معضلة الوزارة الجديدة وقضية حرمة “شابات شالوم”

التصدعات السياسية والاجتماعية كانت دائماً احدى معضلات المجتمع الصهيوني، والتي اشتدت واصبحت ظاهرة للعيان اكثر في الفترة الحالية

2023-01-14

حميد مهدوي راد

تعتبر قضية شابات شالوم (عطلة يوم السبت) منذ سنوات كثر تحدياً جدياً للكيان الصهيوني، واليوم مع تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، لم تتقلص التحديات والمشاكل الاجتماعية السياسية لكيان الاحتلال فحسب، بل زادت حدّة كمّاً ونوعاً. علماً ان ظاهرة الاختلاف بين الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية في اسرائيل ليست بالأمر الجديد، فقد واجهها هذا الكيان المحتل منذ بداية تأسيسه.

في احدث حالة في هذا السياق، بعث زعيم اليهودية المتحدة التوراتية، الاسبوع الماضي، رسالة احتجاج الى وزير نقل الكيان الصهيوني، ميري راغو، طالب فيها تطبيق (شابات شالوم)، بمعنى توقف كافة المركبات، بما فيها الحافلات والقطارات والخدمات العامة، عن توفير الخدمة للمواطنين. علماً انه قبل الانتخابات أبرم حزب الليكود واليهودية المتحدة التوراتية اتفاقاً بشأن تنفيذ هذا الامر، وكان الموضوع واحداً من شروط ائتلاف هذا الحزب مع الليكود. لكن مع هذا، أجاب مسؤولو وزارة النقل الصهيونية على رسالة يتسحاك غولدكنوف بأن نشاط سكك الحديد لن يتوقف يوم السبت.

يذكر ان قادة اتحاد اليهودية المتحدة التوراتية هم من المسؤولين الدينيين في كيان الاحتلال. وهم مثل حزب شاس، مؤيدون لحكومة دينية. مع العلم ان حزب شاس يمثل اليهود السفارديين (اليهود المحليين في الشرق الاوسط وجنوب اوروبا وشمال افريقيا) في حين ان معظم اعضاء اتحاد اليهودية التوراتية هم من اليهود الاشكنازي (يهود اوروبا الشرقية). وهذين الحزبين هما حزبين صهيونيين لا يسعيان وراء اهداف صهيونية سياسية، بل يجهدان لتحقيق هدف تهويد فلسطين المحتلة.

هذه المشكلة المواجهة لوزارة الكيان الصهيوني الائتلافية هي واحدة من العديد من المشاكل داخل هذا الكيان، وهي مشكلة داخلية في منظومته، وهي مطلب يبذل المتطرفون والمتشددون اليمينيون المتدينون الجهود منذ سنوات لتحقيقه.

ان التصدعات السياسية والاجتماعية كانت دائماً احدى معضلات المجتمع الصهيوني، والتي اشتدت واصبحت ظاهرة للعيان اكثر في الفترة الحالية. وهذا الى حد انها ولّدت موجة جديدة من الاستياء وعدم الرضا بين اليهود العلمانيين واليهود المتدينين.

يشار الى ان قضية المحافظة على حرمة (شبات/ السبت) تشكل الشطر الرئيسي في التوتر الديني بين جماعتي المتدينين والعلمانيين.وكانت منذ سنين طوال واحدة من مطالب المتدينين من العلمانيين. ويمكن تحليل وبحث التوتر القائم في العلاقات بين المتدينين من جهة والصهاينة العلمانيين وحكومة الاحتلال من جهة أخرى.

فالاحزاب اليمينية المتدينة تدعو للمصادقة وتنفيذ القوانين الدينية وفقاً للشريعة اليهودية في كافة الاراضي المحتلة. وهذه الاحزاب مستاءة منذ سنوات عديدة من الاوضاع الاجتماعية والتسيب وعدم الالتزام الاخلاقي في المدن المطلة على البحر الابيض المتوسط. وكان للمتدينين أيضاً في الاغلب مطالب لم تقدر الحكومة الصهيونية العلمانية على تنفيذها.

فالجماعة المتدينة، المعروفة باسم الحريديين، لها مطالب من الكيان المحتل بتطبيق الشريعة اليهودية في الاراضي المحتلة. وأحدها الاعفاء من خدمة العلم الاجبارية للطلاب الحريديين. والمطلب الآخر هو فرض لبس الحجاب على النسوة اليهوديات في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة. واعضاء اليهودية المتحدة التوراتية، المتشكلة من اليهود الاشكنازي، كانوا منذ اعوام طويلة يحتلون مختلف المناصب الحكومية، لذا لم تبدر منهم أي مطالبات. في المقابل فان حزب شاس، المؤلف من اليهود السفارديين، كان منذ سنوات واحداً من الاحزاب الدينية الناشطة في الكنيست.

كانت المظاهرات الاجتماعية والمجابهات بين جماعة المتطرفين المتدينين اليهود، أي الحريديون، وبين الشرطة الصهيونية في فلسطين المحتلة، واحدة من المشاكل القائمة لأعوام طويلة امام كيان الاحتلال. والآن مع انضمام المتطرفين الدينيين الى الائتلاف مع حزب الليكود وتشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة، فقد تجلت مرة أخرى المخاوف والآمال. والسبب هو انهم لأجل تنفيذ قرائتهم للشريعة اليهودية رحبوا بهذا الائتلاف، ومن جهة أخرى في حالة عدم انصياع كيان الاحتلال لمطالبات المتدينيين، فمن المحتمل ان تسقط هذه الحكومة.

يمكن ان يؤدي تحدي قضية حرمة (شابات شالوم) الى حدوث توتر بين المتطرفين الدينيين والحكومة الائتلافية، وربما حتى يؤدي الى فشل الائتلاف القائم بين الاحزاب الدينية واليمينيين في الحكومة. ان قضية حرمة (شابات شالوم) يمكن اعتبارها قد تحولت الآن الى معضلة اجتماعية جديدة بالنسبة للحكومة الصهيونية ويتوقع ان نشاهد في الاشهر المقبلة تغييرات في هذا الصعيد في الاراضي المحتلة.

من جهة أخرى يواجه نتانياهو في السياسة الخارجية أيضاً عدد من المشاكل والتحديات، التي تشمل التعامل مع الاتفاق النووي مع ايران، وتطوير مبدأ تطبيع الكيان الصهيوني العلاقات مع البلدان العربية (اتفاق أبراهام) وادارة النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي (التعاون الامني مع حكومة الادارة الذاتية)، وتقليص حجم الازمة في علاقات روسيا – اسرائيل (الحرب الاوكرانية)، وتنمية وتطوير علاقات الصين – اسرائيل (في المجال الاقتصادي). وهذا سوف نغطيه بالتفصيل في مقالات مقبلة.

المصدر: الوفاق خاص