وطرق علاجها

المشكلات النفسية الأكثر شيوعاً بين المراهقين

علاج الاكتئاب يجب ان يترافق مع الأدوية والعلاج المعرفي السلوكي، ويجب على الأهل أيضاً في المنزل متابعة حالة أولادهم والصبر قدر المستطاع لأنَّ المعالجة الخاطئة لأيَّة مشكلة قد تزيد الطين بلة

2023-02-19

تُعَدُّ مرحلة المراهقة من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان سواء على الأسرة أم على المراهق نفسه، ويرجع هذا إلى عوامل عديدة أهمها أنَّ هذه المرحلة هي فترة انتقالية بين الطفولة والشباب، ومن الصعب جداً نتيجة هذا إيجاد آلية مثالية للتعامل مع المراهقين، فهم ليسوا أطفالاً وفي الوقت نفسه ليسوا بالغين؛ وهذا ما يسبب المعاناة لكلا الطرفين السابقين، ويسبب الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، ويعكر جو الصفاء والاستقرار الذي كان سائداً في مرحلة الطفولة، لكن هل كل تمرد من المراهق وكل رفض يجب عَدُّه مشكلة نفسية حقيقية تُحتِّم تدخُّل الأهل والاختصاصيين والمعالجين؟

حقيقةً يتسم سلوك المراهقين وتصرفاتهم بالحدة قليلاً والتمرد وحب الاستقلالية، وهذا لا يعني أبداً وجود أي خلل أو مشكلة نفسية لديهم، لكن في حال تكرر السلوك الخاطئ متصاحباً مع اضطرابات عديدة في المزاج ونمط الأكل وبعض المشكلات الجسدية، قد نكون حينئذ أمام مشكلات نفسية يعاني منها المراهقون وعلينا التدخل لعلاجها قبل أن تترك آثاراً في نفسية وشخصية المراهق، وقد يكون من الصعب جداً محوها في المستقبل.

فاختصاصيو الصحة النفسية أو الأطباء النفسيون فقط لديهم القدرة على تقييم وتشخيص المشكلة لتقديم النصائح والعلاجات اللازمة سواء السلوكية المعرفية أم الدوائية في الحالات المتطورة؛ لذلك ونظراً للأهمية الكبيرة لهذه المرحلة ودورها الكبير في تحديد ملامح الشخصية التي سيكون عليها المراهق فان المشكلات النفسية الأكثر شيوعاً عند المراهقين وطرائق علاجها.

ما هي المشكلات النفسية الأكثر شيوعاً بين المراهقين؟ وكيف نعالجها؟

  1. الاكتئاب: يُعَدُّ الاكتئاب من أكثر المشكلات النفسية شيوعاً بين المراهقين والأكثر تأثيراً، كما أنَّه قد يكون بوابة لمشكلات أخرى وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة في حال لم يُلاحَظ من قِبل الأهل والتدخل مباشرة لإيجاد الحل، وتظهر أعراض الاكتئاب على المراهق من خلال تغيرات في مشاعره وتقلبات بين الحزن والفرح.

كما تسيطر عليه مشاعر عدم الاكتراث وعدم الرغبة في المشاركة بالنشاطات والجلسات الاجتماعية مع أقرانه، ويميل إلى الانعزال والجلوس وحده، وقد تتطور الحالة ويصبح الاكتئاب أكثر شدة ويتصاحب مع نوبات غضب شديد، وتستمر هذه الأعراض فترة طويلة تتجاوز الأسبوعين وتكون أعراضه أكثر حدة ووضوحاً.

من المرجح أن يكون السبب مشكلة عاطفية أو فقدان شخص عزيز أو مشاحنات عائلية أو مشكلات في المدرسة، حتى إنَّ الاضطرابات الجسدية قد تؤثر في نفسية المراهق مسببةً الاكتئاب، وهذا لا يعني أنَّ كلَّ تأثر بالحالات السابقة أصبح اكتئاباً، ففي حالة الاكتئاب يكون تأثُّر المراهق أطول من المفروض مترافقاً مع نوبات حزن وسلوكات وتصرفات من الصعب ضبطها والسيطرة عليها.

ومن الأسباب التي تقف وراء إصابة المراهقين بالاكتئاب بعضها يتعلق بالوراثة ونمط الحياة والظروف التي يعاني منها المراهقون، ويرجح بعض الأطباء أن يكون للشذوذات الكيميائية في الدماغ دور في ذلك أيضاً.

ثمة أيضاً آراء طبية أخرى تتعلق بقصور الغدة الدرقية أو وجود مستويات منخفضة من الفولات في السائل الدماغي الشوكي، وباختصار تتحد بعض العوامل والظروف لتدفع المراهق وتجعله أكثر عرضة من غيره للإصابة بالاكتئاب.

أعراض الاكتئاب عند المراهقين

تختلف الأعراض باختلاف الاضطراب الذي يعاني منه المراهق، ففي حالة اضطراب الاكتئاب المستمر، تستمر نوبة الاكتئاب لأكثر من أسبوعين مع شعور بالحزن العميق وكره الذات والإحساس بالذنب وعدم القدرة على الاندماج وانعدام الرغبة بالمشاركة بالنشاطات التي كانت سابقاً مصدراً للسعادة.

علاج الاكتئاب عند المراهقين:

يُستخدم العلاج النفسي لحل مشكلة الاكتئاب عند المراهقين، ويجب أن يقوم بجلسات العلاج النفسي متخصصون لديهم خبرة، ويُفضَّل إعطاء مضادات الاكتئاب والأدوية مع هذه الجلسات، ويُنصح بالعلاج الجماعي أيضاً إلى جانب العلاج الفردي، ويجب تقديم الإرشادات للأسرة حتى يتمكنوا من تقديم الرعاية المناسبة والفعالة.

  1. القلق: من الاضطرابات النفسية الشائعة بين المراهقين التي تحمل معها الكثير من الآثار السيئة للمراهق وتؤثر في نوعية حياته وشكل علاقاته، فتجد قدرته على الاختلاط وتكوين الصداقات قد تراجعت؛ وهذا ما يؤثر في حياته الاجتماعية وفي نفسيته تأثيراً كبيراً.

إنَّ القلق عند المراهق تصل آثاره إلى المدرسة وإلى قدرته على التركيز وعلى التحصيل أيضاً، فلا يحتاج علاج القلق في أغلب الأحيان إلى أدوية، وأوقات كثيرة تُحَل المشكلة من خلال الحديث مع المراهقين والاستماع لمشكلاتهم والتعرف إلى مصادر القلق ومحاولة إيجاد حل لها، وعند غياب السبب ستغيب النتيجة حتماً.

  1. قصور الانتباه وفرط النشاط: جذور هذه المشكلة تبدأ من الطفولة وتصبح أصعب وأكثر خطورة في مرحلة المراهقة؛ لأنَّ المراهق سيكون عاجزاً عن الجلوس هادئاً؛ وهذا ما يسبب تشتت تفكيره ويعدم عنده القدرة على التركيز والانتباه، فتكون أبعاد المشكلة على أوجها في الصف لأنَّها تؤثر تأثيراً كبيراً فيه وفي استيعابه للدروس، كما تجعله مصدر قلق بالنسبة إلى زملائه ومعلميه؛ وهذا ما يؤثر في علاقته بهم.

علاج مشكلة فرط النشاط وقلة الانتباه عند المراهقين تكون من خلال بعض الأدوية التي يصفها الطبيب المتخصص، وليكون العلاج فعالاً يجب أن تترافق الأدوية مع علاج معرفي سلوكي، ويجب على الأهل أيضاً في المنزل متابعة حالة أولادهم والصبر قدر المستطاع لأنَّ المعالجة الخاطئة لأيَّة مشكلة قد تزيد الطين بلة وتفاقم المشكلة أكثر.

من الجدير بالذكر أنَّ إصابة المراهقين بهذه المشكلات النفسية يَنتُج عنها العديد من السلوكات الخاطئة، كالتقليد الأعمى الذي نجده منتشراً انتشاراً كبيراً عند المراهقين، وغالباً ما ترجع جذور هذا السلوك إلى حالة عدم الرضى عن الذات التي تصيب المراهقين بسبب مشكلة نفسية ما، فتجدهم يحاولون تعويض هذا النقص باتباع شخص ما، وفي أكثر الأحيان يكون من المشاهير وعَدِّه قدوة لهم، فيتصرفون مثله ويقلدون طريقته في اللباس وحركاته وحتى طريقته في الكلام، ولا يقتصر التقليد الأعمى هذا على تقليد المشاهير، فقد يقوم المراهقون بتقليد سلوكات بعينها لا تنسجم مع طبيعة مجتمعاتنا.

لقد ساعد الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم اليوم بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على انتشار هذه الظاهرة، وهنا يبرز دور الأهل واضحاً في ضرورة متابعة أبنائهم المراهقين والاطلاع معهم على ثقافات المجتمعات التي يتأثرون بها، ومساعدتهم على انتقاء العادات والسلوكات الصحيحة بدلاً من السلوكات الخاطئة، وتعريفهم بطبيعة وخصائص كل مجتمع، وقبل كل ذلك العمل على جعل المراهق يتقبل نفسه كما هو ويحب ذاته ليكون محصَّناً دائماً من أي تأثير خارجي.

بعض النصائح للتعامل مع المراهقين

من الجدير بالذكر أنَّ فترة المراهقة فترة حرجة في حياة أولادكم؛ لذلك لا يجب تجاهل هذه المرحلة؛ بل يجب إعطاؤها الوقت الكافي والصبر اللازم لأنَّ كل ما تزرعه في هذه المرحلة ستحصده في شخصية ابنك في المستقبل، فبناء شخص متوازن نفسياً وقادر على التفاعل داخل المجتمع مسؤولية الأهل.

لذلك يجب أن تضعوا في حسبانكم أنَّ للمراهقين احتياجات خاصة تبدأ من ضرورة الحياة ضمن بيئة منزلية صحية تتوفر فيها كل سبل الرعاية والحب لتكون مصدر أمان للمراهق يرجع إليها دون خوف أو قلق عندما يتعرض لمشكلة أو يقع في أزمة.

في سبيل تحقيق ذلك نستطيع تقديم النصائح الآتية:

  1. لا تعتدِ أبداً على استقلالية المراهق أو تحاول حبسه وتقيِّده بالكثير من الممنوعات بحجة حمايته:

فالحماية لا تكون بإبقاء المراهق بين أربعة جدران؛ بل يجب عليكم بصفتكم أهلاً السماح له بخوض الحياة بلمس كل ما فيها سواء من حزن أم سعادة، والبقاء على بعد خطوة واحدة فقط، وهذا ما يُشعره باستقلاليته ويجعلكم جاهزين للتدخل في اللحظة التي تقتضي ذلك.

  1. لا تتعامل مع المراهق بوصفه طفلاً: فاحترام خصوصيته أمر واجب وضروري ليشعر أنَّه كائن له احترامه؛ وهذا ما يزيد ثقته بنفسه واحترامه لذاته.
  2. اجعل جو العائلة مليئاً بالصدق والكثير من الحب، فيجب على المراهق أن يشعر أنَّ والدَيه قادران على تقبل أي خطأ منه:

وهنا نركِّز على كلمة تقبل وليس القبول، فالأهل لا يقبلون الأخطاء لكن عليهم تقبُّلها بصدر رحب وجعل ابنهم المراهق يشعر بذلك، فإنَّ خطأ المراهق لا يسبب نهاية العالم، وإذا تراجَعَ عن الخطأ، سيكون مفتاح النجاة بين يديه دائماً مهما كانت العواقب صعبة.

4- لا تتجاهل أيَّة أعراض خارجة عن الحدود الطبيعية والمألوفة للمراهقين:

وراقب سلوكاتهم والتغيرات المزاجية المختلفة التي يمرون بها، وراقب طريقة أكلهم ونومهم، وفي حال وجب تدخل اختصاصيين لا يجب التردد أبداً، وهذا لا يعني تنحي الأسرة جانباً ليقوم أحد بدورها؛ بل يجب على الوالدين البحث دائماً عن المعلومات الموثوقة التي تخص مشكلات أبنائهم المراهقين والتعرف إلى تجارب الآخرين بهذا الشأن.