الوفاق/ خاص
سهامه مجلسي
يتساءل البعض هل يمكن أن تكون المرأة ربّة منزل، وأمّ مميّزة، وفي نفس الوقت تكون امرأة عاملة ناجحة في وظيفتها، وهل باستطاعتها أن تثبت ذاتها في مجتمع يسيطر عليه الذكور، الإجابة نعم وبكل سهولة تستطيع المرأة أن تتجاوز كل التحديات والظروف وتحقيق النجاح في حياتها الشخصية والمهنية، فالتاريخ مليء بقصص نجاح الشخصيات النسائية.
على مدار سنين طويلة لعبت المرأة دوراً حيوياً وحاسماً في التكوين الثقافي والتأثير المعرفي للمجتمعات فكانت كقوة دافعة رئيسية للنمو المستقبلي، والنهضة البشرية جمعاء، والى الآن لا تزال النساء تكافحن من اجل اثبات قدراتهن على صناعة النجاح، في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الدكتورة في علم الاجتماع السياسي ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:
ما هي أسرار النجاح عند المرأة؟
النجاح في الحياة يرتبط بتحقيق الأهداف التي يضعها الإنسان في حياته او ينشأ ويتربى عليها، حيث أن شخص يرى النجاح من منظوره الفكري ومنطقه ومنهجه في الحياة وفهمه لها، والنجاح في تحقيق الأهداف نسبي، يرتبط بقناعة الإنسان في النسبة التي حققها في هدفه وفي المجال الحياتي الذي نجح فيه، فقد ينجح في أسرته مع أبنائه وزوجته، او ينجح في عمله أو في كلاهما وقد لا يوفق للنجاح في علاقاته الاجتماعية ولكن ينجح في علاقته مع رب العمل، يبقى النجاح كله او النجاح المثالي إذا صح التعبير هو النجاح الذي يسعى إلى تحقيقه في جميع جوانب حياته الذي يبدأ بمعرفه نفسه وعلاقته بربه وتقدير ذاته، ووضوح هدفه في الحياة، الذي يمثل أسرار النجاح، من هنا فإن سر نجاح المرأة بشكل خاص ينبثق من مستوى وعيها في تحديد نظرتها لنفسها ووضوح دورها في الحياة، وثقتها بنفسها وقدراتها في تحقيق هذا الدور والنجاح فيه، في دائرتها الأسرية كإبنة وأخت ثم زوجة وأم، وفي دائرتها الكبرى المجتمع من جهة، وإلى نظرة المجتمع والأسرة إليها وإلى أهمية دورها وموقعيتها الاجتماعية في هاتين الدائرتين فجميع هذه الاعتبارات تمثل دعما للمرأة وسر من اسرار نجاحها في تحقيق أهدافها الحياتية.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه النساء والفتيات للوصول الى تحقیق اهدافهن؟
تحديات الإنسان في تحقيق أهدافه في الحياة كثيرة، منها ما هو مجتمعي عام، ما تفرضه الظروف البيئية الاجتماعية للإنسان من واقع سياسي، ثقافي، اقتصادي، علمي، ويحتاج إلى جهد مجتمعي لمواجهتها، من قبيل السياسات العامة للدول في مواجهة الظواهر الاجتماعية كالبطالة مثلاً، وأفق التعليم، والحصار الاقتصادي وغيره، ومنها ما هو خاص بقدرات الإنسان نفسه واحتياجاته الضرورية والثانوية، وتجاوز هذه التحديات تحتاج لقناعة مجتمعية في وجود هذه التحديات وإعداد خطط واستراتيجيات لمواجهتها في المجالين الخاص والعام، نقصد هنا الجهد الفردي الإنساني ومسؤوليته في مواجهة التحديات فضلاً عن الجهد الاجتماعي أو المجتمعي. وأرى بأن التحديات التي تواجه النساء اليوم لا تنفصل عن التحديات التي تواجه الرجل في المجتمع بشكل عام، غير أن المرأة بما تحمله من خصوصية مجتمعية ناشئة من طبيعتها الفطرية وتنشئتها المنسجمة مع فطرتها، ويدعمها في ذلك نظرة المجتمع إليها، جعلت منها مخلوقاً شديد الحساسية في مواجهة بعض التحديات التي تحتاج ربما للتخشن والقساوة، مع قدرتها الفائقة في مواجهة التحديات التي تحتاج للمشاعر الفياضة من رقة وحنان وتضحية إلى أقصى حد، فمسألة تحديد التحديات التي تواجه النساء اليوم بدايةً تتعلق في مجال أهدافهن وأولوياتهن الحياتية، فأمام الانفتاح على العالم بكل مجالاته الحياتية وتحدياته، وحضور المرأة الفاعل والضروري في كل هذه المجالات الذي بات من الصعب تجاوز هذا الحضور الفاعل والأساسي في نجاحها ونجاح وتقدم مجتمعها، التحدي الأساسي الذي يواجه المرأة اليوم يكمن في قدرتها على التوفيق بين موقعيتها داخل الأسرة ودورها في الحفاظ على ديمومة الأسرة واستقرارها، وموقعيتها في المجتمع.
كيف تغير وضع المرأة بشكل عام حاليا في المجتمع؟
بالرغم مما تعرضت إليه نظريتي سلطة الرجل، وولاء المرأة لنقدٍ كبير لا سيما في جوهرها الاجتماعي، فليس من الصحيح أن يعتبر مجتمع الأسرة في المجتمعات العربية سواء في سلطة الأب أو الأم، ذلك الشكل السياسي والتنظيمي الأقدم تاريخياً، رغم أن التطور التاريخي يعطي مؤشراً في خط السطوة الأبوية وسلطة الرجل، على أنه الأكثف والأقدر في الزمان والمكان، إنما نلاحظ شياع ظاهرة الأسرة وتمركزها كوحدة مؤسساتية اجتماعية تقدمت مع الدعوة الإسلامية في المجتمع العربي في دائرة مقوننة من الحقوق والواجبات في مجالات حياتية مهمة من القرابة والإرث والزواج والنفقة وغيرها بين المرأة والرجل، ما يدلل على انتفاء الإشكالية النظرية إن في النظرة الدونية للمرأة كما نجده في السياق الاجتماعي الغربي، أم في إشكالية الحقوق والواجبات المتضاربة بين المصالح الفردية بين المرأة والرجل في الغرب ومصلحة الأسرة. غير أن مشاركة المرأة في الساحات الحياتية المتنوعة في العمل والتعليم والسياسة والإعلام، انتج تحولا فعليا في واقع المرأة في المجتمع العربي والإسلامي ووضع الأسرة برمتها امام تحديات العصرنة والعولمة بكل مفاعيلها السلبية والإيجابية.
كيف يمكننا إشراك الرجل لدعم تمكين المرأة؟
بداية لا بد من توضيح مفهوم التمكين لإزالة بعض الملابسات حول استخدامه من قبل الكثيرين، ما الهدف من التمكين؟ وهل تمكين المرأة في الأسرة أم المجتمع؟ بمعنى أوضح هل التمكين بين المرأة والرجل يقع في إطار العلاقة التكاملية أم العلاقة التبادلية من تبادل الأدوار والمسؤوليات؟
“الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”
جاءت كلمة التمكين في القرآن الكريم بمعنى القدرة على الشيء وإطاقته، مع زوال المانع، ما يدلل على بعديه المعنوي (الاطمئنان والآمان) والمادي (القدرة والاستقرار)، وقد طُرح مفهوم تمكين المرأة بأنّه العملية التي تُتيح للمرأة القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تُكسبها قوةً تُمكّنها من السيطرة على حياتها من قبيل امتلاكها للموارد وقدرتها على الاستفادة منها وإدارتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات أو الأهداف. فالحديث عن تمكين المرأة في أسرتها او في مجالها الاجتماعي من علم وعمل وأنشطة مختلفة بإقرار فرداني لهذا التمكين منفصلاً عن تمكين الرجل في نفس المجال، دون بحث طبيعة المستوى العلائقي الاجتماعي الانمائي بينهما يضعنا أمام جملة من الإلتباسات لا بد من تبديدها.
من هنا الحديث عن تمكين المرأة يفرض علينا الخوض في دائرة المسؤوليات والأدوار الاجتماعية للمرأة في الأسرة والمجتمع، فإنني أعتبر بأن الأسرة ليست مجرد مكان يقرر فيه إثنان الزواج والاستقرار النسبي وإنجاب الأطفال، من هنا تبرز أهمية مشاركة الرجل في دعمه تمكين المرأة في أسرتها بتصحيح العلاقة التكاملية للمسؤوليات والموقعيات الأسرية بينه وبينها لديمومة الأسرة واستقرارها، بل الأسرة منظومة اجتماعيّة أساسية محورية في المجتمع وأساس للتمكين الحضاري مقابل محوريّة الفرد. ولأنها أهم منظومة انتظم فيها الإنسان عبر التاريخ الاجتماعي، حيث انتظمت الأسرة في بنية المجتمعات الإنسانيّة على مدى التاريخ باتجاهيين أصليين، وكلّ اتجاه أعد أرضية موضعيّة مؤهلة لتتناسب مع مجموعة سلوكيات ودوافع إلى جانب الحاجات الذهنية التي ارتكزت على أسس ومبادئ دينيّة أو على أسس التنمية الماديّة، ومحورية الأسرة في المجتمع تجعل كلّ المنظومات الاجتماعيّة في خدمة هذا التمكين، من هنا تبرز أهمية مشاركة الرجل في تمكين المرأة ودعمها في المجتمع في إطار من العلاقة التبادلية للأدوار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، لدعمها في تأدية مسؤولياتها الأسرية إلى جانب مسؤولياته في إطار من العلاقة التكاملية التي تجسد التمكين في الأرض لخلافة الله عليها.
هل الصمت الذي يحيط بالعنف ضد المرأة قد انكسر؟
الصمت الذي أحاط بالمرأة في المجتمعين العربي والإسلامي قد بدأ ينكسر مع الدعوة الإسلامية والخطاب القرآني «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»، بينما نجده تأخر في المجتمعات الغربية إلى ما بعد الثورة العلمية والحركات النسوية على المستوى النظري، يبقى التجسيد العملي للقوانين والنظريات، منوط لجملة عوامل متداخلة، تختلف باختلاف المجتمعات وظروفها وبيئتها والثقافة المجتمعية السائدة، ومستوى معيشتها وغيره. الاّ أننا اليوم مع الانفتاح على الغرب بكل أفكاره التحررية، وعلى الشرق بكل أفكاره الإسلامية التقليدية منها والاجتهادية والإصلاحية، نجد بأن ظاهرة العنف كظاهرة اجتماعية منبوذة مجتمعياً في المجال الإنساني لاسيما فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة أو الرجل أو الطفل أو المسن ما يؤشر إلى أن ظاهرة العنف ضد المرأة قد انكسرت بقوة الفعل الاجتماعي، وإن رصدناها كظواهر اجتماعية تتجلى في بعض المجتمعات فهي نتيجة الظروف الخاصة لتلك المجتمعات على أمل تنميتها ونهضتها باتجاه الحضارة الإنسانية.
كيف لكِ أن تصفي لنا وضع المرأة والفتاة العربية في المجال العلمي وهل تحظى بالفرص الكافية؟
المجتمعات العربية تعيش تأزم الواقع العلمي المرتبط بالواقع السياسي في المنطقة برمتها، فنحن بعد الحرب العالمية الثانية أمام كيانات سياسية تفتقر بمعظمها لسياسات استراتيجية سيادية تعبر عن طموح أبنائها وتحل مشاكلهم، فمجتمعاتنا تعيش أزمات في العلم والعمل، ولأن النفقة تقع على عاتق الرجال في مجتمعاتنا العربية والإسلامية حظي الرجل بفرص للعلم والعمل كأولوية على حساب الفرص للمرأة في قبول مزاج مجتمعي عام، ومع الانفتاح على العصرنة ودخول المرأة مجالي العلم والعمل توسعت الفرص أمام المرأة العربية الا أنها لم تبلغ مستوى التكافؤ في الفرص مع الرجل في كثير من المؤسسات العامة والخاصة التي بقيت حكراً على الرجال بحسب عرف بعض المجتمعات وبحسب مصالح المؤسسات.
ما هي نصيحتك لكل امرأة وفتاة ؟
العائلة هي الملاذ الآمن والمطمئن لكل من المرأة والرجل وهي الداعم الأول لنجاح كليهما في مسؤولياتهما الحياتية، وفي تحقيق النجاح في المجتمع، ولا مناص للمرأة تحديداً مع توسع دائرة التحديات الاجتماعية التي تتعرض إليها من التحلي بمزيد من الوعي والإدراك والبصيرة حول مستقبلها وخياراتها الاجتماعية فضلاً عن مستقبلها العلمي ودورها في المجتمع، الا أن الأهم في نجاحها هو ترتيب أولوياتها بين مسؤوليتها في تشكيل أسرة إلهية وبين حضورها ودورها الاجتماعي في تطوير مجتمعها وتقدمه، فتنتهج منهج الحكمة والتوازن في خياراتها ولا تتغرر بالدعايات العصرية الفردانية التحررية على حساب استقرارها وأمنها الاجتماعي لتحقيق سعادتها.