الزلازل:

بين عجز توقعات الإنسان وخرافة استشعار الحيوان

على مدى الأيام الماضية، ومنذ اللحظات الأولى لانتشار خبر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، عاش المواطنون في البلدين ومعهم الشعب اللبناني أوقاتًا عصيبة ورهيبة، نتيجة كمية الشائعات والتحليلات والاجتهادات والتأويلات والتنبؤات والأخبار العشوائية التضليلية والتهويلية، فضلًا عن النظريات التي توزعت بين خطابين متناقضين، الأول جزم بحتمية امكانية حدوث زلازل أخرى، فيما الخطاب الثاني أدخل جوًا من الطمأنينة الى قلوب الناس بتأكيده استحالة التنبؤ بالزلازل، وعدم صحة الأخبار التي تصب في هذه الخانة.

2023-02-18

د. علي دربج – باحث وأستاذ جامعي

ما تجب معرفته في البداية، أن الزلازل ليست غريبة على تركيا. فهذا البلد معروف بجغرافيته الفريدة التي تربط القارات والثقافات. كما أنه يربط العديد من الصفائح التكتونية بما في ذلك الصفائح الأوراسية والأفريقية والعربية عبر صفيحة الأناضول.

وانطلاقًا من هذه النقطة، واستنادًا إلى “هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية”، شهدت تركيا أكثر من 60 زلزالًا بلغت قوتها 2.5 درجات في 8 شباط/ فبراير الحالي. وذكرت أن “المنطقة التي وقع فيها زلزال 6 شباط/ فبراير نشطة زلزاليًا”، وتبعًا لذلك تنتج التفاعلات بين جميع الصفائح المحيطة وصفيحة الأناضول كمنطقة زلزالية نشطة، وبالتالي فإن الزلزال المدمر الأخير، وقع لأن قطعتين من قشرة الأرض تحركتا عبر بعضهما البعض أفقيًا عبر خط الصدع، وهي ظاهرة تعرف باسم صدع الانزلاق.

إلى جانب ذلك، تعتبر الزلازل الكبيرة أقل تواترًا في تركيا، لكنها لا تزال تحدث بشكل منتظم. تظهر بيانات من السنوات الـ 120 الماضية أن الزلزال الأخير هو ثاني أكبر زلزال في أعقاب زلزال عام 1939 الذي أودى بحياة حوالي 33000 شخص. وبعد ستين عامًا (اي في العام 1999) ضرب زلزال هائل بقوة 7.6 درجة، تركيا، وأدى حينها إلى حوالي 18000 حالة وفاة، عدا عن آلاف الجرحى والمشردين.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعرضت تركيا لزلزال بقوة 5.9 درجة. وكان سبق ذلك زلزال بقوة 7.0 درجات ضرب بحر إيجه بين تركيا واليونان في العام 2020.

ما هي أسباب حدوث الزلازل؟

يحدث الزلزال عندما تتحرك كتل ضخمة من القشرة الأرضية فجأة فوق بعضها البعض. تقع هذه الكتل التي تسمى الصفائح التكتونية على قمة غلاف الأرض، وهي طبقة تتحرك مثل سائل بطيء الحركة على مدى ملايين السنين.

وعليه، هذا يعني أن الصفائح التكتونية تتصارع مع بعضها البعض بمرور الوقت، ويمكنها أيضًا الانزلاق فوق بعضها البعض، وهي ظاهرة تسمى الاندساس. المثير للاهتمام أن الأماكن على الكوكب التي تلتقي فيها صفيحة بأخرى، هي الأكثر عرضة للزلازل.

كما أن الأسطح المحددة التي تنزلق فيها قطع الأرض عبر بعضها البعض، تسمى العيوب. ولهذا عندما تتحرك الصفائح يتراكم الضغط عبر حدودها، بينما يثبتها الاحتكاك في مكانها، غير أنه حين يطغى الأول على الأخير، تهتز الأرض مع تبدد الطاقة المكبوتة. وتعليقًا على ذلك قال جريج بيروزا أستاذ الجيوفيزياء بجامعة ستانفورد: “إن فهمنا لهذه الزلازل داخل الصفيحة ليس جيدًا”. وأضاف إن الزلزال الذي يقع داخل صفيحة تكتونية له علامات منبهة أقل من تلك التي تحدث عند خطوط الصدع.
 
ماذا عن قياس الزلازل؟

أصبح مقياس ريختر الذي طوره تشارلز ريختر عام 1935 لقياس الزلازل في جنوب كاليفورنيا من الماضي، وعفا عنه الزمن. فالدول المتقدمة تستخدم حاليًا المقياس اللوغاريتمي، وليس مقياسًا خطيًا لمراعاة حقيقة أن هناك فرقًا كبيرًا بين أصغر الهزات، وتلك التي تهدّم الأبراج.

فعلى المقياس اللوغاريتمي يكون زلزال بقوة 7 درجات، أكثر شدة 10 مرات من زلزال بقوة 6 درجات، و100 مرة أكثر شدة من 5 درجات. علاوة على ذلك يحدد مقياس ريختر في الواقع سعة الذروة للموجات الزلزالية، مما يجعله تقديرًا غير مباشر للزلزال نفسه. لذلك إذا كان الزلزال يشبه سقوط صخرة في بركة، فإن مقياس ريختر يقيس ارتفاع الموجة الأكبر، وليس حجم الصخرة، ولا مدى التموجات.

ليس هذا فحسب، فإن مقياس ريختر يوفر صورة غير كاملة للمخاطر، ويفقد الدقة لأحداث أقوى. كما أنه يفتقد بعض الفروق الدقيقة في المناطق الأخرى المعرضة للزلازل في العالم. وفي حالة زلزال تركيا وسوريا، فإن حجم اللحظة، هو المقياس الذي كان يجب ان يستخدم حينها.

على المقلب الآخر، فإن مقدار تحرك الأرض بالفعل، هو إحدى الطرق البديلة لوصف الزلازل. إضافة الى ذلك، ثمة أساليب أخرى وهي مقياس حجم اللحظة التي تمثل أنواعًا متعددة من الموجات الزلزالية، بالاعتماد على أدوات أكثر دقة، وحوسبة أفضل، لتوفير نتيجة قياس موثوقة لمقارنة الأحداث الزلزالية.

هل يمكن لعلماء الجيولوجيا توقع حدوث الزلازل؟

يُعد التنبؤ بالزلازل مشكلة حساسة للعلماء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها كانت منذ فترة طويلة، اللعبة المفضلة للمحتالين والعلماء الزائفين الذين يدعون أنهم قادرون على توقع الزلازل.

ومع ذلك، ثمة ايجابية وحيدة، تتمثل بانه لدى العلماء فكرة جيدة عن المكان الذي يمكن أن تحدث فيه الزلازل. فمن خلال استخدام السجلات التاريخية والقياسات الجيولوجية ، يمكنهم تسليط الضوء على النقاط الساخنة الزلزالية المحتملة وأنواع الهزات التي يواجهونها.
أما بالنسبة لموعد وقوع الزلازل، فلا يزال ذلك غامضا. لذلك ضع في حسابك، انه من الصعب معرفة متى سيحدث الزلزال، لأن القوى التي تسببه تحدث ببطء على مساحة شاسعة ولكنها تتشتت بسرعة على منطقة ضيقة. الأمر المذهل هو أن القوى المتراكمة عبر القارات على مدى ملايين السنين، يمكنها أن تدقّ المدن في دقائق.

والاهم من ذلك، ان التنبؤ بالزلازل، يتطلب قياسات عالية الدقة في أعماق الأرض على مدار عقود، إن لم يكن أطول، إلى جانب عمليات محاكاة معقدة. وحتى في هذه الحالة ، من غير المرجح أن تسفر عن مهلة لمدة ساعة قد يكسبها البشر قبل وقوعه. لذلك هناك في النهاية العديد من المتغيرات قيد التشغيل والأدوات قليلة جدًا لتحليلها بطريقة ذات مغزى.

من جهة ثانية، صحيح ان بعض الأبحاث، تظهر أن الهزات الأرضية يمكن أن تسبق زلزالًا أكبر، لكن من الصعب تمييزها عن مئات الزلازل الأصغر التي تحدث بشكل منتظم. وهنا تكمن المشكلة الكبرى. وبناء على ذلك، تقوم العديد من البلدان الآن بإنشاء أنظمة تحذير لتسخير الاتصالات الإلكترونية الحديثة لاكتشاف الهزات وإرسال التنبيهات قبل اهتزاز الأرض، وشراء بضع دقائق ثمينة للبحث عن مأوى.

بالمقابل، يمكن احيانا استغلال الوقت، من خلال النصوص والتغريدات التي تتسابق بالفعل قبل الموجات الزلزالية. فبعد زلزال كبير، غالبًا ما تهز توابع الزلزال المنطقة المنكوبة.  لذلك، اثناء زلزال توهوكو في اليابان عام 2011  (التسونامي الشهير)، على سبيل المثال ، وصلت تحذيرات (عبر التغريدات) من أشخاص كانوا بالقرب من مركز الزلزال الرئيسي  قبالة سواحل شرق اليابان ، إلى العاصمة طوكيو على بعد 232 ميلاً، مما ساعد السكان في شراء  لحوالي دقيقة من وقت التحذير.

من هنا عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ، يرغب الباحثون بشكل مفهوم، التأكد من عدم المبالغة في الوعود وتجنب الاجتهادات، لاسيما عندما تكون اراوح الآلاف على المحك، لكن حتى هذا الحذر كان له عواقب.

ففي عام 2012، حُكم على ستة علماء إيطاليين بالسجن لمدة ست سنوات، لقولهم بدقة أن مخاطر حدوث زلزال كبير في مدينة لاكويلا الايطالية كانت منخفضة بعد أن ضربت مجموعة صغيرة من الزلازل المنطقة في عام 2009.

غير أنه لسوء الحظ، بعد ستة أيام من اجتماع العلماء لتقييم المخاطر، ضرب زلزال كبير وقتل 309 أشخاص. لاحقا تم إلغاء هذه الإدانات، وأصبحت المحنة، حافزا لدراسة حالة لكيفية نقل العلماء عدم اليقين والمخاطر إلى الجمهور.

هل يمكن ان نثق بسلوك الحيوان كإشارة تحذير لزلزال قادم؟

تعود التقارير عن الحيوانات التي تتصرف بشكل غريب قبل الزلازل إلى اليونان القديمة. ولكن الحقيقة تبقى بعيدة المنال. ففي كل مرة يحدث فيها زلزال، يظهر حيوان ما لتصويره واعتبار تصرفاته غير المألوفة كدليل قاطع. غير ان هذه الظاهرة اقرب منها الى التحيّز العاطفي، منها الى الواقع. إذ تقوم الحيوانات بأشياء غريبة (وفقا لمعاييرنا) طوال الوقت ولا نعلق عليها أي أهمية حتى يحدث الزلزال.

هل للإنسان اي دور في حدوث الزلازل؟

أدى الازدياد الهائل لعمليات التكسير الهيدروليكي للصخور في الولايات المتحدة إلى انتشار ظاهرة الزلزال المتكررة. لكن التصدع الفعلي للصخر الزيتي الذي يؤدي إلى الهزات لم يكن السبب الوحيد، بل ايضا، كان هناك مشلكة توجيه ملايين غالونات مياه الصرف الصحي نحو اعماق الأرض. ولهذا يقول العلماء إن هذا الماء كان بمثابة حقن، يجعل من السهل على الصخور الانزلاق فوق بعضها البعض.

كما يتسبب البشر بحدوث الزلازل بطريقة أخرى أيضًا: فقد تبين أيضًا أن السحب السريع للمياه من الخزانات الجوفية يتسبب في حدوث زلازل في مدن مثل جاكرتا.

في المحصّلة، ان الإجراء الوحيد الذي قد يخفف من وقوع ضحايا عند حدوث زلزال في اي بلد، هو تطبيق قوانين البناء الحديثة التي تراعي الزلازل. إذ يمكن أن يؤدي تصميم المباني  بطريقة تتحرك فيها مع الأرض، الى إنقاذ آلاف الأرواح البشرية..

 

 

 

المصدر: العهد