تنظيف المجتمع من كلّ الرّواسب ضرورة للتّغيير

ضغط الحاجات لدى الإنسان، يجعله يتحرك بفعل ضرورات هذه الحاجات، أكثر مما يتحرّك بفعل ضرورات المبادئ أو الفكر أو القيم، وما إلى ذلك.

2023-01-18

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

من الطبيعي أنّ القاعدة تمثّل المجتمع الذي يحمل كثيراً من مفاهيم التخلّف من جهة، وبعض المفاهيم الجديدة من جهة أخرى، وربما اختلطت هذه المفاهيم ببعضها البعض، فأعطت مفهوماً ثالثاً مُشوّهاً يحمل شيئاً من التخلّف وشيئاً من التقدم، وهذا ما يجعله يرتبك في خطواته، إن من خلال عمليّة التقويم للواقع الذي يعيشه، أو من خلال التحرك في أحداث الواقع وشخصيّاته.
ثم هناك مشكلة أخرى يعيشها هذا المجتمع، وهي أنّه يواجه الكثير من المفردات التي تتّصل بحياته الاقتصادية والاجتماعية أو ما إلى ذلك، مما يدخل في العناصر المكوّنة للإنسان، في غرائزه المنفتحة على أكثر من جانب، والتي قد تلتقي بالعقل تارةً، وقد لا تلتقي به تارةً أخرى.
لهذا، فإننا نلاحظ أنّ ضغط الحاجات لدى الإنسان، يجعله يتحرك بفعل ضرورات هذه الحاجات، أكثر مما يتحرّك بفعل ضرورات المبادئ أو الفكر أو القيم، وما إلى ذلك.
لهذا، فإنني أتصوّر أن القائمين على شؤون التوجيه والتربية والتوعية في المجتمع، لا بدّ لهم من أن يخطّطوا لتغيير المفاهيم والقيم الإنسانيّة لدى المجتمع، حتى يستطيعوا بناء قاعدة إنسانيّة في داخل شخصيّة الفرد وشخصيّة المجتمع، لتكون حياته صورة لأفكاره ولإنسانيّته، بحيث إذا انحرف، فإن هناك شيئاً يُرجعه إلى القاعدة في هذا المقام وإلى الخط المستقيم.
ربما كانت هذه المسألة تمثّل جهداً كبيراً، لأنّ مسألة أن يغيّر الإنسان في المجتمع بتغيير أفكاره، هي مسألة تحتاج إلى أن ينـزع الإنسان عن المجتمع كلّ رواسب التخلّف والجهل والخرافة، حتى يستطيع أن يجعل الأرض أرضاً نقيّة يمكن أن يضع البذور الخيرة والطيبة فيها.
لكن علينا أن نجرّب ذلك، ولو بنسبة معينة، لأننا نعتبر أن حركة الحياة هي حركة التجربة، حتى إن أغلب الفكر ينطلق من عمق التجربة في هذا المجال.
وفي ضوء ذلك، نتصوّر أن من الممكن جدّاً أن ينشأ لدينا جيل، مهما كان حجمه، يأخذ بأسباب القيم ويحرّكها في الواقع، حتى يعطي للواقع مناخاً نظيفاً يمكن أن يتنفّس فيه الإنسان إنسانيّته ليلتقي بإنسانيّة الآخر، وليؤنسن السياسة والاجتماع، وحتى غرائزه ليضبطها، باعتبار أنّنا بحاجة الى أن نعقلن غرائزنا من دون أن نلغيها، لأنّ إهمال الغريزة يحوّلها إلى حيوان قد يقتل صاحبه.