في مؤتمر “ميونيخ للأمن” والذي شاركت فيه 40 دولة وحضره 90 وزيرا للخارجية والدفاع، كان لافتاً أن الخطاب الأوروبي الذي عبّر عنه كلاً من المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد عكس توجها أوروبيا أطلسيا على مواجهة روسيا على المدى الآني والمتوسط والبعيد، وبكل أشكال القوة والمواجهة العسكرية وغير العسكرية، ما يعني أن الصراع سترتفع وتيرته ويأخذ أشكالا جديدة.
لا استقرار للنظام العالمي الجديد، ولا أفق للحلّ، من دون حسم الصراع على تركيا. قضى زلزال تركيا على فكرة “تركيا كيان إقليمي شبه مستقل أو تركيا قطب إقليمي منفرد” ليعود الصراع مجددا على هذا البلد ما بين الشرق والغرب. تركيا ليست رجب طيب أردوغان وليست حزب الشعب الجمهوري. تركيا جغرافيا مترامية من اوراسيا الى اوروبا والشرق الاوسط. إن الصراع على تركيا قد ينتقل في المدى المنظور من مرحلة “التشبيك والإحتواء” إلى الميدان، أو من مرحلة المواجهة الصامتة إلى مرحلة المواجهة الصاخبة. وفي المقابل سترتفع وتيرة المواجهة “بالتشبيك والإحتواء” وتشهد انزياحا نحو”مصر والسعودية” بعد ان فعلت الجيولوجيا فعلها شمالاً في تركيا.
التصريحات الروسية تؤكد أن موسكو التقطت إشارات الخلاف السعودي ــ المصري الذي ترعاه وتديره واشنطن. موسكو أرادت القول ” أياً يكن من تريدونه زعيما إقليميا في المنطقة فلن نساوم على علاقته معنا”.
الغرب الأطلسي يصعّد في اوكرانيا قولاً وفعلاً، ويتعمّد التحريض على إدخال “شبه جزيرة القرم” إلى قلب المعركة، الغرب الاطلسي يريد الدفع بروسيا إلى نقطة حرجة في المواجهة التي تحدث في اوكرانيا قبل أن يفتح جبهة مواجهة جديدة في تركيا أو حول تركيا أو عليها. والدولة العميقة في تركيا هي صاحبة القرارات وهي من تحدد الإستراتيجيات، وبيدها تفعيل اوراق القوة التي تمتلكها تركيا تباعا، وفي ذات الوقت هي من تدير لعبة التاثير في الوعي العام التركي وكذلك لعبة التشبيك الإستخباراتي ما بين الشرق والغرب.
يدرك الغرب الاطلسي ومن خلفه “اسرائيل وبعض الدول العربية”، أن اللقاء السوري ــ التركي برعاية روسية ــ إيرانية، هو أخطر ما يمكن ان يصيب استراتيجياته في الإقليم والعالم، وقد شاهدنا كيف تسارعوا إلى قمة جدة بعد القمة الثلاثية الروسية ــ الإيرانية ــ التركية في طهران.
خطاب السيد في ذكرى القادة الشهداء كان علامة فارقة، فهو أعاد لعبة “كاريش” إلى المربع الأول عشية مؤتمر ميونخ للأمن الذي خصص لإعلان “أوروبا موحدة معادية لروسيا”، المؤتمر الذي ركّز على ضرورة تأمين “سلاسل التوريد”، فوجئ بخطاب السيد الذي حطم تلك السلاسل من الإقليم في خطوة عكست حجم التنسيق من موسكو الى طهران ودمشق وبيروت.