الإعلان عن اكتشاف وثائق رسمية “سرية” في مكتب خاص للرئيس جو بايدن، تعود لفترة نيابته للرئيس السابق باراك أوباما، كان له وقع مفاجئ هزّ البيت الأبيض وحزبه الديمقراطي في الكونغرس. وزاد من قوة صدمته أنه تلاه نبش وثائق أخرى مشابهة، وُجدت في منزله بولاية ديلاوير، كما في داخل سيارته المركونة في كراج المنزل، وربما يُعثر على المزيد.
هذا التطور غير المتوقع وضع البيت الأبيض في مأزق من صنع يديه، ويصعب الإفلات من كلفته السياسية والانتخابية، والأرجح، إن لم يكن المؤكد، أنه أطاح احتمال ترشيح بايدن لولاية ثانية في 2024.
تقدم السنّ، معطوفاً على سقطة من هذا النوع، يجعل من المستبعد إقدامه على خوض معركة رئاسية لا تتفق شروطها مع مثل هذه المواصفات. ويضاعف من مشكلته أنها تزامنت مع مجيء اليمين الجمهوري المتطرف، وسيطرته على مجلس النواب، ما يهدّد بشلّ رئاسته خلال المتبقي منها، بحيث قد تتحول السنتان القادمتان إلى وقت ضائع، بين الانهماك بتقليل الخسائر، وبين المناكفة مع غالبية في هذا المجلس تُعدّ العدّة لتصفية حساب انتخابات 2020 مع إدارة بايدن، على حساب رئاسته وسياساتها الداخلية والخارجية في السنتين المتبقيتين منها.
عُثر على الوثائق في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أيام من الانتخابات النصفية. التفاصيل حول كيف ولماذا وفي أي سياق جرى الكشف عنها بقيت غير معروفة أو ملتبسة، كما بقيت طي الكتمان لغاية الأسبوع الماضي، عندما قام أحد محامي الرئيس بتسريب الخبر.
وفيما كانت الردود تتوالى باستغراب وتخوف من التداعيات، توالى الإقرار على دفعتين، الأسبوع الماضي، بوجود وثائق أخرى وُضعت اليد عليها في منزل الرئيس (6 صفحات، اعترف البيت الأبيض في البداية بصفحة واحدة). الكشف بالتقسيط عن هذه الغلطة الكبيرة، زاد الشكوك. فالرئيس بايدن، المتمرس بشؤون الحكم، يعرف أن القانون يحظر الاحتفاظ بمثل هذه الأوراق كملكية شخصية.
كل الوثائق، خاصة السرية، وحتى الهدايا التي يتلقاها المسؤول، والتي تفوق قيمتها ألف دولار، عليه تسليمها إلى مؤسسة “الأرشيف الوطني” قبيل مغادرته منصبه. التصرف بخلافه يعرّض صاحبه للمساءلة، ويضع علامات استفهام كثيرة وكبيرة حول صدقيته وقدرته على حسن التقدير والتدبير في صياغة القرار.
ولهذا، كان البيت الأبيض في الأيام الأخيرة، وما زال، في موقف الدفاع وبحيثيات ضعيفة، مثل الإيحاء بأن خطأ جرى أثناء جمع وتوضيب الأوراق، أدى إلى إسقاط او نسيان بعضها، أو أن سيارة الرئيس التي وُجدت فيها بعض الأوراق “كانت مقفلة”. كما جرت مقارنتها مع وثائق ترامب لجهة أنها كانت “قليلة”، وليست بحجم وخطورة تلك التي كانت في منتجع مارالاغو.
في ضوء المعروف حتى الآن، هذا صحيح. فهنا مجموعة أوراق، أما هناك، فصناديق (15) جرت مصادرتها بإذن قضائي يستند إلى تهمة جرمية. لكن وثائق بايدن تبقى مخالفة القانون، والبيت الأبيض يدرك ذلك. ولتخفيف المخالفة، لا يستبعد أن يكون قد جرى الكشف عن الوثائق قبل افتضاح أمرها، وبما يؤدي إلى تكرار سيناريو مارالاغو.
ولتطويق التداعيات وتبريد القضية، سارع وزير العدل إلى تعيين محقق خاص للنظر فيها واستبيان ملابساتها. وبذلك، تساوى بايدن من هذه الناحية مع سلفه دونالد ترامب، حيث إن كليهما في عهدة محقق خاص للنظر في نفس المخالفة، بصرف النظر عن ظروفها ووقائعها ومدى تعارضها مع القانون. على الأقل من منظور الجمهوريين، الذين جاءتهم هذه القضية كهدية غير متوقعة لتزخيم حملتهم ضد رئاسة بايدن، عبر موجة من التحقيقات التي ينوي الجناح المتطرف والمتحكم بالمجلس فتحها، ولو من غير مسوّغ ضاغط، في أمور وقضايا تتراوح بين الانسحاب من أفغانستان، ومالية عائلة بايدن، وصولاً إلى تعامله هو ومستشاره الصحي الطبيب أنتوني فاوتشي مع جائحة كورونا.
الرئيس بايدن دخل العام الجديد بوضع راجح وواعد لصالحه، ما خفف من آثار بعض إخفاقاته المحلية والخارجية، وزاد من أرجحيته وأفضليته أن خصمه الجمهوري مشتبك مع نفسه في حرب طاحنة، كادت أن تشلّ عمل الكونغرس لفترة مفتوحة، لولا حصول تسوية في آخر لحظة وبشق الأنفس، سمحت باختيار رئيس لمجلس النواب الأسبوع الماضي.
الآن، تأتي مسألة الوثائق لتعطي خصومه بعض الذخيرة وتهدد بهبوط رئاسته، فضلاً عن نسف احتمال ترشيحه لانتخابات 2024، إذا كان بنيته خوض معركتها، حتى ولو تبين في التحقيق أن مخالفة الوثائق حصلت نتيجة الإهمال لا أكثر.