الممثلة والحكواتية القديرة "سارة قصير" لـ "الوفاق":

كأول إمرأة محجبة في المسرح اللبناني كسّرت العوائق

قصير: دائماً استشهد بالسينما الإيرانية والمسرح الإيراني حيث كانت دافعاً لي وللكثيرين من مثلي.

2022-11-02

الوفاق/خاص / موناسادات خواسته

للحكاية والقصة تاريخ طويل، حيث نذكر جدّاتنا كنّ يحكين لنا القصص فنستمع لهنّ ونعتبرها دروساً للحياة، هذا الفن وصل الينا اليوم من جيل الى جيل، ولكن بأساليب جديدة تتناسب مع عالمنا اليوم، مع فنانين وحكواتيين جامعيين، ومن بينهم المخرجة والممثلة والحكواتية اللبنانية القديرة الدكتورة “سارة قصير”.

لـ “سارة قصير” رحلة طويلة وشاقة مع فن الحكواتي. وهي سعت في نشر هذا الفن في أرجاء الدول العربية سيما للناشئة، وتشاركت فيه مع فرق عالمية. يتكىء هذا الفن على الموهبة، وعلى قدرات الفنان الذاتية في تقديم الحكاية، وأدائها بطريقة مقنعة وجاذبة.

تقف “قصير” في وسط الاستديو، وتبدأ بقص الحكاية الشعبية، التي تحوي كل واحدة منها حكمةً في ختامها. بأداء تشويقي ساحر، تخرج قصير من جعبتها حكاياها وتقصها على المشاهدين، وتطوّع أدواتها لإيصال القصة بطريقة سلسة وجذابة، ولا شك أن من يتابعها يشعر بهذا التعطش نحو فن الحكاية الشعبية، فتلاقي رواجاً عالياً على السوشال ميديا والبرنامج والمهرجانات المختلفة، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع هذه الحكواتية القديرة، وفيما يلي نص الحوار:

الحكواتي كمهنة وفن

بداية طلبنا منها لكي تشرح لنا قصتها، كيف أصبحت حكواتية؟، فقالت: بداية موضوع كيف نشأت كحكواتية او بدأت كحكواتية، هو موضوع مركب من موضوعين، الموضوع الأول أنه أنا تربيت على حكايات جدّتي ام قاسم، وجدّتي كانت هي من الحكواتيين الشعبيين الذين يحكون لنا الحكايات مثل كل الجدات في البيوت والسهرات وفي الجلسات، وحفظت منها الكثير من الحكايات، لاحقاً لمــّـا درست المسرح وتخصصت في التمثيل تعرفت على أنه فن الحكواتي، هو فن كمهنة، وليس مجرد فن، بل هو فن كامل، وفن حقيقي وفن يستطيع الشخص ان يختاره كمهنته، فقررت الدمج بين ما ورثته من جدتي من حكايات وبين ما تعلمته من المسرح وفنون التمثيل للآداب، وبدأت بامتهان رحلة الحكواتي سنة 2002 ميلادي.

التمثيل المسرحي والحكواتي

بما أنها نشطة في مجال الفن والتمثيل والإخراج أيضا، سألناها عن  تجربياتها في هذه المجالات المختلفة، فقالت “قصير”:

صحيح  أن الأمور في مجال مهني واحد، فأنا ممثلة مسرح وممثلة تلفزيون وسينما ومقدمة برامج تلفزيونية وإذاعية، مخرجة مسرحية وتلفزيونية، ومخرجة أيضاً في الأفلام الوثائقية، وأيضاً أستاذة جامعية، وحكواتية، فكل هذه المجالات التي أعمل بها، لكل مهنة منها ولكل جزء منها له حيّز ومكانة خاصة وشيء جميل أحبه فيها، ولكن أكثر ما أحبه وأفضله دائماً، هو الفن الذي أتواصل به مباشرة مع الجمهور، كفن المسرح، يعني الإخراج  المسرحي والأداء أمام الجمهور، سواء كان تمثيل مسرحي او حكواتي.

توثيق التراث المتعلق بالمقاومة

بعد ذلك سألنا “قصير” أن تبدي لنا رأيها حول أنه كيف يمكن مواجهة العدو ونشر ثقافة المقاومة عن طريق الفن في مختلف مجالاته من السينما والمسرح والحكاية وغيره، وكذلك ما هو دور السينما والمسرح والحكاية في ترشيد وهداية الأجيال لمواجهة الحرب الناعمة التي ينشرها العدو عن طريق مواقع التواصل والسوشيال ميديا والأفلام وغيرها؟، فقالت الحكواتية اللبنانية: الفنون هي من أكثر الأدوات التي تلاقي نجاحاً في أي نوع من أنواع التغيير او نوع من أنواع المحافظة على الهويات والقيم الأصيلة، لماذا؟

لأن الفنون تعمل على قسمين: قسم يقوم بإيصال الحقائق وتوثيق الأحداث، وتثبيت القيم والهويات، وفي جزئه الآخر نفس الفن يقوم بـدغدغة المشاعر والعمل على الجزء البصري، والسمعي والحسي، عند المتلقين، وعندما يندمج الجزءين يعني الجزء العقلي مع الجزء العاطفي، يصبح التأثير أكبر بكثير من أي طريقة أخرى، لأجل ذلك نحن مثلاً  في فن الحكواتي نقوم بتوثيق التراث المتعلق مثلاً بـالمقاومة، او المتعلق بتاريخ معين، ونقوم بتقديمه كفن حكواتي، تخيّلوا معي مثلا لو أن هذه المعلومات التي يتم توثيقها، نقوم بتقديمها مثلا بطريقة درس او منشور، فسوف لن يتفاعل معها الجمهور مثلما يتفاعل مع الحكاية او مثلا لو أنها فيلم سينمائي أو إلى آخره.

الحجاب والنشاط الإجتماعي

“سارة قصير” محجبة وملتزمة وناشطة في المجتمع ومجال الفن، فطلبنا منها أن تتحدث لنا عن تجربياتها في هذا المجال، لأننا نرى بعض الناس دائماً يهاجمون الحجاب ويقولون انه معوّق، فسألناها هل وجدت الحجاب معوّق؟، فقالت:

الحجاب هو ليس عائقاً عن عمل أي شيء، نحن من نراه عائقاً او الآخرون؟، لكن بالحقيقة هو ليس عائقاً، تجربتي مع الحجاب، جداً تجربة تستحق الوقوف عندها، لأنه في لبنان أنا اول إمرأة محجبة درست المسرح والتمثيل بالحجاب، في لبنان المنهاج الدراسي للحجاب والظروف الموجودة هنا، لا تتلاءم مع المرأة المحجبة، ولكنني قررت أن أكسر كل هذه العوائق وهذه الصور النمطية، وقررت خوض هذه التجربة، فعلا كانت تجربة صعبة، لأنني أقوم بخرق قواعد اللعبة لأول مرة، إن كان من ناحية المنهاج او من ناحية الجو العام، او من ناحية القوانين الدراسية وما الى هنالك، ولكن بعد أن تخرّجت من عدم التنازل عن الحجاب ومبادئه، تم فتح مسار وباب للآخرين للتشجع على الدخول الى عالم المسرح والسينما في لبنان، بتجربتي وخاصة أنني لم أكتف فقط بدراسة المسرح والتمثيل، بل إنما انهيتها حتى الماجستير في المسرح والتمثيل من الجامعة اللبنانية أيضا والدكتوراه في المسرح والتمثيل والحكواتي من الجامعة اللبنانية أيضا، فخلال تجربتي لم يكن ولن يكون الحجاب عائقاً أمام أي فن ملتزم وأمام أي فن راق، ومن يريد أن يضع العراقيل أمام الحجاب، يستطيع أن يضعها في أتفه الأشياء، ومن يؤمن بأنه أن يتعامل مع ممثل او ممثلة بغض النظر عن الإلتزام الديني، فهو حتماً سيجد الحلول لذلك، وأنا قمت بهذه التجربة مع عدة مخرجين مسرحيين في لبنان، وكان الإتفاق الأول أنه أنت كمخرج عليك إيجاد الحلول لأي فعل او مشهد لا يتلاءم مع الحجاب، وفعلا عندما ذهبنا الى هذه الحلول وصلنا الى مشاهد أقوى وأكثر إبداعاً وذكاءً من الحلول التقليدية.

المرأة المحجبة في السينما والمسرح الإيراني

وتتابع “قصير” كلامها في مجال الحجاب وتقول: أيضا كنت دائماً أحاجج هنا الأشخاص الذين يعملون بالفن عندما يقولون بأنه أنك مثلا لن تستطيعي بحجابك أن تقومي بالتمثيل او تخوضي في هذا العالم، كنت دائماً أستشهد بالسينما الإيرانية والمسرح الإيراني، وأقول لهم أنظروا في ايران، أفلامهم تصل الى العالمية وهن محجبات، لذا دائما السينما الإيرانية والمسرح الإيراني، والفنون الإيرانية كانت دافعاً لي وللكثيرين من مثلي، ليقولوا بأن الحجاب ليس عائقاً أمام أي شيء.

المرأة الملتزمة المححبة والبيت

وعندما سألناها كيف تسطيع المرأة الملتزمة المححبة ان تكون ربة بيت موفقة وناشطة اجتماعية موفقة أيضا؟، قالت “قصير”: نحن هنا في لبنان، تتربى المرأة منذ الصغر على أن تكون فاعلة ونشيطة في كل الإتجاهات، ونأخذ نموذجاً أمهاتنا، أمي مثلاً وأغلب أمهاتنا عاملات، واستطعن التوثيق بين حياتهن في البيوت وبين عملهن، نعم هذا الموضوع يحتاج  الى تنظيم، ويحتاج الى همة عالية، ويحتاج الى ايمان كبير بـالرسالة التي أقوم بها، ان كان داخل البيت او خارج البيت، وأيضا هو كذلك توفيق من الله تعالى، أن تكون كل العائلة، منسجمة مع هذا الخيار، وتقف الى جانب هذا الخيار الذي تكون فيه المرأة عاملة خارج البيت ونشطة خارج البيت، وتسافر وما الى ذلك.

 الأفلام والمسلسلات المشاركة فيها

هناك مسلسلات وأفلام شاركت فيها “سارة قصير”، منها مسلسل الغالبون، فتحدثت لنا عن الأدوار التي قامت بها في الافلام او المسلسلات او مسرحية، وقالت: بالنسبة للأفلام والمسلسلات التي شاركت بها كثيرة منها مسلسل الغريبون قيامة بنادق، بنات العز، وأتحدث عن المسلسلات اللبنانية، ظل المطر، بوح السنابل، مرايا الزمن، عين الجوزة، وغيرها، هذه المسلسلات المحلية في لبنان، وبعض المسلسلات التي شاركت فيها خارج لبنان مثل مسلسل باب المراد للإمام الجواد (ع) والذي تم تصويره في المدينة السينمائية في ايران، وأيضا كنت من المشاركين الأساسيين في البرنامج الإيراني “7 روز، 7ساعت”، وكذلك في المسرح والذي عندي كثير من المسرحيات التي قدّمتها تمثيلاً وإخراجاً في لبنان، هذا العدد الكبير من الإنتاجات خلال هذه السنوات، يساعد كثيراً على تثبيت فكرة، أن الإنسان عندما يريد أن يقوم بإنجازات معينة عليه أن يتبع شغفه ويتبع أحلامه، وأن لا يتوقف عند أي معوقات.

الحضور في ايران والعمل الفني المشترك

وفيما يتعلق بحضورها في ايران ونشاطاتها بإيران، ومنها مهرجان فجر السينمائي وكذلك ورشات عمل الحكواتية وغيرها، قالت: “بالنسبة لحضوري الى ايران، أنا كثيرة الحضور في ايران، وتعلمت اللغة الفارسية أيضاً، وحضوري في ايران كان متعدد سواء في مهرجان الفجر او مهرجانات للأطفال في اصفهان، او مهرجان الحكواتي الدولي في طهران، كل هذه المشاركات اضافة الى مشاركات عدة أخرى، هي مشاركات كانت دائماً طابعها مميز جداً جميل، اي كل المهرجانات التي شاركت فيها هناك حرفية عالية ودقة عالية في التنظيم، ومستوى عال في الأعمال والإختيارات ولجان التحكيم، وأنا اعتذر أنه مثلما قلت سابقاً أنه من يريد فعلا أن يستشف ويأخذ من الفن الحقيقي والراقي، عليه أن دائماً ان يكون على تواصل مع الفنون الإيرانية”.

وبعد ذلك أبدت لنا رأيها بالنسبة للعمل المشترك الفني بين ايران ولبنان، وقالت “قصير”: بالنسبة للأعمال المشتركة بين ايران ولبنان، نتمنى أن يحصل كثير من الأعمال المشتركة، وكما ذكرت سابقاً لديّ تجربة واحدة في هذا المجال، وهي تجربة برنامج “7 روز، 7 ساعت” أي (7 أيام، 7 ساعات).

حكواتية موفقة

ولأننا نرى كثيراً تظهر “سارة قصير” كحكواتية موفقة جداً، فبطلبنا منها لكي تتحدث لنا أنه كيف تؤثر الحكاية على المستمع وما هي ردات فعل المشاهدين؟، فقالت: نعم، لكي يكون الإنسان حكواتياً جيداً ومؤثراً في الناس، عليه إتباع عدة أمور أولها أن يكون عفوياً وصادقاً مع الناس وأن يبتعد عن كل اللغات والعبارات المتكلفة والمصطنعة، وأن يكون قريباً جداً من قضايا الناس وهمومهم، إضافة الى ذلك عليه أن يكون متمرساً جداً في ما يتعلق بالأداء والصوت، ولغة الجسد، وكيف يعبّر بجسده ووجهه، كل هذه المهارات تعطي قوة للحكواتي لكي يحب الناس حكاياته ويستمعون له دون توقف.

نعم الحمدلله، أصبحت الحكايات رائجة جداً في العالم العربي بعد ظهوري على ساحات وسائل التواصل الإجتماعي في برنامج الحكواتي، هناك انتشار كبير للحكاية في البلاد العربية وأيضا التفاعل مع الدول العربية، حتى من الأصدقاء في ايران مثلاً يحبون جداً هذه الحكايات، وخاصة أن البعض يقومون بترجمة هذه الحكايات الى اللغة الفارسية.

الوقوف في وجه التحديات

وهكذا ختمت “سارة قصير” كلامها: أخيراً أقول بأن الإنسان عليه دائماً أن لا يقف ويتعثر، دائماً عليه الوقوف في وجه التحديات، أن يعمل على تطوير نفسه، وأن ينظر دائماً أنه اذا كان نية هذا العمل هو الخير والقربة الى الله أو أن يكون مثلا يخدم مجتمعه ودينه وإنسانيته، فإنه بذلك حتماً ان الله سيكون معه، أيضاً أؤكد على فكرة أخرى، أن الإنسان مهما كانت قناعاته ومبادئه، عليه أن لا يتخلى عنها في سبيل أي شيء من الماديات او اغراءات الحياة، لأنه في اللحظة التي سيتخلى عنها ستصحب مجموعة كبيرة من التخليات، وبعدها سيجد نفسه أنه أصبح في مكان بعيد عن أصل تفكيره ومبدئه ولن يقوم باحترام نفسه وسيشعر بأنه ضائع، بينما الإنسان اذا تمسك بمبدئه، مثلاً المبدأ الديني أو الإلتزام الديني، فإنما كلما تمسك، كلما فرض على الآخرين أن يحترمونه أكثر ويقدّرونه أكثر، وأيضا كلما نبيعه لـ “الله”، فإن الله سيرده لنا حتما قريباً في الوقت المناسب.