تظهر النقوش الهندسية في معظم آثار الفن والعمارة الإسلامية؛ وتجربة استخدام الأشكال الهندسية في الفن الإيراني تمتد من زخارف الكاشي في المساجد والقباب إلى المُقرنصات، والـ«كِره جیني» أي «فن العقد الهندسي»، والنقوش الزخرفية في العمارة الإيرانية، ولها تاريخ طويل جداً. هذه الهندسة ليست مجرد لغة بصرية، بل هي نوع من الرؤية الكونية؛ نظام يربط بين الرياضيات والجمال والروحانية. ومن أبرز خصائص الفنون الإسلامية مشاهدة النقوش الهندسية في زخارف الأقواس الإيرانية مثل «يزديبندي»، المُقرنصات، وفن العقد الهندسي.
في معظم النقوش الهندسية الموجودة في الفن الإسلامي، يمكن إبراز جمالها الحقيقي عبر تكرار التصميم وإعادة إبداعه، لكنها غالباً ما تكون محصورة داخل شكل سداسي أو مربع.
الأُسس الهندسية
ثلاثة أشكال رئيسية تشكّل أساس النقوش:
– الدائرة: ترمز إلى حركة الأجرام السماوية ووحدة الكون.
-المثلث: يعكس العوالم الثلاثة ويُظهر البساطة والانسجام.
-المربع: يرمز إلى الثبات والكمال والقوة.
هذه الأشكال ليست مجرد عناصر زخرفية، بل تحمل دلالات رمزية عميقة تعكس ثقافة المسلمين ورؤيتهم الكونية.
فن العقد الهندسي
فن العقد الهندسي هو فن تركيب الأشكال الهندسية المتناظرة والمنسّقة، نشأ في العصرين السلجوقي والصفوي، وازدهر في أصفهان. يظهر في أبواب الأماكن المقدسة، النوافذ، القصور، والمنازل التاريخية. ينقسم إلى سبعة أنواع مثل العقد السريع، البطيء، والنجّار، ويُعد من أبرز مظاهر العمارة الإيرانية التقليدية.
سحر المرايا والهندسة في الفن الإيراني المعاصر
منير فرمانفرمائيان (1922–2019) تُعد واحدة من أبرز الفنانات الإيرانيات المعاصرات وأكثرهن ارتباطاً بالهندسة في أعمالهن. وُلدت في قزوين ودرست الفنون الجميلة في جامعة طهران، ثم واصلت مسيرتها في الولايات المتحدة حيث تفاعلت مع تيارات الفن التجريدي والمفاهيمي. رغم حضورها في قلب الحداثة الغربية، بقيت وفية لتراثها الإيراني، فمزجت بين تقاليد المرآة والزخارف الإسلامية والهندسة الدقيقة بلغة بصرية عالمية.
استخدام المرآة كعنصر تقليدي، إلى جانب الهندسة والرياضيات والتراكيب الدقيقة، منح أعمالها بُعداً استعارياً. فالتناظر في أعمالها لم يكن مجرد خيار شكلي، بل سرداً لنظام كوني شامل يشرك عين وعقل المتلقي معاً.
في أعمال منير، المرآة لا تعكس صورة المشاهد فقط، بل تحتضن الضوء والفضاء والحركة. ليُصبح المتلقي جزءاً من العمل الفني ذاته. الأجزاء الهندسية الصغيرة في بعض أعمالها لا تعرض انعكاساً مشوشاً للعالم المحيط فحسب، بل تقدم أيضاً صورة متكسرّة للمشاهد، وهو ما يجعل أعمالها فناً تفاعلياً.
أكدت فرمانفرمائيان مراراً أن همّها كان خلق أعمال تستلهم البيئة والتراث الثقافي، لكنها تبقى معاصرة تماماً. قالت: «سعيي كان أن أكتشف سحر المرآة؛ لم أعد أنظر إليها كفن تقليدي، بل حاولت أن أتعرف على العناصر التي تصنع جمالها».
هندسة منير فرمانفرمائيان
على مدى أكثر من نصف قرن، وبالاعتماد على الأشكال الهندسية المنتظمة والزخارف الإيرانية والنهج التجريدي، أبدعت أعمالاً عرضت في إيران وأرقى متاحف العالم. صحيح أن المرآة والزخارف عنصران أساسيان في أعمالها، لكن جوهر فنها هو «الهندسة».
الهندسة كانت جزءاً لا ينفصل عن فن فرمانفرمائيان ، وقد قالت في رواية مشهورة: «الهندسة أعادتني إلى مسقط رأسي؛ إلى المربع والمثلث والدائرة، إلى مشاهدات طفولتي وسط جمال هذا الوطن. كل شيء اكتسب معنى جديداً؛ المكعب، الأسطوانة والمنشور».
من أبرز أعمالها: ألواح كبيرة لفندق لاله، مرآتان لمجمّع نياوران الثقافي، لوحة في قصر نياوران، تمثال لحديقة متحف السجاد الإيراني، إضافةً إلى أعمال خاصة للمنازل، ما رسّخ مكانتها كرمز للفن الإيراني المعاصر.
بين التراث والحداثة
النقوش الهندسية في العمارة الإسلامية الإيرانية ومنجزات منير فرمانفرمائيان يُشكلان معاً حواراً بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة. فبينما تعكس الزخارف التقليدية رؤية كونية وروحية، أعادت منير فرمانفرمائيان صياغتها بلغة معاصرة جعلتها جزءاً من الفن العالمي. هذا التلاقي بين الأصالة والتجديد يؤكد أن الفن الإيراني، سواء في عمارة المساجد أو في أعمال الفنانين المعاصرين، سيظل شاهداً خالداً على قدرة الثقافة على الجمع بين الجذور والآفاق الجديدة.