موناسادات خواسته
يصادف شهر شباط في إيران مع إحتفالات إنتصار الثورة الإسلامية، وفيه نكهة أخرى من حيوية ونشاط وإقامة مهرجانات وندوات ومؤتمرات وغيرها، ومن ضمنها حضور شخصيات علمية وأدبية وثقافية في ايران، للمشاركة في هذه البرامج، وفي الأيام الأخيرة إستضافت مدينتا طهران وقم المقدسة، الباحثة والآكاديمية اللبنانية الشهيرة الدكتورة “دلال عباس” التي شاركت في ندوات علمية وثقافية بالجامعات والمراكز الثقافية الإيرانية، وألقت محاضرات أدبية وثقافية في مجال الثقافة الإيرانية والعربية، وردّت على أسئلة الحضور الذين كانوا أساتذة وطلاب الجامعات الإيرانية إضافة لجميع محبي العلم والأدب، الذين شاركوا في هذه الجلسات ليستلهموا من نهر هذه البروفيسورة الأديبة، وأستاذة الأدب العربي – الفارسي المقارن والحضارة الإسلامية في الجامعة اللبنانية، ويمكن نعتبرها حلقة وصل للثقافتين الإيرانية والعربية.
كما أقام قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الزهراء بالتعاون مع دائرة شؤون التعاون العلمي الدولي محاضرة علمية بعنوان: “الثقافة العربية – الإيرانية، لغة وحضارة وأدباً”، ألقتها الدكتورة “دلال عباس” يوم الإثنين 13 شباط/ فبراير، حيث تحدثت الدكتورة “عباس” حول الثقافة المشتركة بين ايران والدول العربية من مختلف الجوانب الأدبية بما فيها اللغة والحضارة.
وفي نفس السياق جاء دور جامعة “تربيت مدرس” لإستضافة هذه الأستاذة في يوم الثلاثاء 14 فبراير، لكي تستضيف الدكتورة “عباس” في قسم اللغة العربية وآدبها في جامعة تربيت مدرس بالتعاون مع الرابطة العلمية لطلاب اللغة العربية وآدابها بالجامعة نفسها.
فبعد ذلك حان الوقت للحضور في مدينة قم المقدسة لكي تستضيفها جامعة الأديان والمذاهب الإسلامية يوم الأربعاء 15 شباط/فبراير، في ندوة تحت عنوان: “أيام مئات في إيران قبل الثورة” وكان ذلك استمرارا لسلسلة الندوات الثقافية والسياسية التي تقيمها الجامعة، فيقول الدكتور عباس خامه يار، نائب رئيس الشؤون الاجتماعية والثقافية بالجامعة في مذكرة لتقديم الدكتورة دلال عباس: “البروفيسورة دلال عباس كاتبة معروفة وأستاذة بارزة في الجامعات اللبنانية، وإنها ليست ناقدة فحسب، بل هي أيضاً باحثة رائعة وكاتبة متميزة وعالمة مثقفة، حصلت على جائزة الفارابي الدولية.
يمكن تسمية دلال عباس “راهبة الثقافة والآداب”. لأنها قضت حياتها كلها بهذه الطريقة وأنتجت ثماراً منعشا.
بالإضافة إلى الشهادات الأكاديمية والمعرفة والعلوم الإسلامية، فإن السلوك المتميز الذي يمكن رؤيته في شخصيتها هي الأخلاق الرفيعة، التواضع، الكرم، نقاء القلب، الصدق في الكلام والسلوك، طهارة اليدين، وعدم الانتماء إلى المظاهر الدنيوية، والولاء والحب الى وطنها وأمتها.
استطاعت هذه السيدة النبيلة والمعلمة أن تتخطى الحدود الجغرافية والمسافة بين لبنان وإيران بشخصيتها الإنسانية.
الدكتورة دلال عباس هي في الحقيقة شجرة مثمرة من أرض الجنوب، أفادت كل لبنان وجعلته مثمراً باستقلالها ومقاومتها. شخصية تركت أثراً عميقاً في العلوم الإنسانية والإسلامية في العالم الإسلامي وخاصة في العلاقات الثقافية والأدبية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولبنان.
هذه السيدة الجليلة من الشخصيات التي لعبت دوراً في التقريب بين ثقافة أمتين ولغتين وكحلقة وصل لتعريف شعب بلادها باللغة الفارسية والأدب والقصائد، ولها عشرات الأعمال البحثية والمقالات والترجمات والمؤلفات، ومنها كتاب “أيام مئات في إيران قبل الثورة”، والذي تم إزاحة الستار عنه في الجامعة يوم الأربعاء.
أيام مئات في إيران قبل الثورة
كتاب ” أيام مئات في إيران قبل الثورة” للدكتورة “دلال عباس” تم نشره في دار الأمير للثقافة والعلوم، وما يشبه سيرة دلال (د. دلال عباس)، الذاتية وقصصها المُنمّق السرد، في روايتها لحياتها في ايران قُبيل اشتعال الثورة الإسلامية، والكاتبة قدّمت التجربة والمشاهدة بلغة جميلة ومتينة تأسر القارئ.
في الكتاب رحلة عاشقة، رحّالة مغامرة، باحثة عن تجليات الأسفار وعن الحقيقة، ويد خفية تعتني بفتح مدينة وبابها لمن صدق النية في حب العلم، وشيخ مرشد، وأئمة وفلاسفة وقادة سياسيون، وشخصيات متباينة مدهشة، توقد النقاشات بينها الفكر.
وفيه معلمة تاريخ وأدب وسياسة وفلسفة، ودين، موحّدة حقّة، وإيمان على يقين، ومؤرخة بارعة للثورة الإسلامية الإيرانية وشخصياتها، وجذور هذه الزيتونة اللاشرقية ولا غربية الفكرية والتاريخية والسياسية، ومنهجها وفلسفتها، ونورها المُمهّد الباقي، وفيه المرأة الفاطمية الزينبية وحقوق المرأة الإلهيّة، والعشق والعرفان، وجميل الذكريات.
وفي كتابها نقرأ عن “العداء الخبيث لفلسطين والمنتشر وفقاً لسياسة السلطة الشاهنشاهية، بالإضافة إلى الصورة البشعة عن تهافت دبلوماسيين عرب لمصافحة السفير الإسرائيلي”، ونرى أن مضمون الكتاب يعكس يوميات الثورة قبل وقوعها.
النشاط في مجال الثقافة والأدب الإيراني – العربي
ونظراً لشخصيتها الكبيرة، حاورنا هذه الأستاذة وسألناها عن الدافع الذي شجّعها للنشاط في مجال الثقافة والأدب الإيراني والعربي، فردّت علينا بالجواب قائلةً: بدأت حكايتي مع اللغة الفارسيّة وآدابها، وإيران وثقافتها، مذْ كنت طالبةً في الجامعة اللبنانيّة في أواخر العقد السادس من القرن العشرين الميلادي، في قسم اللغة العربيّة وآدابها، كنا ندرس اللغة الفارسيّة بمعدّل ساعتين أسبوعيّاً، كان أستاذنا الدكتور أحمد لواساني.
طريقةُ تدريسه، والمعلوماتُ الإضافيّة التي كان يستطرد إليها، جعلتني أعشق هذه اللغةَ وأعشق الشعراءَ الذين أسمعَنا الدكتور لواساني بعضَ شعرهم. كانت فكرةُ السفر حينها إلى إيران لمتابعة الدراسة أمنيةً صعبةَ التحقّقِ ، تابعتُ دراستي العليا في الأدب الأندلسيّ، ونسيتُ موضوع إيران واللغة الفارسيّة.
لكن الله عزّ وجلّ يُيسّر أمورنا من حيث لا نحتسب، ومن غيرِ أنْ نُخطّط. بعد عشر سنوات تحقّقتِ الأمنية القديمة، قبل انتصار الثورة الإسلاميّة بسنتين، وفي أواخر العام ١٩٧٦ م في حمأة الحرب الداخليّة في لبنان والاعتداءات الإسرائيليّة على الجنوب حيثُ نقيم. قضتِ المشيئة الإلهيّةُ أنْ أرافق زوجي إلى إيران لعملٍ هناك ندَبته إليه الشركة الألمانيّة التي كان يعمل فيها، وأنا بنيّة التسجيل للدكتوراه.
التأثر والتأثير المتبادلَين بين العرب والإيرانيين
وحول التأثر والتأثير المتبادلَين بين العرب والإيرانيين تقول الدكتورة: وبات في ما بعد لزاماً عليّ أن أوصل ما أعرف عن إيران ثورةً وثقافةً إلى المهتمين الذين لا يعرفون الفارسيّة، أو لتصحيح أفكارٍ مغلوطةٍ في أذهانهم عن إيران وعن الثورة الإسلاميّة؛ وظلّ الشيخ البهائي صلة الوصل بيني وبين إيران الإسلاميّة، عرّفني الفرق بين التيارات الفِقهيّة، والمعنى العملي للتمييز بين الظاهر والباطن في الإسلام… فهو كان عنوان التيار الاجتهاديّ في إيران؛ حاملاً إليها تراث الشهيدين الأول والثاني العامليّين، وأستاذا للملا صدرا ومحسن فيض الإيرانيّين، هذا التيار الاجتهاديّ في الإسلام، الذي ركّز علماء جبل عامل في إيران دعائمه، هو الذي ينتمي إليه قادة الثورة الإسلامية. كان الشيخ البهائي كذلك صلةَ الوصل بيني وبين الشعراء العرفانيّين الذين تأثّر بهم… والثورةُ الإسلاميّة عزّزت لديّ فكرة الصراع الدائم بين الحقّ والباطل بين النبيّ (ص) وعتاة قريش، بين الحسين (ع) ويزيد، وبين فنزويلا وأميركا الشيطان الأكبر.
دراساتي عن التأثر والتأثير المتبادلَين بين العرب والإيرانيين، وبين اللغة العربية واللغة الفارسيّة، وبين الأدب العربي والأدب الفارسي، كلّها ذات مصدر واحد هو دراساتي الإسلامية باللغتين وتدريسي للغة العربيّة وآدابها، للقرآن نصّاً أدبيّاً؛ وللحضارة الإسلاميّة واللغة الفارسيّة، والترجمة من الفارسيّة بالعربيّة، وتنوّع مواضيع مئات المقالات التي ترجمتها لدائرة معارف العالم الإسلامي؛ فضلاً عن أنّني في مطلع الشباب علّمتُ اللغةَ الفرنسيّة، والأساس وقبل كلّ شيء هو أنّني قارئة دائمة، وقراءاتي متنوّعة المواضيع، بالعربيّة والفارسيّة والفرنسيّة.