شهر رمضان شهر التخطيط والتنفيذ

التخطيط على المستوى الفردي والمجتمعي هو ضرورة في الإسلام، وواجب على كل مسلم واع يريد بناء مستقبله ويسعى للنهوض بمجتمعه

2023-04-07

في كل زمان ومكان يحتاج الناس، أفرادا وجماعات، إلى التفكير فيما يرغبون القيام به لبناء مستقبلهم وتحديد مصيرهم، وكيف يمكن أن يقوموا به على أحسن وجه، بأقصر وقت، وأقل جهد، وبتكلفة ممكنة.

بالطبع، الناس كلهم، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساؤهم، عندما يفعلون شيئا ما، يفعلون عن طريق التفكير والتخطيط، ربما كثير من الناس يعيشون حياتهم دون أن يشعروا بأنهم يفعلون الأشياء عن فكر وتخطيط، ولكن الواقع أن ما من فعل أو عمل يصدر من الإنسان إلا ويصدر منه عن طريق إعمال الفكر والعقل. إنما الاختلاف بين فرد وآخر، بين مجتمع ومجتمع، هو ممارسة التخطيط الواعي والهادف، أو ما يُعرف اليوم بـ “التخطيط الاستراتيجي”، وهو ما يمتلك صاحبه رؤية واضحة لمستقبله، وأدوات محددة، وخيارات متعددة.

والسؤال هنا ما هو التخطيط للمستقبل على مستوى الفرد والمجتمع؟ وما الفريق بين من يخطط ومن لا يخطط؟ وما هي أنواع التخطيط وميزاته وأهدافه؟ كيف يمكن لشهر رمضان أن يرافقنا طوال العام، وأن نعيش بركاته وخيره حتى يحين شهر الصيام من العام القادم؟ كيف يمكننا أن نحوله من موسم وشهر للصيام إلى شهر يمد بقية الشهور بفوائده التي خططنا لها وأحسنّا الاستفادة منها؟ كيف يمكن أن نجعل شهر رمضان شهرا للتخطيط والبرامج والمشاريع والأنشطة وتنفيذها بطريقة تضمن لنا الصلاح في الدنيا والنجاح في الآخرة؟

التخطيط هو تنظيم للذات وللفكر بشكل منطقي، وترتيب للخطوات ولإيضاح الطريق نحو الوصول إلى الهدف. والتخطيط هو الدراسة المسبقة لأيّ أمر تُقبل عليه المؤسسات والشركات والأفراد والعائلات بما يُحقّق النتائج المرجوّة ضمن خطّة واضحة المعالم.

والتخطيط هو عملية التفكير التي تسبق كل عمل، والتي تنتهي باتخاذ القرارات المتعلقة بما يجب عمله، وكيف يتم، ومتى يتم. ويُعرف التخطيط أيضا أنه وضع الأهداف في برنامج عملي قابل للتنفيذ، ورسم صورة واضحة للمستقبل، وتحديد الخطوات الفاعلة للوصول إلى هذه الصورة، وكيف يجري التعامل مع الزمن، وكيف يجري اختيار الأوليات.

والتخطيط يقسم حياة الإنسان إلى مراحل ومحطات يقف عند كل محطة منها ليراجع نفسه ويقيمها، ويمكننا من الاستخدام والاستثمار الأمثل للموارد واستخراج أقصى طاقة منه، وهو قوة دافعة إلى الأمام ويرفع الروح المعنوية، ويساعد على الاستعداد والجاهزية للفرص في الحاضر والمستقبل، والتخطيط ينمي مهارات وقدرات التخطيط لاستخدامها في أي مكان (العمل، الأسرة، البلد، القرية… إلخ).

وبدون الخطة تتضارب الأنشطة وتتغير الأولويات ويغرق الإنسان في بحار الضغوطات والطوارئ، ويجد نفسه يبتعد شيئا فشيئا عن رؤيته ورسالته، وعما كان يريد أن يفعله في الحياة. وفي الواقع، التخطيط أفضل من عدم التخطيط، فعدم التخطيط في أحوال كثيرة يعني الفشل، إذ يقول المختصون في مجال التخطيط الاستراتيجي إن عدم التخطيط يعني التخطيط للفشل.

اعتبر أولياء الإسلام العظماء أنّ رعاية النظم والتخطيط في الأعمال من جملة المسائل المهمّة في حياة الإنسان، فأكّدوا على القيام بذلك. يوصي الإمام عليّ عليه السلام الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام قائلاً: أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم” ينبغي لكلّ إنسان، إيجاد النظم في أعماله الحياتيّة ليستفيد من عمره أفضل استفادة. ومن أبرز ما يدلّ على النظم أن يقسم الإنسان أوقاته في الليل والنهار على أساس احتياجاته، ليكون النظم هو الأساس لحياته.

فإن التخطيط على المستوى الفردي والمجتمعي هو ضرورة في الإسلام، وواجب على كل مسلم واع، يريد بناء مستقبله، ويسعى للنهوض بمجتمعه، وأن التخطيط في شهر رمضان، كما هو التنفيذ، فرصة يجب أن لا تمر مر السحاب، لأن شهر رمضان، بحسب الإمام عليّ بن الحسين(ع) هو الشّهر الذي أراد الله فيه للإنسان أن يغيّر نفسه وأن يمحّص نفسه وأن يدرس نفسه، ويعرف نقاط الضّعف ونقاط القوّة فيها، وليعرف السّلبيّات من الإيجابيّات، وأن يعمل على أن يدرّب نفسه على الخير في مقابل الشّر، وعلى العدل في مقابل الظّلم، وعلى الحقّ في مقابل الباطل.

وعليه، فإن شهر رمضان هو البداية، وهو المنطلق، لأن الله أراد لهذا الشّهر أن يكون شهر التغيير، وشهر الإرادة الخيّرة، والإرادة المؤمنة، والإرادة العادلة، حتّى يكون الإنسان الذي يتحرّك في الحياة خيراً لنفسه، وخيراً لعياله، وخيراً لأهله وللنّاس من حوله، وخيراً لدينه، وخيراً للحياة كلّها.

 

المصدر: وكالات