مقالة خاصة للوفاق؛

هندسة الثقافة ضرورة مجتمعية

الثقافة هي نمط حياة واسلوب حضاري انساني اخلاقي راقٍ للعيش بكرامة، فهي تصالح مع الذات ومع الآخرين...

2023-01-22

الوفاق/ خاص

نسرين نجم

عندما نتحدث او نكتب عن الثقافة، يعتبر البعض ومن خلال العنوان اننا سنتحدث عن الفلاسفة والشعراء والعلماء وقصائد وابيات ونظريات، وهذا مفهوم خاطىء يسيطر على عقول العديد من الافراد، فالثقافة هي نمط حياة واسلوب حضاري انساني اخلاقي راقي للعيش بكرامة، فهي تصالح مع الذات ومع الآخرين… والثقافة لا تعني ابدا الحرية والحضارة الزائفتين اللتين يتغنى بهما الغرب… والذي يشن علينا من خلالها اي من خلال الثقافة حربا شعواء تهدف الى ضرب منظومتنا الفكرية والعقائدية، ولا ننكر انه في بعض المجتمعات العربية والاسلامية قد تضعضعت هذه المنظومة نتيجة تشظيها برصاص الانبهار والاندهاش بمغريات الاعلام الغربي الذي عمل ويعمل على تسخيف المبادىء والروادع العقلانية الايمانية ليحل محلها الغرائز والشهوات….

لذلك كان دائما روح الله الموسوي الخميني(قدس) يحذر من الحرب الثقافية، ويشدد على اهمية الثقافة قائلا: «ان ثقافة اي مجتمع هي التي تحدد أساسا هوية ذلك المجتمع ووجوده، فإذا انحرفت الثقافة فإن المجتمع يكون اجوفا فارغا، مهما حقق من القوة في الجوانب الاقتصادية والسياسية والصناعية».

الثقافة من جوهر وصلب الدين

ان الثقافة التي يجب ان يتحلى بها افراد المجتمع للتطور والتقدم والرقي لا تنطلق من منطلقات وركائز مادية فقط، بل يجب ان تكون من جوهر وصلب الدين، الدين البعيد كل البعد عن التعصب والتطرف، الدين الذي يقدم منظومة شاملة للحرية وللعزة الانسانية، اي الاسلام المحمدي الاصيل، فالقرآن الكريم هو دستور للحياة، وفيه أهم العلوم والمعارف، وحتى يومنا هذا لا يزال علماء الغرب يستنبطون منه أهم النظريات العلمية..

وعندما نتحدث عن أهمية الثقافة وكيفية هندستها لتصل بشكل أسرع الى عقول وقلوب الشباب، لا نعني بذلك نسف العلوم والمعارف والمعلومات الموجودة في الغرب، بل نعني تطهير الذات والعقل من الفساد الاخلاقي والاجتماعي والثقافي الموجود في الغرب والذي يصدر الينا بأشكال وانواع متعددة، ويعمل على تضعيف الهوية الاسلامية..

لذلك هندسة الثقافة بدأت في العصر الحديث مع الثورة الاسلامية المباركة وما حملته من مفاهيم ومبادىء تغييرية نحو الافضل، محددة بوصلة الاحرار وموجهة افكار العلماء والطلاب نحو بحور العلوم والمعارف… نذكر على سبيل المثال عندما أطلق روح الله الموسوي الخميني(قدس) مفهوم: «اسرائيل شر مطلق وغدة سرطانية لا بد من ازالتها من الوجود» فقد أسس من خلال هذا المفهوم لثقافة مقاومة شعارها الحزم والعزم لمواجهة هذا الكيان اللقيط، وبالتالي لتعيش الشعوب المستضعفة سيما الشعب الفلسطيني بحرية واستقلالية، ورغم مرور عقود اربعة ونيف على هذا الكلام الا انه لا يزال حاضرا في إرثنا الثقافي، ولا تزال الجمهورية الاسلامية في ايران ودول محور المقاومة وكل الاحرار في العالم ممن آمنوا بهذه الثقافة يحصدون الانتصارات والانجازات التاريخية على هذا العدو وحلفائه…

ايضا لا يمكن ان نغفل عن عامل اساس في الهندسة الثقافية، والذي يعتبر ركنا أساسيا من اركان المشروع الثقافي الناجح الا وهو «ثقافة الحصول على العلم»، فهو السلاح الحضاري للتفوق على أعداء الأمة، وهذا ما نجحت به ايران، فالقارىء والمتابع لانجازات الجمهورية العلمية يقف منبهرا أمام الاختراعات والابتكارات العلمية والطبية والصناعية والتكنولوجية، وهذه ثقافة نجحت في تعزيزها وتمتينها الجمهورية لدى فئة الشباب، ويقول سماحة الامام السيد القائد الخامنئي دام ظله الشريف: «إن نشر العلم وتوفير فرص العمل عبادة، كما ان الصلاة وقراءة القرآن عبادة وهذا ليس بالامر الهين».

وبالطبع عمل الغرب على نشر ثقافة بأن العلم والدين على تناقض وعلى خلاف بمحاولة لتشويه الدين وضرب منظومته الأخلاقية الإنسانية، فيأتي الرد على لسان سماحة الامام القائد دام ظله ليقول: «إنّ الذين يقولون: التناقض بين العلم والدين؛ لم يشاهدوا منطقة نفوذ العلم والدين، فلكل منهما منطقة نفوذ معاً، والمزج بينهما يعني أن يوجّه الإيمان سلاح العلم نحو الجهة المطلوبة؛ لأن سلاح العلم يمكن أن يستهدف الأخيار والأشرار، ولكن الأمر يتوقف على من يمتلك هذا السلاح.

سلاح العلم يسير في الاتجاه الصحيح

إنه سلاح العلم، وأما الإيمان فهو الذي يسير به في الاتجاه الصحيح.

فلو كان الإيمان يتحكّم بالعلم في الدول الغربية لما اتجه الغرب نحو تصنيع القنبلة الذرية، ثم ما لبث أن وقف أمامها عاجزاً لا يستطيع أن يسيطر عليها، أو يتركها تدمّر العالم.

إنّ هذا لم يكن ليحدث لو كان الإيمان توأماً للعلم.

ولما كانت هناك أصلاً ظاهرة الاستعمار والاستعمار الجديد – الذي هو وليد العلم – ولما عانت الدول والشعوب من التسلّ…