مصحف “ثمرة الأربعين” بأنامل زوّار الأربعين في إطار الوحدة

أجواء شهر رمضان المبارك أجواء معنوية تختلف عن أجواء الشهور الأخرى، فهناك نشاطات واسعة في مختلف المجالات بكل قطعة من أرض المسليمن، واليوم نرى النشاط الواسع والتجمع القرآني الكبير في معرض طهران الدولي للقرآن الكريم بنسخته الثالثة.

2023-04-14

عندما نقترب من شوارع أطراف مصلى الإمام الخميني (رض) الذي يقام فيه المعرض، نواجه زحمة المرور واقبال الجمهور الكبير للحضور في المعرض حتى قبل ساعة افتتاحه!

بعدما ندخل في ساحة المعرض نرى الأعلام ترفرف والحضور الكبير للزائرين الذين يدخلون للمعرض بوجوه مبتسمة، من مختلف الفئات، من الأطفال حتى الكبار والمسنين، فكل يقتطف أزهاره من بستان القرآن الكريم والمعرض الذي يحتوي على أجنحة كثيرة بمختلف النشاطات من بستان الآيات للأطفال إلى أجنحة الإستشارة والجواب على الأسئلة وجناح الصناعات اليدوية وجناح عرض القرآن الكريم والكتب الدينية، وجناح العفاف والحجاب، وغيرها، فنتطرق إليه في مجال آخر، واليوم نتطرق الى القسم الدولي الذي في الطابق الثاني من المعرض، فعندما نصعد من السلم نواجه السجاد الأحمر، وحضور الدول الإسلامية المختلفة في أجنحة رائعة، ولكن أول ما يلفت الإنتباه جناح العتبة العباسية المقدسة بمجسم ضريح أبي الفضل العباس (ع)، والجناح رائع جداً يحتوي على مختلف الأقسام من عرض المصحف الشريف وخاصة مصحف نسخة “ثمرة الأربعين”، والمخطوطات الذهبية والكتب الفكرية، وعلم مرقد أبي الفضل العباس (ع) الذي يُهدى خلال مراسم لأحد الزوار حسب القرعة وكذلك هدية ماء علقمة وخواتم من حجر المرقد المطهر، وغيرها التي يهديها الجناح للزوار في مراسم روحانية أقيمت في ليلة ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع)، فبهذه المناسبة أجرينا حواراً مع الشیخ “مهدي البياتي” مسؤول الوفد العلمي لمجمع العلمي للقرآن الكريم في العتبة العباسية المقدسة، والسيد “محمد الفالح” خطاط المصحف الشريف في العتبة العباسية المقدسة الذي يخط لنا بخطه الجميل “ناد علياً مظهر العجائب”، وفيما يلي نص الحوار:

الشيخ البياتي: تميّز الجناح بعرض راية أبي الفضل العباس (ع)

بداية طلبنا من الشيخ البياتي أن يتحدث لنا حول نشاطات الجناح والعتبة العباسية في شهر رمضان المبارك، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين وصل الله على آله الطاهرين، نبارك لكم أيام شهر رمضان المبارك، أتينا وشاركنا في هذا المعرض القرآني الدولي بنسخته الثلاثين في طهران، وهذه هي السنة الأولى التي يشارك المجمع في هذا المعرض بنشاطاته وانتاجاته وفعالياته المختلفة، يضم المجمع اربعة مراكز ومعاهد، بداية مركز خط وطباعة المصحف الشريف، والمركز الثاني هو مركز المشاريع القرآنية، والمركز الثالث هو معهد القرآن الكريم في كربلاء المقدسة، والمركز الرابع هو مركز القرآن الكريم في النجف الأشرف، وهناك عدة فروع لهذه المراكز في بقية المحافظات.

شاركنا هنا بعرض المصاحف الستة، اضافة الى نسخة “ثمرة الأربعين”، هذا المـُـصحف الذي خُط بأنامل زوّار الأربعين الذين يمشون إلى زيارة الإمام الحسين (ع) من دول وجنسيات مختلفة، تقريباً شارك في هذا المشروع 1750 زائرا من زوّار أبي عبدالله الحسين (ع) من الماشين إلى كربلاء المقدسة، إضافة إلى عرض الإنتاجات الفكرية والعلمية والكتب الصادرة من المجمع العلمي للقرآن الكريم، وكذلك الدورات الصيفية المُقامة تقريباً يتخرج كل سنة اكثر من 30 الف طالب، وأيضا المنشورات التابعة لتصحيح قراءة الفاتحة في الزيارة الأربعينية، ويستفيد من هذا المشروع سنوياً تقريبا أكثر من مليون زائر، وكذلك مركز المشاريع القرآنية الذي يهتم بنشاطات الشباب يعني من صغر سنهم إلى حد الإحترافية والإمكانية إلى المستويات العالية في فقرة التلاوة فقط، يعني تحسين الصوت والنغم  وماشاكله، فأنا أذكر هذه الأمور إقتصاراً، ثم خطاط المصحف الشريف وكذلك المزخرف العتبة العباسية الآن موجود معنا في الجناح، فيخط بعض الكتابات ويهديها إلى زوّار الجناح.

هذا الجناح تميّز بعرض راية أبي الفضل العباس (ع) التي كانت في الحرم المقدس عند القبر الشريف ومن اليوم الأول إلى هذا اليوم (الأربعاء الماضي)، أجرينا مسابقة حيث زوار الجناح يكتبون أسمائهم ويشاركون في القرعة والذي يفوز أولا يحصل على الراية المباركة كهدية له، وهناك عشرات من الهدايا التبركية الأخرى يحصل عليها المشاركون في القرعة وكتبوا أسماءهم.

مصحف نسخة “ثمرة الأربعين” يثير إعجاب الزائرين

أما فيما يتعلق بمصحف نسخة “ثمرة الأربعين” الذي أثار إعجاب الزائرين وكيفية كتابته بخط الزوّار يقول الشيخ البياتي: مصحف نسخة ثمرة الأربعين كانت مكتوبة بخط شفاف جداً لكن لم تُسوّد، ثم جاء الزائرون وسوّدوا هذا الخط، ووضعوا أرقام الآيات المباركة، وكل هذا كان بإشراف الخطاطين المتواجدين طيلة هذه الأيام، ثم الزوّار كتبوا أسماءهم جنب الآية.

نشاطات العتبة العباسية المقدسة

وعندما نسأل الشيخ “البياتي” حول نشاطات العتبة العباسية، هكذا يرد علينا بالجواب: طبعا المراكز والمعاهد التابعة للعتبة العباسية لها عشرات من المشاريع والفعاليات في شهر رمضان المبارك، أبرزها الختمات القرآنية وتقريباً اكثر من 100 مكان في العراق سواء في كربلاء المقدسة او النجف الأشرف او المحافظات الأخرى تقام فيها هذه الختمات القرآنية بمشاركة المؤمنين والصائمين، بالإضافة إلى إقامة الدورات القرآنية لطلبة العلوم الدينية، هناك وحدة خاصة في النجف الأشرف باعتبار أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف، هذه الوحدة تهتم فقط لطلبة الحوزة العلمية، الدارسين في النجف الأشرف من جنسيات ودول ولغات متعددة، وهناك مشروع تبليغي من معهد النجف الأشرف يشارك فيه أكثر من 70 مبلغاً قرآنياً وكلهم من المعممين والمستمرين بالدراسة الحوزوية، هؤلاء يخرجون إلى التبليغ لكن بنكهة كتاب الله سبحانه وتعالى وأهل البيت عليهم السلام، أي بنكهة الثقلين، يعني أكثر ما يوجد في محاضراتهم وكلامهم هو من الثقلين، كتاب الله والعترة الطاهرة عليهم السلام، أي هناك جانب اجتماعي أو تاريخي أو غيره، لكن كلها متعلقة بالقرآن الكريم، يعني هذا المبلغ، هو مبلغ قرآني، كذلك كان عندنا بين الحرمين المقدسين برنامج “الزائر الصغير” الذي يُعنى بالأطفال، تُقام لهم ألعاب قرآنية ومسابقات ونشاطات بالرسم والكتابة، مع أهاليهم، فهذه الفعالية أقيمت خلال عشرة أيام بين الحرمين الشريفين وقبل يومين إنتهينا من هذا المشروع، وكذلك هناك كثير من الفعاليات والنشاطات التي تقام خلال هذا الشهر الفضيل.

القرآن الكريم ووحدة المسلمين

أما فيما يتعلق بتأثير إقامة هكذا معارض في الوحدة بين المسلمين يقول الشيخ “البياتي”: بالنسبة لإقامة هذا المعرض، هناك عدة جوانب ايجابية من إقامة هذا المعرض في هذا الشهر الفضيل، الجانب الأول هو إقامة هذا المعرض تزامناً مع ولادة الإمام الحسن المجتبى (ع) واستشهاد أمير المؤمنين (ع) وفي شهر رمضان المبارك، وبما أن ربيع القرآن شهر رمضان المبارك، فإقامة المعرض في هذا الشهر له من الوقع في نفوس المسلمين وفي نفوس العالم الأجمع، هذا الأمر الأول، وأما الأمر الثاني أنه إقامة هذا المعرض في شهر رمضان المبارك دليل على أنه أتباع أهل البيت عليهم السلام يهتمون بالقرآن الكريم، نقولها للعالم أجمع، نحن نهتم طبعاً بالقرآن الكريم ولكن هناك مَن يتهمونا بأننا لا نهتم بالقرآن الكريم، فإقامة هذا المعرض هو رسالة بأنه أنظروا متى أقمنا هذا المعرض وفي أي شهر أقمناه، فهل نحن لم نهتم بالقرآن الكريم؟! فأقمنا مثل هذا المعرض في شهر رمضان المبارك ودعونا الأمة الإسلامية والعربية جميعاً، بمشاركة 21 دولة اسلامية وعربية الى هذا المعرض وهذا المكان، كذلك نحن لا ننسى مسألة وهي أنها إقامة هذا المعرض في شهر رمضان المبارك، له ميزة خاصة لإهتمامنا بالقرآن الكريم، لكن ليس معناه أننا لن نهتم بالقرآن الكريم فقط في شهر رمضان المبارك، وليس معناه أننا نهتم بتعاليم القرآن الكريم فقط في شهر رمضان المبارك، ولكن بما أنه النبي (ص) يؤكد على أهمية قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر ويقول: “من تلا فيه آية كان كمن قرأ القرآن بغيره من الشهور”، فمن هذه الباب  نحن نؤكد على ما جاء من سنة النبي (ص)، والله سبحانه وتعالى يقول: “قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم”، فإقامة المعرض في هذا الشهر له الدليل على أنه المقيمين لهذا المعرض يريدون توحيد صفوف المسلمين، ليجتمع العالم الإسلامي والعربي الى مائدة واحدة وهي مائدة القرآن الكريم، ونحن عندنا نية إن شاء الله لإقامة مثل هكذا معارض في العراق وبين الحرمين الشريفين، في كربلاء المقدسة من قِبل العتبة العباسية.

العتبات المقدسة مصدر اشعاع علمي وفكري

وهكذا يختتم كلامه  الشيخ البياتي: عندي رسالة أخيرة أريد أن أقدمها، هذه الرسالة، يجب أن تصل إلى العالم أجمع، بأن العتبات المقدسة، ليست هي أماكن للزيارات والتبرك فقط، وإنما هي أماكن لمشعل النور والمصدر والمنبع العلمي الذي جاء به القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، من هذه الأماكن المقدسة تنبع هذه المشاعل، وهذه المنابع الصافية، فالعتبات المقدسة ليست للزيارة فقط وإنما هي مصدر للشعاع العلمي والفكري.

محمد الفالح: شاركنا بعدد من اللوحات المذهبّة والمزخرفة بالذهب الخالص

من جهته يقول السيد “محمد الفالح” خطاط المصحف الشريف في العتبة العباسية المقدسة، حول نشاطاته في المعرض:  نشاطاتنا هنا للإشتراك في المعرض الدولي للقرآن الكريم بتمثيل جمهورية العراق عن طريق العتبة العباسية المقدسة، فاشتركنا بعدد من اللوحات المذهبّة والمزخرفة بالذهب الخالص، كانت مشاركتنا في جناح الخط العربي والزخرفة، هي عبارة عن التسلسل الزمني لتطوير خط المصحف الشريف، بحيث استخدمت الكوفي المصحفي الذي اُستخدم في القرنين الأول والثاني الهجري، بعد ذلك استخدم الخط الكوفي المشرقي المستخدم في القرنين الثالث والرابع الهجري، وبعد ذلك انتقلت من الخطوط اليابسة الى الخطوط اللينة في القرنين الخامس والسادس والسابع وإلى الآن من الخطوط المستخدمة في كتابة المصحف الشريف، حيث في هذه الفترة التي هو انتقال الخط العربي من الخطوط  اليابسة الى الخطوط اللينة، كالثلث والنسخ والرقاع والريحاني والتوقيع، كذلك اشتركت بحق محقق بلوحة وخط الثلث بلوحة وأخيراً اشتركت بخط نسخ الدقيق الذي كُتبت بها المصاحف الى يومنا هذا نظراً لمرونته وتوفر الجانبين الوظيفي والجمالي فيه من خلال المقروئية وجمالية الكتابة، كما أن نشاطاتنا الأخرى في العتبة العباسية هي كتابة الأسماء والآيات القرآنية حسب طلب زائري جناح المجمع العلمي، حيث أنه يتم اختيار الآية من قبل زائري الجناح ونحن نقوم بكتابتها وإهدائها لهم، وكذلك اعتنينا اعتناءا كبيراً بالمناسبات الدينية التي حلّت علينا، فعند ولادة الإمام الحسن المجتبى (ع)، أقمنا ورشة عمل لكتابة أسم الامام “الحسن”، “المجتبى” وغيرها من أسماء الإمام الحسن (ع)، وكذلك في ذكرى واقعة بدر المباركة اخترنا الآيات التي ذكر فيها واقعة بدر وأهديناها للزائرين، واليوم في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع) حيث قمنا لمدة ثلاث ليالي وثلاثة أيام بكتابة أسماء “أمير”، “علي” وغيرها من أسماء أميرالمؤمنين (ع).

المشاركة في المعرض تلاقح للأفكار

وفيما يتعلق بتأثير المشاركات الدولية على الفن والفنان، يقول السيد محمد الفالح: المشاركات الدولية ضرورة كبيرة للفنان العربي والمسلم على حد سواء، لا أقصد بالعربي الهوية، وإنما المستخدم الخط العربي، فالمشاركات الدولية تؤثر تأثيرا ً كبيراً وإيجابياً بالفنان بشكل خاص، فمشاركتي او تجربتي في هذا المعرض كانت تلاقح الأفكار مع الثقافات الأخرى بنسبة كبيرة جداً، عندما أنا كتبت بالكوفي المشرقي، كانت تونس تكتب بالخط المغربي، وأندونيسيا أو باكستان يكتبون بغير الخطوط فمثلاً جملة واحدة “بسم الله الرحمن الرحيم” عندما أنا أكتبها فأضيف من ثقافتي لها، اي ثقافتي ألقيها للوحة فتركيا تكتب بثقافتها ، وتونس والعراق وايران وغيرها كل يكتب بثقافته، كل على حد سواء، فيضيف الطابع الحضاري للفن، فالمشاركات الدولية إنها تثير للعقل البشري ثورة ذهنية للتطور نحو الإبداع المستمر لدى الفنان.

 

المصدر: الوفاق/ خاص/ موناسادات خواسته