هل يفوز أردوغان في الانتخابات التركية؟

أقدمت الحكومة التركية بقيادة أردوغان على عدة خطوات، ملخصها تخفيف الجباية الحكومية من المواطنين وزيادة الصرف الحكومي في المقابل، ولا سيما تجاه الشرائح الضعيفة

2023-01-11

سعيد الحاج

على بعد ما يقارب 6 أشهر على عقدها ما زالت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة مالئة الدنيا وشاغلة الناس في تركيا، بما فيه ذلك استطلاعات الرأي الكثيرة التي كانت تحدثت عن تراجع ملحوظ في شعبية كل من الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية قبل أشهر، لتعود وتظهر تحسنهما مؤخرا.

الانتخابات الأصعب

ثمة توافق عام بخصوص أهمية الانتخابات المقبلة في تركيا، كما يتفق كثيرون على أنها قد تكون الأصعب على حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه عام 2001 وتسلمه السلطة في تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2002.

فهي انتخابات تأتي بعد أكثر من 20 سنة متواصلة من الحكم المنفرد في البلاد، والأولى بعد تطبيق النظام الرئاسي في 2018، وفي ظل منظومة تحالفات جمعت عددا من الأحزاب المعارضة الكبيرة ضد العدالة والتنمية، من بينها أحزاب خرجت من رحم الحزب الحاكم نفسه وخلقت تحديا غير مسبوق بالنسبة له.

كما أنه استحقاق يأتي في ظل أوضاع اقتصادية متراجعة لأسباب داخلية متعلقة ببنية الاقتصاد نفسه وخارجية متأثرة بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من التطورات العالمية والإقليمية، فضلا عن تحول قضية اللاجئين والأجانب في البلاد إلى ملف مناكفات انتخابية عمل لشهور طويلة لغير مصلحة العدالة والتنمية.

لهذه الأسباب وغيرها أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبية أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، عن نتائج الانتخابات السابقة، واستطلاعات الرأي في تركيا وإن لم تكن دقيقة في توقعاتها التفصيلية إلا أنها تصلح للاستئناس بها في سياقاتها العامة، ولا سيما تلك التي تتوافق عليها معظم شركات استطلاعات الرأي.

وكان من هذه السياقات العامة هذا التراجع في شعبية الرئيس وحزبه مع توقعات بالحاجة لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية بسبب عدم قدرة أردوغان على الحصول على أكثر من نصف الأصوات على عكس ما حصل في الانتخابات السابقة.

ما الذي تغير؟

في تفسير هذا المتغير تبرز عدة معطيات، أولها وأهمها ما يتعلق بالملف الاقتصادي، خصوصا لجهة تأثيره على حياة المواطنين اليومية، فقبيل كل استحقاق انتخابي تعمد الحكومة القائمة إلى حزم من الدعم تسمى في تركيا “اقتصاد الانتخابات”، ولكن ما قدمته الحكومة هذه المرة بدا استثنائيا من حيث الحجم والوتيرة استشعارا منها بأن الاقتصاد هو خاصرتها الرخوة في الانتخابات المقبلة والبطاقة الأقوى في يد المعارضة وربما المعيار الأهم في نظر الناخب في الاستحقاق المقبل.

وعليه، فقد أقدمت الحكومة التركية بقيادة أردوغان على عدة خطوات في هذا الصدد، ملخصها تخفيف الجباية الحكومية من المواطنين وزيادة الصرف الحكومي في المقابل، ولا سيما تجاه الشرائح الضعيفة، فقدمت عدة حزم من الدعم لمحدودي الدخل والفلاحين والشباب والمقبلين على الزواج، بما في ذلك مشروع إسكان كبير مدعوم حكوميا، ودعم بعض المنتجات الزراعية، وتسهيل القروض على الجميع، ولكن الخطوة الأهم كانت رفع الحد الأدنى للأجور مرتين وبنسبة قياسية العام الفائت بهدف تخفيف تأثير ارتفاع الأسعار على المواطنين/ الناخبين، ومن المتوقع أن ترفعه مرة أخرى بنسبة مقبولة مع بداية العام الجديد.

في المقابل، أصدرت الحكومة عدة قرارات باتجاه جدولة الديون للغارمين غير القادرين على الإيفاء بها، وعملت مع بعض البلديات على سداد أو تأجيل جباية بعض الفواتير من غير القادرين، فضلا عن مسح بعض الديون أو الدفعات المستحقة على بعض المواطنين، وفي المحصلة قدمت الحكومة رسالة للمواطن أنها لم ولن تتركه فريسة للأوضاع الاقتصادية المتراجعة، وأنها تبذل جهدها للتخفيف عنه ودعمه بهذا الصدد.

يضاف إلى كل ذلك أن رهان الحكومة الرئيسي هو في مدى قدرتها على كبح جماح التضخم قبل الانتخابات، لذلك فقد ركزت رسائل وتصريحات الرئيس أردوغان ووزير المالية والخزانة نور الدين نباتي على أن الشهور الأولى من العام المقبل ستشهد انخفاضا ملحوظا في نسبة التضخم كمؤشر رئيسي على نجاح النموذج الاقتصادي الذي انتهجه أردوغان رغم الانتقادات الحادة التي تعرض لها.

أما السبب الثاني فهو بعض إنجازات السياسة الخارجية التي أحسن العدالة والتنمية والرئيس أردوغان تسويقها داخليا، وفي مقدمتها الأدوار التي لعبتها تركيا على هامش الحرب الروسية الأوكرانية، من الوساطة السياسية إلى اتفاق تصدير الحبوب إلى اتفاق تبادل الأسرى إلى استضافة لقاء بين جهازي الاستخبارات الأميركي والروسي إلى اقتراح تركيا كمركز لتصدير الغاز الروسي لأوروبا، وغير ذلك.

وثالثا، هناك خلافات المعارضة المستمرة مؤخرا، خصوصا في ما يرتبط باختيار مرشح توافقي لطاولة الأحزاب الستة المعارضة، حيث ما زال رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) كمال كليتشدار أوغلو مصرا على ترشيح نفسه، وما زال الحزب الجيد (ثاني أحزاب المعارضة) معارضا لذلك، ولا يراه المرشح الأنسب لمنافسة أردوغان، فضلا عن هزيمته.

يضاف إلى ما سبق ، تراجع حدة تناول ملف اللاجئين والأجانب -خاصة السوريين- في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، وقد كان ملفا ضاغطا على الحكومة التي لجأت إلى عدة قرارات ضمن سياسة “تخفيف تركّز الأجانب” في أحياء المدن الكبرى.

عوامل حاسمة

مرة أخرى، من المهم التذكير بأن استطلاعات الرأي في تركيا ليست دقيقة في توقع النتائج، وإنما تصلح فقط للاستئناس بسياقاتها العامة التي تتفق عليها معظم الشركات العاملة في هذا المجال، وتزداد أهمية هذه الملاحظة بسبب المدة الزمنية الطويلة نسبيا حتى الانتخابات، إضافة إلى عدم وضوح الخريطة النهائية للتحالفات الانتخابية والمرشحين للرئاسة.

لذلك، فحين نتحدث عن تحسن فرص الرئيس التركي والحزب الحاكم في استطلاعات الرأي فنحن نقدم ذلك كسياق عام في معظم استطلاعات الرأي أولا، وكتحسن نسبي ثانيا، ومقارنة بالشهور الفائتة لنفس شركات استطلاع الرأي ثالثا، مما يمنح الأمر مصداقية بدرجة مقبولة.

وعليه، فإن هذا المنحى قابل للاستمرار أو التوقف أو الارتداد والتراجع حتى موعد الانتخابات اعتمادا على 3 عوامل رئيسية:

الأول: الملف الاقتصادي، ومن ضمن ذلك السياسات الحكومية والحد الأدنى للأجور وغلاء الأسعار وقيمة الليرة وملف الطاقة، وأي برامج مقنعة للمعارضة في هذا الإطار.. إلخ في الأسابيع الأخيرة قبيل الانتخابات، أي الظرف الذي ستُجرى فيه.

الثاني: الخريطة الانتخابية، إذ لم يتضح حتى اللحظة الشكل النهائي لتحالفات الأحزاب الانتخابية ولا أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية، وهما من أهم العوامل التي ستحدد نتائج الانتخابات المقبلة في ظل عدم قدرة أي من الأحزاب والمرشحين على الحصول على نسبة 50% من أصوات المقترعين وفق التوقعات الحالية.

الثالث: المفاجآت، والمقصود أي تطورات غير متوقعة أو خارج الحسابات حاليا لكنها قد تكون ذات تأثير في توجهات الناخبين وأصواتهم، مثل عملية عسكرية في الشمال السوري أو تصاعد التوتر مع اليونان، مما يذكي المشاعر القومية أو خروج معلومات وملفات بخصوص مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهو ما يمكن أن يؤثر على صورتهم وحظوظهم.. إلخ.

ختاما، تؤكد نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأيديولوجيا والانتماءات الحزبية والاصطفافات السياسية والفكرية ليست كافية لحسم نتائج الانتخابات المقبلة في تركيا ولا حتى التنبؤ بها، وأن ثمة عوامل أخرى تبدو مؤثرة في تشكيل آراء الناخبين وتقييمهم للحزب الحاكم والمعارضة وبالتالي تصويتهم في الاستحقاق المقبل.

ويعني ذلك من ضمن ما يعنيه أن النتائج الأخيرة لاستطلاعات الرأي ليست حاسمة ولا نهائية لصالح أي من الطرفين، وأن آراء الناخبين معرضة للتغير والتبدل في الاتجاهين مع اقتراب موعد الانتخابات بناء على عدة عوامل.

كما أن العوامل المذكورة ليست معطيات موضوعية أو ظروفا خارجية مفروضة على البلاد، وإنما هي في معظمها توجهات وقرارات في أيدي طرفي المعادلة السياسية في البلاد، ولا سيما الحزب الحاكم بقيادة أردوغان، وبالتالي فإن جزءا مهما من تشكل آراء الناخبين بيدهم بدرجة أو بأخرى، وتبقى المدة الزمنية حتى الانتخابات (6 أشهر من الآن مبدئيا إن لم تبكّر) طويلة جدا للجزم بشيء في بلد يوصف اليوم الواحد في تطوراته السياسية بـ”الطويل جدا”.

المصدر: الجزيرة