الأطفال واليافعون الفلسطينيون هم من أبرز ضحايا جرائم الكيان الصهيوني، إذ يواصل جيش الإحتلال إرتكاب المجازر بحقهم، رغم أن المادة 16 من إتفاقية حقوق الطفل تحظر أي سلوك عنيف تجاه الأطفال.
تم تحديد يوم 30 سبتمبر، كيوم وطني للتضامن والتعاطف مع الأطفال واليافعين الفلسطينيين في إيران، وذلك بمبادرة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية، تهدف إلى جعل هذا اليوم رمز لمطالبة التلاميذ الإيرانيين بالعدالة من القوى المستكبرة في العالم، وإعلان التضامن والتعاطف بين التلاميذ الإيرانيين والأطفال الفلسطينيين المناضلين.
يرتبط اختيار هذا اليوم بذكرى استشهاد الطفل الفلسطيني «محمّد الدرّة»، البالغ من العمر 12 عاماً، في عام 2000 في غزة.
وقد شكّل نشر الفيديو الذي وثّق لحظة محاصرة محمّد الدرة ووالده من قبل الجنود الصهاينة، والذي صوّره الصحفي الفلسطيني «طلال أبو رحمة»، صورة واضحة لجريمة بشعة نقلت إلى العالم.
في هذا الفيديو، يظهر طفل بريء ومرعوب بوضوح، مختبئاً خلف والده بجوار عمود إسمنتي.
كان جمال، والد محمد، يصرخ طالباً من الجنود الصهاينة ألا يطلقوا النار على ابنه، وفي تلك اللحظة غطّى الغبار والدخان صرخات وبكاء محمد. وبعد انقشاع الغبار، ظهر محمد وقد فارق الحياة على ساقي والده. أما جمال، الذي أصيب بجروح بالغة، فقد جمع ما تبقى له من قوة ليبقى جالساً، بينما جثة ابنه مستلقية على قدميه.
يُعدّ يوم التضامن مع الطفل الفلسطيني مناسبة لتسليط الضوء على سينما أكثر الأطفال مظلومية في العالم، أطفال كان من حقهم اللعب والفرح والمدرسة، لكنهم يتنقلون تحت القصف من مكان إلى آخر.
لكن ما نصيبهم من السينما؟ فقد أُنتجت أفلام جيّدة عن الأطفال الفلسطينيين، معظمها وثائقية، وقليل منها روائية. هذه الأفلام تتناول من جهة معاناتهم، ومن جهة أخرى آمالهم وأحلامهم في انتظار فجر الحرية والانتصار.
من أبرز هذه الأعمال فيلم «صوت هند رجب»، الذي نال جوائز مهمة في مهرجانات سينمائية، ويبدو أن فيلم كوثر بن هنية الجديد قد يكون بداية تيار سينمائي عالمي جاد عن فلسطين، كما حدث سابقاً في إيران مع فيلم «المتبقي» الخالد للمخرج الراحل «سيف الله داد».
من أقدم الأفلام التي تناولت الطفل الفلسطيني فيلم «أطفال بلا طفولة» للمخرجة والناشطة الثقافية الفلسطينية خديجة حبشنة، الذي أُنتج عام 1980م.
يتناول الفيلم حياة الأطفال الفلسطينيين في المخيمات، الذين فقدوا منازلهم وطفولتهم، ويركّز على التناقض بين واقعهم ومضامين المواثيق الدولية لحقوق الطفل، داعياً المشاهد إلى تأمل عميق. أُنتج الفيلم من قبل مؤسسة السينما الفلسطينية واتحاد النساء الفلسطيني العام، ومن خلال قصص هؤلاء الأطفال، يُظهر الفيلم المعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين في المخيمات وتحت الاحتلال.
يرصد هذا الفيلم الوثائقي آثار حرب صيف 2014 م، على حياة عشرة أطفال فلسطينيين، بأسلوب إنساني، يصور الفيلم يومياتهم بعد الحرب، وسعيهم لإعادة بناء حياتهم. رُشح الفيلم لجائزة الأوسكار، ولفت أنظار العالم إلى الواقع المرير في غزة.
أخرج الفيلم هرنان زين، الصحفي والكاتب والمخرج الأرجنتيني-الإيطالي المقيم في مدريد، الذي سافر منذ 1994 حول العالم لإنتاج أفلام وثائقية.
رغم أن معظم الأفلام عن فلسطين وثائقية، فإن فيلم «فرحة» من إنتاج عام 2021م، يُعد من الأعمال الدرامية النادرة، وقد أثار غضب الكيان الصهيوني الذي حاول منعه.
يروي الفيلم قصة فتاة فلسطينية خلال نكبة عام 1948م، تختبئ في مخزن بأمر من والدها، وتشهد من خلال فتحة صغيرة المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق أهلها وقريتها.
مخرجة الفيلم «دارين سلام» تقول: إن بعض أفراد طاقم العمل بكوا أثناء التصوير، لأن المشاهد أعادت إليهم ذكريات عائلية مؤلمة.
أنتج هذا الفيلم الوثائقي عام 2025 م، من قبل منظمة الدفاع الدولية عن الأطفال – فرع فلسطين، ويعتمد على شهادات حية وصور واقعية لتوثيق حياة أطفال غزة بعد موجة العنف الأخيرة. يعكس الفيلم صوت الأطفال الذين نجوا من الإبادة، ويروون تجاربهم وسط الدمار. جُمعت المقابلات بين نوفمبر 2023 وفبراير 2025، لتقديم صورة مباشرة عن أصغر ضحايا الحرب.
تم إنتاج فيلم «صوت هند رجب» في عام 2025 م، واستندت التونسية «كوثر بن هنية» مخرجة الفيلم إلى تسجيلات صوتية حقيقية للمكالمة بين الطفلة الشهيدة «هند رجب» وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، طلباً للنجدة قبل مقتلها.
يروي الفيلم قصة مؤلمة لهذه الطفلة الفلسطينية التي تبلغ ست سنوات، علقت داخل سيارة مدمرة بعد مقتل عائلتها في غارة جوية، واتصلت بالهلال الأحمر الفلسطيني طالبة النجدة. إستمر الإتصال لأكثر من ساعة، لكن سيارة الإسعاف تعرضت لهجوم، واستشهد الفريق الطبي، ثم استشهدت هند لاحقاً.
الفيلم يعيد بناء اللحظات الأخيرة من حياة هند، ويقدم صورة مؤثرة عن قسوة الحرب ووحشة الطفولة تحت القصف. فاز بجائزة الجمهور في مهرجان سان سباستيان، وبجائزة الأسد الفضي للدورة الـ82 من مهرجان البندقية، بعد أن أثار لدى عرضه موجة تأثر عارمة في المهرجان الإيطالي وأبكى الجمهور وحظي بالتصفيق لـ23 دقيقة متواصلة لدى عرضه.
الأنيميشن الإيراني القصير «آواي ابرها» أي «نداء الغيوم» من إخراج محمد لطفعلي وإنتاج هادي فيروزمندي، مستوحى من قصيدة لغسان كنفاني حول مظلومية أطفال غزة. يروي العمل قصة بين انفجارين لقنابل مدمّرة ألقتها إسرائيل على أطفال غزة الأبرياء، وقد تم إنتاجه باستخدام تقنية الرسوم الرقمية ثنائية الأبعاد.
يرتكز العمل على شخصية فتاة تُدعى «ريم»، تبدو وكأنها استشهدت في انفجار وقع قبل لحظات فقط. نرافقها طوال الفيلم، وفي النهاية تنضم إلى مجموعة من الأطفال في فضاء سماوي غائم، حيث نشهد في المشهد الأخير تكرار هذه الحادثة بين عدد كبير من الأطفال الذين يشاركونها المصير، مما يجعل الأطفال هم الشخصيات الأساسية لهذا العمل. في ملخص القصة يُقال: «الأطفال الفلسطينيون لا يموتون، إنهم يسافرون لفترة قصيرة إلى مكانٍ بين الغيوم».
أما الخط الصوتي الخلفي، فقد صُمم على أساس التناقض بين أصوات الحرب والدمار من جهة، وضحكات الأطفال وموسيقى السماء والغيوم من جهة أخرى، إذ تم التركيز على فكرة التباين بين هذين العالمين. أما موسيقى العنوان الختامي، فهي عبارة عن تهويدة أمومية تهدف إلى تعزيز التعاطف مع الصور الوثائقية، ويعتقد المخرج أنها كانت فعالة في إيصال الرسالة.
الأنيميشن الإيراني القصير «سرزمين جوانه هاي غمكين» أي «أرض براعم الحزن» من إخراج «زينب سادات بدري» وإنتاج «محدثه بيرهادي»، يروي قصة امتداد دماء أطفال غزة، وقد تم إنتاجه بالتعاون المشترك بين مركز أنيميشن سوره ومركز الفيلم الشبابي سوره.
هذا العمل الفني يعكس استمرار معاناة الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال، ويُقدَّم بأسلوب بصري مؤثر يستلهم من الواقع المرير الذي يعيشه أطفال غزة، ليحمل رسالة إنسانية قوية عن الألم والصمود.
تُظهر أفلام الأطفال الفلسطينيين، بسبب ما تحمله من مظلومية مؤلمة، قدرة أكبر على إيصال رسالة المعاناة وإثارة الغضب العالمي تجاه الاحتلال، مقارنة بأفلام الكبار. فالأطفال هم مستقبل الأمة، وهم الذين حملوا راية الحرية من أسلافهم، وواصلوا المسيرة. إن سينما الطفل الفلسطيني هي سينما الحياة والأمل لشعب مظلوم ومقهور.