حرية الرأي من الأمور الإيجابية التي يحبها الجميع، ولكن للأسف نشهد في عالمنا اليوم أن الجماعات المتطرفة والإرهابية والأمبريالية تستخدم هذه الكلمة بصورة مزيّفة وللغطاء على أعمالهم المسيئة!
فقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبرالإساءة للقرآن الكريم وتدنيسه مرة أخرى في السويد بضوء أخضر من السلطات السويدية وأمريكا والصهيونية، ولقد استنكر جمع غفير، بل المليارين من المسلمين وحتى الأحرار من الأديان الأخرى هذا الفعل الإجرامي الآثم الذي لا يصدر إلا عن نفوس قد ملئت بالحقد والبغضاء للمسلمين ودينهم وكتابهم وتجردت من جميع صور الإحترام للإنسان ومعتقداته وخياراته في الحياة.
إن هذا الفعل الإجرامي يأتي في سياق مسلسل خطير من الجرائم التي تصدر من أمريكا والصهاينة حيال المسلمين في مواقع مختلفة وبصور متعددة من انتهاك لحرمات المساجد وقتل للعلماء والنساء والأطفال وتدمير للمدن وانتهاك للأعراض وتعذيب للسجناء وإيذاء لمشاعر المسلمين في معتقداتهم وشعائرهم والنيل من نبيهم .
تدنيس المصاحف
أعلنت الشرطة السويدية أنها رخصت لتنظيم تظاهرة يعتزم منظموها إحراق نسخة من المصحف الشريف خارج المسجد الرئيسي بالعاصمة ستوكهولم، يوم الأربعاء، تزامنا مع أيام عيد الأضحى المبارك، فإنهم يقومون بتدنيس القرآن الكريم، بذريعة حرية الرأي، وهذه ليست المرأة الأولى، بل كانت السلطات السويدية قد أجازت في يناير الماضي لزعيم حزب “هارد لاين” الدانماركي اليميني المتطرف “راسموس بالودان”، حرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم، الأمر الذي قام به بالفعل في 21 يناير الماضي.
في سياق مشابه قام أنصار مجموعة دنماركية متطرفة تطلق على نفسها (باتريوتس لايف) في مارس الماضي، بحرق نسخة من القرآن الكريم إلى جانب حرق العلم التركي أمام السفارة التركية في العاصمة كوبنهاغن، إذن هذا لا يكون بصورة عادية، بل هو أمر ممنهج وفي سياق مشروع أمريكي صهيوني، لإستفزاز مشاعر المسلمين، كما شهدنا خلال الأيام الماضية إدانات واسعة على المستوى العالمي من قبل مختلف شرائح المجتمع، ونتطرق اليوم إلى ردة فعل الأدباء والشعراء الذين بأقلامهم وكتاباتهم قاموا بالرد على هذا العمل الإجرامي.
الإتحاد العام للأدباء والكتّاب يدين
من جهته أدانت الأمانة العامة للإتحاد العام للأدباء والكتابالعرب بأشد الألفاظ حرق نسخة من المصحف الشريف من قبل منتسبين إلى جماعات تتخفى وراء حرية الرأي والتعبير في السويد.
وأعربت الأمانة العامة المؤلفة من رؤساء 18 هيئة ثقافية وفكرية وإبداعية عربية في بيان عن استيائها البالغ من هذا السلوك الهمجي المتطرف المنافي لكل القوانين والمواثيق الدولية، التي تنص على ضرورة الإلتزام باحترام مقدسات الشعوب وعقائدهم وأديانهم، موضحة أن هذا السلوك الشائن يعد استفزازاً صارخاً لمشاعر مئات الملاييين من المسلمين في أرجاء العالم كافة.
ودعت الأمانة العامة إلى ضرورة سن تشريعات دولية تمنع الإساءة إلى المقدسات الدينية للأمم والشعوب، وأكد الأمين العام للإتحاد الدكتور علاء عبدالهادي أن هذه الأعمال المتطرفة سلوكاً وانتماءً لن تسفر عن نتائج سوى استثارة مشاعر البغضاء والكراهية وتقويض الإستقرار، وخلق العداءات المصطنعة بين الشعوب.
كما أدان اتحاد الكتاب العرب في سورية هذه الجريمة التي من شأنها أن تغذي الفكر الإرهابي المتطرف، مؤكداً أن ما حدث في ستوكهولم أول أيام عيد الأضحى جريمة تتنافى مع الدعوة إلى إحترام الحريات الدينية للأمم والشعوب في العالم.
وحذر رئيس الإتحاد الدكتور محمد الحوراني من أن مثل هذه التصرفات المتطرفة من شأنها أن تؤثر على دعوات التسامح والتنوع الديني، وتدعم التطرف وتقوي وجود التنظيمات الإرهابية.
رد الشعراء على حرق القرآن الكريم
بعد تدنيس القرآن الكريم، ردّت عليه العديد من الدول الإسلامية الذين أدانوا هذا العمل اللاإنساني، فلا يترك الشعراء هذه الساحة، وقاموا بإنشاد أشعارهم ونشرها، فمنهم الشاعر الإيراني “محمود تاري” الذي ينشد في مدح أهل البيت عليهم السلام، الذي رد في شعر على تدنيس القرآن الكريم، من قبل عملاء الغطرسة العالمية والصهيونية العالمية، ونذكر هنا ترجمة قسم من قصيدته على النحو التالي:
عمل الشيطان دائماً هو اختراق أركان الإيمان
وينزف قلب الإنسان دم من أيدي الشياطين
ماذا ينفع العدو غير الكراهية، أيها الأصدقاء؟
يشمئز المسلم من الكفار المتشددون
يعرف الإبليس نفسه أنه ليس خصماً للسماء
وأنوار القرآن الكريم أكثر إشراقاً من الشمس
كما أنه رد الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي على مَن حرق نسخة المصحف في السويد وقال:
أحرقت قلبك أيها المتطرف
وبدا لنا منك الفؤاد الأجوف
قرآننا في قلب كل موحّد
باق فنحن بحفظه نتشرّف
هذا كلام الله كلُّ قلوبنا
تحيا به مهما تطاول مرجف
في كل قلب مسلم من آية
نور تُضاء به الحياة ومصحف
ويقول عن كتاب الله أيضاً:
يا مصحفاً رفع الإله مقامه
فيه الثمار وفيه ظل وارف
بك أنقذ الله البرية كلها
وبنور هديك يستضيء العارف
كلمات ربّ العالمين، بها سما
عقلٌ وفيه للظلام كواشف
نور مبين لا يحيط بنوره
وصفٌ ولا يرقى إليه الواصف
ضرب من الجنون
لا تزال الردود الغاضبة على حرق نسخة من المصحف الشريف مستمرة، بل إنها اتجهت إلى مستوى أشدّ؛ إذ انتقلت من التنديد إلى المطالبة باتخاذ المسلمين إجراءات أكثر فعالية ومقاطعة المنتجات السويدية.
ولكن هناك أشخاص في السويد، لا يوافقون مع هذا العمل الإجرامي فتقول الفنانة السويدية “نوا أومران”: “أن يقف شخص ويقوم بهذا الفعل أمام أناس في يوم فرحتهم، فهذا ضرب من الجنون”.
أما المصور غليس غابريلسون فيقول: “حرية التعبير مهمة جدا، ولكنني أعتقد أن حرق كتاب مقدس لا علاقة له بحرية التعبير، وإنما هو استفزاز”.
الكيل بمكيالين
نشهد مرة أخرى إتباع سياسة الكيل بمكيالين من قبل الدول التي تدّعي بحرية الرأي! فحرق راية المثليين يعتبرونه “إضطهاد”، وحرق علم اسرائيل يعتبرونه “معاداة سامية”، وحرق التوراة فهو “كراهية”، أما حرق القرآن الكريم عندهم “حرية”!.
في الحقيقة هذه الجريمة النكراء تؤكد من جديد إصرار الغرب على اللعب بالنار، واستفزاز نحو ملياري مسلم. فما السر وراء ذلك؟ هناك من يسعون إلى تأجيج ظاهرة الإسلاموفوبيا، محذرين من خطورة ذلك على عالم بات على شفا حفرة من الهلاك.
كما شهدنا سابقاً نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (ص)، والتي قامت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية بنشرها في 30 سبتمبر 2005، وبعدها الصحيفة النرويجية والصحيفة الألمانية والصحيفة الفرنسية وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور الكاريكاتيرية، فكيف يدعون هؤلاء بحرية الرأي في حين لا يطبقونها في دولهم؟ كما نرى أذى المحجبات في فرنسا ونشرت صور كثيرة عن إيذاء المحجبات، لكن رغم ما يقومون به، الإسلام يكثر يوم بعد يوم في الدول الأوروبية ونسمع كل يوم أن شخص يجتذب إلى الإسلام، وهذه أصبحت نقطة خطر للذين يريدون إطفاء نور الحقيقة، فلا يستطيعون على ذلك، والله خير حافظاً، كما قال في المصحف الشريف: “إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون” (الحجر/9).
موناسادات خواسته