها ظروفها وإحتياجاتها وتبدلاتها النفسية ربما هي المرحلة الأكثر حرجاً. إذ يصبح المسنون اكثر عرضة للأمراض (القلب الضغط السكري الدورة الدموية والزهايمر).

ويتعرضون لتغيرات إجتماعية بالغة الأهمية ( كزواج الأبناء والإبتعاد عنهم) مما يؤدي ذلك الى الشعور بالعزلة والإجهاد النفسي.

اهم التغيرات المؤثرة بمرحلة الشيخوخة :

الحالة الصحية، الشعور بالوحدة،  فقدان احد الشركاء،  إنسحاب الدور الإجتماعي بحكم الدورة الوظيفية.

تتصف مرحلة الشيخوخة بقلة النشاط والإحتفاظ بل التشدد في الروتين اليومي والعادات وتؤدي هذه العادات إلى تذمر أفراد العائلة وخاصة في الأسر التي تتفاوت فيها  الأجيال.

دور الأسرة في حفظ المُسن

للأسرة دور كبير في حفظ المسن وخصوصاً رفع التقدم الطبي والخدمات الصحية المتاحة من واجب الأبناء حفظ آبائهم وامهاتهم المسنين ورعايتهم صحياً وإجتماعياً ونفسياً كما أمرنا الله تعالى في قوله الكريم :

وقضى ربك الا تعبدوا الإ إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً.. إخفص لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيراً.

ماذا ينتظر المسنّ من محيطه العائليّ؟!

إنّ الحاجة إلى الدّعم النفسي هي ضرورة لجميع المراحل؛ مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة. فطالما أنّ الإنسان في حالة حياةٍ وتجارب، فسيكون بحاجة إلى دعم، ولكنَّ أسلوب هذا الدعم يختلف من مرحلةٍ إلى مرحلة.

بدايةً، نوجِّه الموضوع أو الحديث إلى المحيطين بالمسنّ، لنقول لهم إنَّ الشيخوخة ليست عارضاً أو مرضاً أو حالة نفسيّة أو مرضيّة أو اجتماعيّة، نحن جميعنا مسنّون مع وقف التّنفيذ، نحن سائرون وصائرون إلى الشيخوخة.

هذه المرحلة لها مواصفاتها الخاصَّة نتيجة الضعف، ونتيجة الخوف والقلق مما هو أصعب من ذلك، فكلّما تقدّم العمر بالمسنّ، شعر بالخوف والقلق أكثر، وبالضّعف أكثر…

هذه المكوّنات كلّها توحي بالتّشاؤم، فمن أجل ذلك، يقتضي على المحيطين بالمسنّ؛ الأولاد والإخوة والأخوات والمجتمع، أن يعطوا هذا المسنّ تعويضاً عن هذا الضّعف وعن هذا الشّعور بالإحباط الذي يعتريه.

ما هو هذا التّعويض؟

إنّه الحبّ، العطف، التّقدير، والرّعاية، ولا يجب أن يشعر هذا المسنّ بأنّه مريض ومهمل.

بكلّ أسف البعض إذا ما تحدّثوا عن الشيخوخة أو عن المسنّين، يتحدّثون عن شريحة من الناس هي أشبه بشريحة المعوَّقين أو المرضى، والواقع ليس كذلك.

إذاً، هذا الدَّعم هو حقّ لهم. إضافةً إلى ذلك، هذه الخبرة التراكميّة الموجودة عندهم، من تجارب العمر والاختبارات، ومنها ما نجح، ومنها ما أخفق، يجب أن يستثمرها الأبناء والأجيال القادمة.

بكلّ أسف، نحن أمام أمرين خطيرين نحذِّر منهما، وهما: النّظر إلى المسنّ على أنّه حالة مرضيَّة، والأمر ليس كذلك، بل هي مرحلة عمريَّة، والأمر الثاني، النّظرة التي تعتري شبابنا اليوم، وهي النَّظر إلى كلِّ ما هو قديم على أنَّه ـ بين قوسين ـ “دقَّة قديمة أو موضة باطلة أو عملة باطلة”.

الواقع ليس كذلك. نناشدهم بكتاب الله والأخلاق وبالمجتمع والوطنيّة، أن لا يتعاملوا مع كلّ ما هو قديم بهذه العقليّة. أوروبَّا عندما نهضت لم تلغ القديم، أبقت على الأدب اللاتيني وعلى العمارة كذخيرة لتنطلق من خلالهما من جديد.

تحذير من إلغاء القديم

نحن لا ندعو الشّباب إلى العودة إلى الوراء، وأن يتركوا التّكنولوجيا أبداً، ولكن نحذِّر من إلغاء القديم، لأنَّ هذا الإلغاء قد يشمل الأخلاق والقيم والاجتماعيَّات والدّين، وهذا ما بدأنا نشهده اليوم في منازلنا جميعاً، هذا ما نحذِّر منه وما نرجو استثماره من المسنّين.

أمَّا لماذا تغيَّرت النَّظرة إلى المسنّ، فإنَّ الأمر مرتبط بالعولمة، فبعد أن زيِّن لنا الكثير من مباهجها ومن إيجابيَّاتها، ومن أنها ستدخلنا جنَّة الفردوس، ثبت لنا أنَّ فيها من المخاطر ما يشيب له رأس الغلام.

من هذه المخاطر الّتي حملتها العولمة أو النّظام العالميّ الجديد، النَّظرة إلى الأسرة، إذ لم تعد أسرتنا التي كنَّا نحسد من قبل الغربيِّين عليها، كما كانت عليه من قبل، فنحن اليوم نخسر هذه الأسرة، ولم نعد نلتفت إلى المسنّين، فالقول الذي كان يقال في الماضي يقال اليوم عكسه، كان يقال إنَّ الكبار هم ذخيرة وبركة، هم الخير والعطاء، أصبح يُنظَر إليهم اليوم على أنهم عملة بطل التَّداول بها، وهذا أمر مخيف.

يجب الالتفات إلى نوادٍ، وينبغي أن لا نقول المصحَّات أو دار العجزة أو دار المسنّين، لأنّه مهما جمِّلت هذه الأسماء، فهي تترك أثراً كبيراً في نفس المسنّ… وقد ثبت أنها تترك في نفوس المسنّين آلاماً مبرِّحة، بحيث يغادرون هذه الحياة، وجراحات هذه الحالة ترافقهم حتَّى الموت.

في أوروبَّا، المعروف أنَّه أصبح أمراً عاديّاً أنَّ الأب والأمَّ عندما يصيران في عمر معيَّن، أن يرسلهما أولادهما إلى دار المسنّين، حيث يقدَّم للمسنّين كلّ ما يريدون وأكثر، من المأكل والمشرب والعلاج الطبي والرّحلات، وأكثر مما يريدون.

ولكنّ علماء النفس قدَّموا دراسة على هذه الفئة من النَّاس، ووجدوا أنّ الأكثريّة العظمى منهم مصابون بالخواء النفسي (يائسون، حزينون، مقهورون، باكون). قالوا نحن عملنا كلّ ذلك لإسعاد هذه الشَّريحة، فما الذي يحدث؟ اتّضح عند علماء النفس أنَّ الحياة الأسريَّة لا بديل لها.

هذا يذكِّرنا بآيات القرآن الكريم، وهي كثيرة جدّاً، ومنها قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَان}، وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِير}…

إنّها دفق من الآيات الرائعات التي توصي بالمسنّين.

إذاً، احتضان المسنّ في بيته ورعايته أمر مهمّ، وهذا لا يحجب دور الدّولة أيضاً، حيث إنّ هناك حالات لا يمكن احتواؤها في الأسر.

 

الوفاق/ وكالات