بين تجذر خيار المقاومة الشعبية والمسلحة لدى الشعب الفلسطيني والانقسام والقلق على المصير والوجود في الكيان الصهيوني

يشهد الكيان الصهيوني استعاراً في التناقضات الداخلية وزيادة في حدة الصراع بين تيارين، أشكنازي علماني، وسفارديمي ديني توراتي حيث يسعى الثاني إلى انتزاع الهيمنة على الدولة من الأول، وإحكام سيطرته على مؤسساتها

2023-03-04

حسن حردان
إنّ أي مراقب للمشهد هذه الأيام في فلسطين المحتلة، لا بد له من يرى صورتين:
أولاً، صورة كيان صهيوني يوغل في إرهابه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ويعاني في الوقت نفسه من احتدام في الصراعات بين مكوناته وسط سيادة مناخات الإحباط والخوف والقلق على المصير والوجود.
وثانياً، صورة المقاومة الفلسطينية الجديدة التي تتطور وتزداد قوة وقدرة وسط تأييد واحتضان شعبي فلسطيني قرّر الصمود والمواجهة وعدم السماح للصهاينة بتحقيق هدفهم بفرض نكبة فلسطينية ثانية.

وفي سياق تحديد أدقّ للمشهد على الجانبين الفلسطيني والصهيوني يمكن أن نخلص إلى الآتي:

أولاً، أن الحركة الصهيونية العنصرية التي تجاهر اليوم في الدعوة إلى قتل واقتلاع العرب الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، تحاول تكرار مجازر العصابات الصهيونية التي ارتكبتها بحقّ الشعب الفلسطيني عام 48 عشية احتلال واستعمار واستيطان فلسطين والتسبب في نكبة الشعب الفلسطيني وتهجير القسم الأكبر منه عن أرضه ودياره، وتسعى هذه الحركة الصهيونية العنصرية الإرهابية إلى تكرار نكبة الشعب الفلسطيني من خلال تكرار مسلسل مجازرها وأرهابها الذي ظهر في حرق منازل بلدة حوارة والدعوة إلى إزالتها من الوجود.

ثانياً، مقابل ذلك يشهد الكيان الصهيوني استعاراً في التناقضات الداخلية وزيادة في حدة الصراع بين تيارين، أشكنازي علماني، وسفارديمي ديني توراتي حيث يسعى الثاني إلى انتزاع الهيمنة على الدولة من الأول، وإحكام سيطرته على مؤسساتها، من خلال التحكم بالقضاء عبر إدخال تعديلات تسمح لحكومة نتنياهو بتعيين القضاة. ويبدو واضحاً أن هذا الصراع بين التيارين لا يشمل الموضوع الفلسطيني، لأنه حتى الآن لا خلاف بين الفريقين بشأن زيادة الاستيطان في القدس والضفة وتشديد إجراءات القمع والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، ورفض إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67، وهو ما تجسد في شبه إجماع الكنسيت على إقرار حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

ثالثاً، مع هذه السياسة السائدة في الكيان ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، سلطة ومعارضة، يتأكد أن لا مجال ولا مكان لنهج المفاوضات الذي تسلكه سلطة أوسلو، فحتى تجميد الاستيطان مؤقتاً، لم تعد تقبل به أحزاب السلطة والمعارضة في الكيان، التي ترى أن الفرصة سانحة لفرض الحل الصهيوني وتصفية قضية فلسطين.

رابعاً، الموقف الأميركي في انتقاد دعوة وزير المالية “الإسرائيلي” سيمون بيتش إلى محو بلدة حوارة من الوجود، لا يعدو كونه نفاقاً، لأنه أحرج واشنطن أمام الرأي العام، والدليل أن واشنطًن تغطي الإرهاب والمجازر “الإسرائيلية” بحق الفلسطينيين، وتعتبرها حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس، فيما هي تقف عقبة أمام اتخاذ أي إجراءات عملية في مجلس الأمن بحق “إسرائيل” وتوفر لها كل أشكال الحماية، والغطاء السياسي والدبلوماسي. طبعاً عدا عن الدعم المادي والعسكري اللامحدود، ما يشجعها على التمادي في إرهابها وانتهاكاتها السافرة للقوانين والقرارات الدولية ولحقوق الإنسان الفلسطيني.

في المقابل، فإن واشنطن لا تقر بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وتصف مقاومته ضد الاحتلال والإرهاب الصهيوني بالعنف وتدعو إلى التهدئة كلمات تصاعدت عمليات المقاومة، وتضغط على السلطة الفلسطينية كلما ترددت في القيام بدورها الأمني في ملاحقة المقاومين والعمل على وقف عملياتهم.
خامساً، أمام هذا العدوان الصهيوني المتمادي ضد الشعب الفلسطيني، تشتد المقاومة وتظهر بوضوح إرادة المقاومين في الرد على هذا العدوان بقوة وقدرة وفعالية كاشفة عجز العدو، على الصعيدين الأمني والعسكري، في محاولته وقف هذه العمليات أو القضاء على المقاومة. وأخيراً تجسد هذا العجز الصهيوني بالفشل في اعتقال منفذي العمليات الأخيرة قرب نابلس وأريحا.
على أن هذا التصاعد والتطور في المقاومة المسلحة الجديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، بات يتسم بعدد من السمات الهامة التي تؤشر على دخول النضال الوطني التحرري الفلسطيني مرحلة جديدة، وهذه السمات هي:
السمة الأولى، تبلور الوعي لدى الأجيال الشابة التي ترعرعت بعد توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم، بفشل وعقم الرهان على الحلول السياسية مع كيان محتل عنصري إرهابي استيطاني.
السمة الثانية، ترسخ القناعة لدى الأجيال الشابة بأنّ التجربة أكدت أن هذا العدو الذي أقام كيانه على الإجرام واغتصاب الحقوق لا تنفع معه سوى لغة القوة، وبالتالي فإنّ الخيار الوحيد في مواجهته ورد عدوانه وتحرير الأرض واستعادة الحقوق الوطنية، إنما يكمن في انتهاج سبيل المقاومة الشعبية المسلحة، على غرار كل الشعوب الظافرة التي سلكت هذا الطريق للتحرر من الاحتلال والاستعمار.
السمة الثالثة، الاحتضان الشعبي الواسع لهذه المقاومة الجديدة، وسط سيادة قرار لدى الشعب الفلسطيني بالصمود ومواجهة الهجمات الإجرامية للمستوطنين وجنود الاحتلال، وعدم السماح لهم بتحقيق أهدافهم بنكبة ثانية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

على أنه في مقابل هذه السمات من الوعي وتجذر خيار المقاومة المسلحة والصمود لدى الشعب الفلسطيني وأجياله الشابة، فإنّ الوضع في الكيان الصهيوني المؤقت ومجتمعه المصطنع يتسم بسيادة حالة التصدع والانقسام والصراعات، والإحباط والقلق على المصير والوجود وسط تزايد تراجع الاستعداد للانضمام إلى الجيش والقتال دفاعاً عن الكيان وارتفاع في منسوب الهجرة المعاكسة، فيما الكثير من المسؤولين والمحلللين الصهاينة بدأوا يحذرون من أنّ الانقسام الطائفي والعرقي في الكيان الصهيوني بلغ مرحلة الخطر الشديد، خصوصاً بين اليهود الشرقيين والغربيين فيما يتخوف الخبراء من حلول “الخراب الثالث” للكيان بعد الخرابين الأول والثاني ونهاية الكيان قبل بلوغه المئة عام.