المتحف البريطاني… معرض المسروقات الأثرية

تواجه بريطانيا ضغوطاً متزايدة من قبل حكومات وناشطين حول العالم بسبب المتحف البريطاني، الذي يضم في أروقته مقتنيات تصنّف في خانة "المسروقات".

2023-01-15

يقول الحقوقي جيفري روبرتسون إن المتحف البريطاني، الذي يضم أكثر من 8 ملايين قطعة أثرية، يمتلك أكبر عدد من المسروقات.

ويلفت مؤرخ الفن والأستاذ في جامعة برينستون، تشيكا أوكي أغولو، عبر موقع إنسايدر، إلى أن “جميع المؤسسات المرتبطة بظهور الطبقة الوسطى الأوروبية، مثل المتاحف، اعتمدت على استخراج التراث الثقافي والتحف من جميع أنحاء الإمبراطورية”. ويتابع أن “هذه المتاحف أُنشئت في عصر الإمبراطورية كمساحات تفاخر حيث عرضت مجموعات من ممتلكاتها الإمبراطورية”.


مختصر تاريخ المتحف البريطاني
تأسّس المتحف البريطاني في لندن عام 1753 بموجب قانون صادر عن البرلمان، واعتمد في ملئه على مجموعات ثلاثة أشخاص:

السير هانز سلون: طبيب وعالم طبيعي بريطاني.
روبرت هارلي: رجل دولة بريطاني والإيرل الأول لأوكسفورد.
السير روبرت كوتون: أثري إنكليزي وبرلماني بارز في عهد تشارلز الأول.
وكان السير هانز سلون معروفاً بكونه جامع آثار، وقد استفاد كثيراً من اقتناء ما كان يملك جامعو آثار آخرون، حتى نمت مجموعته لتصبح ذات قيمة فريدة، وعند وفاته، تركها لبريطانيا، حسب ما تقول موسوعة بريتانيكا.

أما روبرت هارلي، فقد أنشأ مع ابنه المكتبة الهارلية، وهي مجموعة مخطوطات تتكون من أكثر من 7 آلاف مجلد وأكثر من 14 ألف وثيقة قانونية أصلية، واشترتها الحكومة البريطانية لتشكّل جزءاً من مكتبة المتحف البريطاني، بحسب موسوعة جامعة كولومبيا.
بينما أسّس السير روبرت بروس كوتون المكتبة الكوتونية، التي شكلت مجموعة الوثائق التاريخية التي ضمّتها أساساً إلى مجموعة المخطوطات في المتحف البريطاني، توضح “بريتانيكا”.

ومن أواخر القرن السادس عشر إلى القرن العشرين، أنشأت الإمبراطورية البريطانية مستعمرات ومحميات في جميع أنحاء العالم، فارضةً نفسها كأكبر إمبراطورية في التاريخ في فترة ذروتها.

وخلال فترة الاستعمار هذه، نُهبت قطع أثرية من الشعوب المستعمَرة وعُرضت في المتاحف في بريطانيا، وعلى رأسها المتحف البريطاني في لندن.


أشهر مسروقات المتحف البريطاني
من بين المقتنيات الأكثر شهرة في المتحف البريطاني رخاميات البارثينون، المعروفة أيضاً باسم رخام إلغن، التي أُخذت من معبد بارثينون في أثينا مطلع القرن التاسع عشر على يد الدبلوماسي البريطاني اللورد إلغن.
ومطلع القرن التاسع عشر، انتزع عمالٌ رخامياتٍ كاملة من النصب التذكاري بناءً على أوامر السفير البريطاني لدى الإمبراطورية العثمانية اللورد إلغن، واحتفظ بها المتحف البريطاني منذ ذلك الحين.

ويضم المتحف مجموعة من المنحوتات اليونانية الأخرى من ضريح هاليكارناسوس ومعبد أرتميس في أفسوس.

وفي حوزته كذلك زهرية بورتلاند، وهي وعاء زجاجي من القرن الأول الميلادي عُثر عليه بالقرب من روما، ثم كنز من سفينة تعود للقرن السابع الميلادي عُثر عليه في ساتون هوو، سوفولك، وخزف صيني من عهد أسرة مينغ وغيرها من السلالات.

وعربياً، يحتفظ المتحف بحجر رشيد، الذي قدم مفتاح قراءة الهيروغليفية المصرية القديمة، وبالمسلة السوداء، وبالآثار الآشورية من القصر والمعابد في كالاح (نمرود الحديثة) ونينوى، وبأعمال رائعة من الذهب والفضة والصدف من مدينة أور القديمة في بلاد الرافدين.


وطالبت الحكومة اليونانية مراراً بإعادة القطعة الرخامية، لكن المتحف البريطاني لم يوافق، مدعياً أنه أنقذ القطعة من بعض الأضرار والتدهور، وظلت القضية مثار جدل.

ووافق الرئيس السابق لمتاحف غلاسكو وشيفيلد ومانشستر، جوليان سبالدينغ، على أن المتحف البريطاني يجب أن يعيد رخام إلغن “لأنه جزء جوهري من أحد أعظم الأعمال الفنية في العالم”، بحسب ما أوردته صحيفة ذا غارديان البريطانية.

وفي الصيف الماضي، قدّم عالم الآثار المصري، زاهي حواس، التماساً لإعادة ثلاث من أهم القطع الأثرية إلى مصر، بما فيها حجر رشيد.

وقال حواس إن حجر رشيد هو رمز للهوية المصرية، وليس للمتحف البريطاني الحق في عرضه للجمهور.”استفادة من الأخطاء التاريخية”
يتهم محامٍ بارز في مجال حقوق الإنسان المتحف البريطاني بعرض “ممتلكات ثقافية مسروقة”، وقد طالب المؤسسات الأوروبية والأميركية بإعادة الكنوز التي أخذها “المحتلون أو السادة الاستعماريون” من “الشعوب المقهورة”.

ونقلت صحيفة ذا غارديان عام 2019 عن جيفري روبرتسون كيو سي، قوله إن “أمناء المتحف البريطاني أكبر مستلمي الممتلكات المسروقة في العالم، والغالبية العظمى من نهبهم ليست معروضة للعامة”.


وانتقد المتحف لسماحه “بجولة غير رسمية بين البضائع المسروقة”، “والتي لم تتوقف عند رخام إلغن، وهوا هاكانانا، والبرونز البنيني، وغيرها من الممتلكات الثقافية المسروقة”.

والعناصر الثلاثة التي ذكرها تطالب اليونان وجزيرة الفصح ونيجيريا على التوالي باسترجاعها من المتحف البريطاني.

ويقول روبرتسون إن “سلسلة من الأكاذيب وأنصاف الحقائق المصممة بعناية” هي مبررات المتحف حول رخام إلغن، “الذي استحوذ عليه بشكل قانوني” بحسب قوله.

وانتقد “المتاحف الموسوعية” مثل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر في باريس والمتروبوليتان في نيويورك، التي “تحبس الإرث الثمين للأراضي الأخرى، المسروق من شعوبه خلال حروب العدوان والسرقة والازدواجية”.
ويذكر روبرتسون في كتابه “من يملك التاريخ؟” أن السياسيين “قد يقدّمون اعتذارات صادقة إلى حد ما عن جرائم إمبراطورياتهم السابقة، لكن الطريقة الوحيدة المتاحة الآن لإصلاح ذلك هي إعادة غنائم اغتصاب مصر والصين وتدمير المجتمعات الأفريقية والآسيوية وأميركا الجنوبية”. ويضيف: “لا يمكننا تصحيح الأخطاء التاريخية، لكن لا يمكننا بعد الآن، من دون خجل، الاستفادة منها”.
مسروقات مسترجعة
في 2018، أعلن المتحف البريطاني عن إعادة مجموعة من القطع الأثرية التي يعود عمرها إلى 5 آلاف سنة إلى العراق، مؤكداً أنها مسروقة من مواقع أثرية أثناء غزو العراق.

وصودرت القطع الأثرية، وعددها ثمان، من قبل الشرطة البريطانية في 2003 بعد أشهر قليلة من سقوط بغداد، حين فشل تجار آثار في إثبات ملكيتهم لها، فنقلوها إلى المتحف.

وفي 2019، نشر المتحف مقالاً جاء فيه أنه خلال عشر سنوات، بين 2009 و2019، “ساعد المتحف في إعادة 2345 قطعة إلى أفغانستان والعراق وأوزبكستان، معظمها نتيجة الاتجار غير المشروع”.

وتابع أن ذلك يتضمن بحسب الموقع “تحديد وفهرسة وإرجاع آلاف الآثار من جميع الفترات إلى أفغانستان، وقطع عدة أخرى إلى العراق، بالإضافة إلى بلاط زجاجي ضخم من القرون الوسطى إلى أوزبكستان”.
وبداية هذا العام، ذكرت صحيفة “ذا تليغراف” البريطانية أنّ لندن قد تعيد رخاميات البارثينون “قريباً” إلى اليونان، كجزء من عملية إعارة طويلة الأمد يجرى الانتهاء من تفاصيلها حالياً بين المتحف البريطاني وأثينا.

وبحسب الصحيفة، فإن رئيس المتحف البريطاني، جورج أوزبورن، بصدد إبرام الاتفاق مع أثينا، في إطار “تبادل ثقافي” سيجعل من الممكن التحايل على قانون بريطاني يمنع المتحف اللندني من الفصل بين قطع مجموعته.

رد المتحف البريطاني على اتهامات السرقة
أكدت متحدثة باسم المتحف البريطاني، في تصريح لـ”ذا غارديان”، أن المتحف حصل على رخام إلغن بشكل قانوني، وبموافقة السلطات العثمانية في ذلك الوقت، بحسب تعبيرها.

وبحسبها “لم يتم الحصول عليها نتيجة الصراع أو العنف”. وقالت إن أنشطة اللورد إلغن خضعت لتحقيق شامل من قبل لجنة برلمانية مختارة عام 1816، ووجدت أنها قانونية تماماً.

ويقول الموقع الرسمي للمتحف البريطاني إنه “يعمل عن كثب مع وكالات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة والبلدان في جميع أنحاء العالم، للمساعدة في مكافحة التصدير غير المشروع وبيع الآثار في السوق السوداء”.

وتلفت المتحدثة إلى أن “المتحف البريطاني يقرّ بالتاريخ الصعب لبعض مجموعاته، بما في ذلك الوسائل المتنازع عليها التي تم من خلالها الحصول على بعض المجموعات، مثل العمل العسكري والنهب اللاحق”.