إيمانويل ماكرون وفكرة «صنع في اوروبا»

اتكلت اوروبا بشكل جدي على أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، ومع كونها بذلت الجهود للتأثير بصورة مستقلة في معادلات القوى على المستوى العالمي، لكن لا يلاحظ أي دور تاريخي لأوروبا في هذا المضمار

2023-01-27

المجلس الاستراتيجي للعلاقات الأجنبية

في حوار أمير حسين عسكري مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الأجنبية، أشار أمير حسين عسكري، محلل الشؤون الاوروبية، الى تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية حول وجوب اعتماد بروكسل استراتيجية (صنع في أوروبا) لتبدي في جانبها رد فعل على التغييرات الدولية وكذلك على السياسة الحمائية للحكومة الأمريكية لصالح شركات الولايات المتحدة، والذي هو أمر مشروع تماماً، وقال: اتكلت اوروبا بشكل جدي على أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، ومع كونها بذلت الجهود للتأثير بصورة مستقلة في معادلات القوى على المستوى العالمي، لكن لا يلاحظ أي دور تاريخي لأوروبا في هذا المضمار.

واضاف بأن ضربة جدية وجهت الى هيبة اوروبا في فترة حكم ترامب، وأن اهم تحد لاوروبا حالياً يتمثل في المجال الاقتصادي. والاتحاد الاوروبي واجه أسوأ درجة في صعيد استقلال قطاع التقنيات، وهو معتمد ومرتبط بشدة في هذا المجال. وعلى سبيل المثال، نلاحظ الضغوطات الامريكية على اوروبا لتقليص تبادلها الاقتصادي مع الصين، لكن مع كون اوروبا سعت للاستقلال في مجال السلع ذات الصلة بالصناعات الالكترونية، لكنها لم تتمكن من نيل هذا الهدف.

وذكّر عسكري بأن أمريكا وبريطانيا لاترغبان بمشاركة سهمهما في الكيكة الاقتصادية العالمية، خاصة في قطاع الصناعات الدفاعية، مع اوروبا، وقال: في الفترة بعد (البريكست) تسعى فرنسا الى جانب ألمانيا لإحياء البنية الاقتصادية الاوروبية مقابل أمريكا وبريطانيا. ومع طرح موضوع لصق عبارة (صنع في الاتحاد الاوروبي) على السلع، في العام 2014، لكن في السنوات الاخيرة الماضية خاصة بعد نشوب الحرب الاوكرانية، ومع الاخذ بنظر الاعتبار المخاوف من هجرة الصناعات الاوروبية الى أمريكا والى بلدان توفر طاقة رخيصة لصناعاتها، اجتذب الاتحاد الاوروبي الانظار اكثر لنفسه.

واضاف عسكري: ان المخاوف من موجة هجرة الصناعات الاوروبية للاستفادة من دعم الحكومة الأمريكية وتوفيرها الطاقة الرخيصة لهم، حدت بالمسؤولين الاوروبيين في الاشهر الماضية لإبداء رأيهم عدة مرات حول ضرورة تقديم الدعم للصناعات الاوروبية والمحافظة على نسيج هذه الصناعات، خاصة فيما يتعلق بوضع صانعي المركبات الكهربائية الاوروبية وكافة صناعات المنتجات النظيفة في هذه القارة. علماً ان ماكرون اجرى خلال زيارته لواشنطن الشهر الماضي مباحثات في هذا الشأن وتقرر ان يخصص البيت الابيض اعفاءات مالية للصناعات الاوروبية فيما يخص القوانين التمييزية، ارضاءً للدول الاوروبية المتحدة مع أمريكا.

وأكد عسكري، مدير المركز البحثي – الاعلامي للدراسات الاوروبية، على ان اوروبا توقعت ان تمنحها الولايات المتحدة امتيازات كالتي منحتها للمكسيك وكندا للدخول الى اسواقها (الأمريكية)، وقال: عينت أمريكا والاتحاد الاوروبي فريق عمل لدراسة تفاصيل القانون الامريكي لتوفير مزيد من الفرص للصناعات الاوروبية لتستفيد من فوائد الدعم الأمريكي ولكي لا تفقد سوق هذا البلد.

واضاف: وفقاً لتصريحات تييري برتون، مستشار السوق الداخلي للاتحاد الاوروبي، فأن سعر البيع المفرد للغاز في اوروبا يعادل 5 الى 7 أضعاف سعره في الولايات المتحدة، وسعر الكهرباء تضاعف 5 مرات خلال الاشهر ال18 الماضية، لذا، فان اوضاع تحفيزات الطاقة من قبل الدول الاوروبية للصناعات تواجه أزمة ويعكف الكثير من أصحاب الصناعات الاوروبية على اتخاذ قرار للهجرة خارج اوروبا.

وأكد عسكري على ان المسؤولين الاوروبيين يشعرون بضرورة دعم نسيج شبكة الصناعات الاوروبية، واستحداث فرص عمل جديدة وزيادة تنافسية اوروبا فيما يتعلق بانتاج الطاقة النظيفة، مضيفاً: تواجه اوروبا تحديات عديدة للمحافظة على صناعاتها. علماً ان الاقتصاد الاوروبي مرتبط ومعتمد على أمريكا، ولا يمكنه حالياً نيل قدر كبير من الاستقلالية. وفي الظروف الحالية، حيث لا تحظى اوروبا بالاهمية السابقة عند الولايات المتحدة، فمن المحتمل ان نشاهد بدء عملية تشعب وتباعد الاقتصاد الاطلسي، وتصاعده في المستقبل أيضاً.

وأشار عسكري الى انه منذ بدء الحرب الاوكرانية، زادت أمريكا وارداتها من السلع الاوروبية، وفي الواقع حل الاتحاد الاوروبي محل الصيني في هذا المضمار، مؤكداً: حتى في ظل هذا، فمع تنفيذ مبادرة دعم الشركات لغرض الانتاج على الارض الامريكية، فسيلحق الضرر بأوروبا اكثر مما يلحق بالصين والبلدان الأخرى. لذا يبدو ان مبادرات مثل (صنع في اوروبا) لا يمكنها ازالة مخاوف الاتحاد الاوروبي في الامد القريب على الاقل. لكن من الممكن على المدى الطويل ومن خلال اجراءات معينة، سيمكن ازالة بعض المخاوف الى حد ما، وهذا لن يتحقق خلال فترة 3 الى 4 سنوات مقبلة.

ونوه عسكري الى مقترحات طرحتها اللجنة الاوروبية لتقديم المساعدة للصناعات الاوروبية لغرض زيادة الانتاج داخل الاتحاد، وقال: هناك اختلاف في وجهات نظر دول الاتحاد في هذا الخصوص. وفي الواقع ان بلداً مثل بولندا، التي تشعر بالخوف من روسيا، تريد المحافظة على الارتباطات عبر الاطلسي، وتعارض تلك التوجهات.

واكد على ان اوروبا ليس لها الدور السابق في الاستراتيجية الجديدة الأمريكية، ومع خروج بريطانيا، تقلص حجم الاتحاد الاوروبي، وقال: اوروبا تشكل الجسد الرئيسي لمعاهدة شمال الاطلسي، ولا يمكن لأمريكا ان تبعد اوروبا عن معادلاتها، لأن ذلك سيلحق الضرر بهذا الجسد الرئيسي. لذا تسعى واشنطن للمحافظة على البعد الدفاعي والأمني (للمعاهدة) وبنفس الوقت تخرج البعد الاقتصادي من قائمة اولوياتها.

وواصل عسكري بالقول: تحولت اوروبا في الاوضاع الجارية الى درع حماية لأمريكا، والضربات التي يمكن ان تسدد للولايات المتحدة، ستتوجه الى اوروبا، خاصة قسمها الشرقي. وبينت معاهدة (آكوس) ان لأمريكا روابط وعلاقات افضل وأقرب مع بعض المتحدين معها، وانه اذا تقرر توفير المصالح، فان اوروبا وكافة البلدان غير العضوة في هذه المعاهدة ستكون في الدرجة الثانية. والى جانب هذا، فان هبوط القدرة الشرائية للمواطنين الاوروبيين، ادى الى هبوط الطلب العام وتقلص مبيعات السلع والبضائع، إلا ان لجنة الاتحاد الاوروبي خفضت النسب المتوقعة لنمو اقتصاديات بلدانه الاعضاء. وانتهى عسكري بالقول: الى جانب هذه الاوضاع، يبدو انه مادامت الحرب الروسية – الاوكرانية مستمرة، فستكون نسبة الخطر الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي مرتفعة، وهذا سيفرز بدوره عواقب تجعل هذا الاتحاد يواجه تحديات اكثر لاحقاً.

المصدر: الوفاق خاص