أدب عالمي:

لماذا يجب أن نقرأ فيكتور هوغو اليوم؟

في ذكرى ولادة مؤلف "البؤساء".. إليكم 10 أسباب لقراءة فيكور هوغو

2023-03-03

لم يحظَ كاتبٌ بالشهرة والمجد كفيكتور هوغو (1802- 1885)، الذي يُعتبر أبرز كُتّاب فرنسا وأهم مفكريها. ولد هوغو في بداية القرن الـ19، وعاش حياة الترحال باكراً، لأنّ والده كان جنرالاً عسكرياً تحت قيادة نابليون بونابرت. سافر هوغو كثيراً برفقة عائلته، وعاش في كورسيكا وإيطاليا وإسبانيا، قبل أن يستقر مع أمه في باريس، بعد انفصال والديه بسبب اختلاف آرائهما السياسية والدينية.

شعر فيكتور منذ طفولته بشغف كبير نحو الأدب والشعر، وفي الـ14 من عمره كتب: “أريد أن أكون شاتوبريان أو لا شيء”.  وشاتوبريان هو مؤسس التيار الرومنسي في الأدب، وعاش في القرن الـ18 وألّف “مذكرات ما وراء القبر”.

في سن الـ20، نشر فيكتور هوغو المجلد الأول من شعره، الذي حمل عنوان “قصائد متنوعة”، وحصل على معاش ملكي من الملك لويس الثامن عشر. بهذه الطريقة استهلّ مسيرته في عالم الأدب، ولم يحقق حلم والده الذي كان يُحضّره للحياة العسكرية.

لكن لماذا يجب أن نقرأ فيكتور هوغو اليوم، بعد قرنين ونيّف على ولادته؟ هل لأنّه أديب عالمي ترك أعمالاً خالدة؟ أم لأنّ أهمية الرجل الاجتماعية والسياسية فاقت أهميته الأدبية؟

نقدّم لكم فيما يلي 10 أسباب لقراءة صاحب “أحدب نوتردام”.

أديب متعدد المواهب

كان هوغو يُلقَّب بـ”وحش الأدب الفرنسي”. كتب حوالى 50 تحفة أدبية، تنوّعت بين الرواية والشعر والمسرح، ما منحه مكانة فريدة من نوعها في عالم الأدب. فبلزاك مثلاً كان روائياً عظيماً، وبودلير شاعراً لا يُضاهى، و  موليير  أهم كاتب مسرحي عرفته فرنسا. أما فيكتور هوجو فقد برع في الشعر والسرد والمسرح وفن الرسم، أي أنّه جمع المجد من جميع أطرافه. لذلك استحقّ الاحترام والتقدير من القراء والكُتّاب أيضاً، حتى أنّ فلوبير  كان يُطلق عليه لقب “التمساح الكبير” (le grand crocodile)، للدلالة على مكانته الأدبية.

روائي عظيم

تُعتبر “البؤساء” و”أحدب نوتردام” من أعظم الروايات العالمية، التي صاغت مجد هوغو وتوّجته ملكاً على عرش الأدب.

تصف “البؤساء”، وهي رواية تاريخية اجتماعية وسياسية، حياة الفقراء والمهمّشين في باريس، في القرن الـ19 بعد سقوط نابليون، وعبَّر فيها هوغو عن أفكاره الثورية المتعلّقة بالفقر والعدالة الاجتماعية والخير والشّر والحب الرومانسي.

في هذه الرواية المليئة بلحظات من الشعر العظيم والجمال، رسم هوغو شخصيات لا تُنسى، كجان فالجان، البطل الذي قضى 19 عاماً في السجن لأنّه سرق رغيف خبز، وعندما خرج كرَّس حياته كلها للدفاع عن الفقراء والمعذَّبين في الأرض، وفانتين، الأم التي ضحّت بكل شيء من أجل طفلتها كوزيت، والأسقف شارل ميريل الطيب، الذي ساعد جان فالجان وحماه من الشرطة.

كما جسّد هوغو فيها مفهومَي الثورة والحرية، من خلال شخصية الطفل غافروش، الذي صوّر استشهاده بطريقة شعرية لا مثيل لها، من خلال مشهد مؤثر جمع بين الغناء والموت.

أما رواية “أحدب نوتردام”، التي تدور أحداثها حول الحب والخيانة والأمل والفداء، فقد عالج فيها هوغو ثنائيتَي الخير والشر والقبح و الجمال، من خلال شخصيات كازيمودو وإزميرالدا وكلود فرولو. وقد لُقِّب هوغو بـ”شكسبير الرواية”، بعد صدور هذه الرواية والنجاح الكبير الذي حققته.

شاعر حقيقي

كان فيكتور هوغو شاعراً حقيقياً، انقادت له بسهولة شياطين الشعر. بدأ بنظم الشعر منذ نعومة أظافره، وكان يتبارى مع شقيقه الأكبر في كتابة الأبيات الشعرية، وهو ما يزال تلميذاً صغيراً في المدرسة. وقد فاز بجوائز عديدة بفضل موهبته الخلّاقة.

كتب هوغو طوال حياته 153837 بيتاً من الشعر، وهذا دليل أكيد على  براعته وخياله المتدفّق، إذ إنّه كان يكتب القصائد بشكل عفوي، من دون أي تكلّف. ألّف هوغو دواوين شعرية عديدة، لعل أشهرها “التأملات” (1856)، و”أسطورة العصور” (1859).  وتبقى القصيدة التي كتبها لابنته ليوبولدين، التي ماتت غرقاً في نهر السين، إحدى أشهر وأجمل قصائد اللغة الفرنسية، ويقول فيها:

“غداً، عند الفجر، وحين تبيضّ البادية

سأرحل، أترين؟ أعلم أنك في انتظاري.

سأمر عبر الغابة وعبر الجبل

لا أستطيع البقاء بعيداً عنك مدة أطول”.

كاتب مسرحي من الطراز الأول

يعتبر فيكتور هوغو من مؤسسي التيار الرومانسي في الأدب، الذي يتغنّى بالطبيعة ويُمجِّد الحب والخيال. طمح هوغو إلى التجديد والابتكار الفني، وتحطيم قيود المسرح الكلاسيكي الذي كان من أبرز روّاده جان راسين وبيير كورناي. واستطاع ترك بصمته البارزة في المسرح الفرنسي من خلال مسرحيات عظيمة، مثل “هرناني”، “لوكريس بورجيا”، و”روي بلاس”، التي استلهم العديد من أحداثها من وقائع تاريخية.

كان هوغو معجباً كبيراً بمسرحيات شكسبير. وكان يردِّد دائماً أنّ المسرح يجب أن يكون ديموقراطياً، ويجب أن تصل الأعمال المسرحية إلى مختلف شرائح المجتمع، لكي يتمكّن المؤلف من تعليم أبناء الشعب، ودفعهم للمشاركة في النقاشات الفكرية التي تجري على الساحة الثقافية.

مثقف ملتزم

أُنتخب هوغو عضواً في الأكاديمية الفرنسية، ثمَّ أصبح في ما بعد نائباً في البرلمان الفرنسي. استغلّ موقعه الأدبي والسياسي للدفاع عن الفقراء، وحقوقهم في العيش بكرامة والحصول على التعليم، كما دافع عن حقوق المرأة والطفل، وحارب الجهل، وناضل بقوة لإلغاء حكم الإعدام من خلال روايته الشهيرة “اليوم الأخير لمحكوم بالإعدام”، وكان يقول: “الدّم يُغسل بالدموع وليس بالمزيد من الدّم”.

كما عُرف هوغو بنقده القاسي للسلطة السياسية، وقد انتقل خلال حياته من أقصى اليمين (إذ إنّه كان مؤيّداً للملكية في شبابه)، إلى اليسار، وأصبح مؤيداً للأفكار الجمهورية. كان هوغو معجباً بنابليون بونابرت، الذي هزَّ عروش ملوك أوروبا، وكان يقول عنه: “روبسبير طاغية وبونابرت مستبد. لكنَّ كلاهما أمسك بقوة بالديكتاتورية الثورية، أحدهما في الداخل والآخر في الخارج”.

لكنّه عارض بشدّة لويس نابليون، ابن شقيق نابليون بونابرت، الذي قام بانقلاب عسكري على الجمهورية (1851)، واستولى على السلطة، وأطلق على نفسه لقب “الإمبراطور نابليون الثالث”.

اضطرّ هوغو إلى مغادرة فرنسا واللجوء إلى بروكسل، ثم إلى جزيرة جيرسي لسنوات عديدة، بسبب مواقفه السياسية الحادّة وإعلانه العصيان على الإمبراطور. وخلال مرحلة النفي، كتب نقداً لاذعاً ضد من أسماه “نابليون الصغير”، معتبراً أنّ الله عاقب أسرة بونابرت من خلال جعل لويس نابليون وريثاً لها. لم يعد هوغو إلى فرنسا إلا بعد سقوط “الأمبراطورية الثانية” (1870)، وتأسيس الجمهورية الثالثة.

 رمز وطني لفرنسا

يُعدُّ هوغو شخصية بارزة في فرنسا، وأيقونة للجمهورية الفرنسية. في العام 2015، أظهر استطلاع أجرته مجلة “الأدب” أنّه بالنسبة لغالبية الفرنسيين، يُعتبر صاحب “التأملات” أفضل تجسيد لفرنسا، ولـ”ثقافتها ولغتها وعبقريتها”.

حتى على المستوى الدولي، يُعتبر هوغو من أشهر الشخصيات الأدبية العالمية. وعندما توفي في العام 1885، نظّمت فرنسا جنازة وطنية له، مشى فيها ما يقرب من 3 ملايين شخص. منذ ذلك الحين، استقر جثمان فيكتور هوغو في “البانثيون” (مقبرة العظماء)، إلى جانب الرجال والنساء الذين ميّزوا التاريخ الفرنسي.

شخصية معاصرة

عاش هوغو في القرن الـ19، ورحل عن عالمنا منذ حوالى 140 سنة، ولكنّه ما زال يُعتبر شخصية معاصرة، بسبب أفكاره الحداثية والتزامه السياسي والحقوقي. لقد دافع عن السلام بين الشعوب، وحلم بإنشاء اتحاد أوروبي لتوحيد القارة القديمة، ونبذ الحروب والعداوات بين شعوبها.

وقال: “سيأتي يوم تبدو فيه الحرب سخيفة ومستحيلة بين باريس ولندن، بين بطرسبورغ وبرلين، بين فيينا وتورينو، كما تبدو الحرب اليوم سخيفة ومستحيلة بين مدينتي روان وأميان، أو بين بوسطن وفيلادلفيا”.

كما حلم كذلك بالتآخي بين الشعوب، وحارب الاستعباد والعنصرية، حيث قال: “ليس من رجال بيض أو سود على هذه الأرض، بل يوجد فقط أرواح”.

أستاذ في اللغة الفرنسية

ما زالت نصوص هوغو تُدّرس في صفوف اللغة الفرنسية في جميع أنحاء العالم، وقد ساهم بإضفاء المزيد من الهيبة والتألّق على لغة موليير.

وأي قارىء اليوم يستطيع أن يشعر بعظمة أسلوبه من خلال ثراء مفرداته، ودقة النحو، والصور البيانية والبلاغية الرائعة.

كان فيكتور هوغو يعتقد أنَّ اللغات لا يجب أن تكون جامدة ونخبوية، بل يجب أن تتطور باستمرار، مثل العقل البشري.

 مصدر للإلهام الفنيّ

لطالما كانت أعمال هوغو مصدر إلهام للسينما والتلفزيون والمسرح، وحتى للأغاني. حيث استوحى الفنانون والمنتجون من أدبه العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات. على سبيل المثال، تمّ اقتباس روايته “البؤساء” أكثر من 50 مرة للتلفزيون والسينما.

ومن أشهر الأعمال التي استوحيت من أدب هوغو فيلم الرسوم المتحركة “أحدب نوتردام”، الذي أنتجته شركة “والت ديزني”، والكوميديا الموسيقية “البؤساء”، التي عُرِضت في حوالى 40 دولة في ثمانينيات القرن الماضي.

كاتب في متناول الجميع

يسهل الوصول إلى مؤلفات فيكتور هوغو، فهي مترجَمة إلى معظم لغات العالم، ومتوفرة في جميع المكتبات الورقية والإلكترونية.

صحيح أنّه ليس من السهل قراءة هوغو باللغة الفرنسية، فرواية “البؤساء” الأصلية مؤلفة من 1500 صفحة، ومليئة بالأفكار الفلسفية، ولكن يمكن قراءة الرواية باللغة العربية، ومطالعة المقاطع المهمة باللغة الفرنسية لمن يريد تحسين لغته وتطويرها.

ولا ننسى أن هوغو كتب العديد من الأشعار القصيرة العذبة، التي يمكن أن تكون وسيلة سهلة لتذوّق الشعر والأدب.

هكذا كان فيكتور هوغو؛ رجلاً يملك من الجرأة الأدبية والسياسية الشيء الكثير، حتى أصبح عَلَماً من أعلام الأدب والفكر في أوروبا والعالم أجمع، ولا بُدّ في الختام من أن نستذكر قوله: “أقوى شيء في الكون كله، أقوى من الجيوش وأقوى من القوة المجتمعة للعالم بأسره، هي فكرة آن أوان خروجها إلى النور”.

الميادين