في ذكرى إستشهاده

الإمام الرضا (ع).. نور يضيء الدروب وفرقد للتائهين

اندثر المتوكل، كما اندثر قبله المأمون... وبقي آل البيت (ع)، مصابيح منيرة لمسار السالكين في الحق، على مر الدهور والاعصار وبقوا خالدين.

2023-09-16

د. سيد محمود خواسته

الحديث عن الإمامين الشهيدين الإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا عليهما السلام، هو، سرد الحقيقة الناصعة على جبين التاريخ، وإن إختلف الزمن الذي إكتنف الشهادة، فالامام المجتبى (ع) كان معاصراً لمعاوية بن أبي سفيان، الشخص الذي سعى بكل ما استطاع إلى تحويل الخلافة الإسلامية، لتكون سلطة وراثية منحصرة في بني امية فقط ولا غير! وقد نجح في ذلك لأسباب عدة، اهمها: المال وشراء الذمم.

الإمام الرضا (ع)

الإمام الرضا (ع) فقد عاصر المأمون، الخليفة العباسي، الذي اشتهر بالمكر والخداع، وارتكاب ما اتاحت له الفرصة من جرائم بأسماء شتى! وبغطاء من الدين وإعادة حق أهل البيت عليهم السلام في خلافة المسلمين، وهو أبعد من ذلك بعد الثريا والثرى! حيث انتهى به الأمر، إلى اغتيال امام المسلمين بالحق، بالسم!، وقد سبقه والده هارون الرشيد بغدر  والد الإمام الرضا (ع)، وهو مكبّل بالأصفاد في سجنه… وقبل ذلك، قام ابو جعفر المنصور، الخليفة العباسي الثاني، بعد ابي العباس السفاح، بقتل من قامت على كتفيه وأمثاله، الخلافة العباسية، ابو مسلم الخراساني، وما فعله الرشيد بأقرب أصحابه اليه، وهم البرامكة، أظهر من الشمس، وكيف أوقع بهم وأبادهم كما وثقه التاريخ، فالمقارنة بين الخلافتين، الأموية والعباسية، قد تكون في غير محلها، إلّا أنّ القاسم المشترك بينهما، الإستيلاء على السلطة التي أطلقوا عليها (الخلافة)! وتحويلها إلى ملكية مطلقة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، بأي ثمن كان! بازهاق الأرواح البريئة، وسفك الدماء الزكية!، متخذين الشعر، الحماسي منه خاصة، كإحدى الوسائل، لإثارة الحمية الجاهلية والعصبية القبلية.

ذكر ابن خلكان في كتابه، الجزء الرابع، والمبرد في كتابه (الكامل)، ان معاوية بن أبي سفيان، قال مخاطبا بني امية: ” اجعلوا الشعر اكبر همكم وأكثر آدابکم ،فإن فيه مآثر اسلافکم، ومواضع ارشادكم “.

الفرقدان

وأما الحديث عما قام به خلفاء بني العباس، فمتشعب وطويل، لا سيما العداء لأهل البيت عليهم السلام وحقدهم عليهم، بعد أن قام الداعية العباسي، إبراهيم الإمام (هو أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، زعيم حركة العباسيين ضد خلافة بني امية، توفى عام ١٣١ هجري)، بدعوته باسمهم، مطالبا بالثأر لهم من بني امية!، فاجتمع الناس حوله من كل مكان، صدقا بدعوته وكرهاً للأمويين، ولما عانق الانتصار وأثمرت الدعوة، وبدأت أولى خطوات الخلافة العباسية، قلب ظهر المجن، وتلاقفها العباسيون، لقمة، سائغة، مريحة كبني امية! فكان ما كان لهم من عداء في السر والعلن لآل البيت (ع)، خوفاً على عروشهم من الإنهيار! فأفرطوا في ملاحقة العلويين وأئمتهم الابرار (ع) واتباعهم، إلى حد فاقوا فيه بني امية!… لقد ” امتطی ناصية الخلافة بعدهم العباسيون، والذين تسربلوا بشعار مظلومیة أهل البيت عليهم السلام، للوصول إلى سدة الخلافة، وإزاحة خصومهم الأمويین عنها، بيد انهم ما ان استقر بهم المقام، وثبتت لهم اركانه، حتى انقلبوا كالوحوش الكاسرة، في محاربتهم للشيعة وتشريدهم وتقتيلهم، فكانوا أسوأ من اسلافهم الأمويين وأشد اجراما، ولله در الشاعر حينما قال:

والله ما فعلت امية فيهم/ معشار ما فعلت بنو العباس (مركز الإشعاع الاسلامي).

وأراد المأمون، الذي تولى الخلافة بعد قتله لاخيه الأمين، ان يوهم الناس بعدله وسيرته الحسنة! وانه يختلف عما قبله من الخلفاء، خاصة، بالتقرب إلى العلويين والأئمة الأطهار (ع) وشيعتهم، الا ان ذلك سرعان ما انكشف للعيان، ووضحت وبانت السياسة التي اتبعها، كأداة معادية لهم، وكل ما يمت إليهم بصلة! ولما رأى “إقبال الناس على العلويين وعلى رأسهم الإمام الرضا (ع)” (مركز الإشعاع الاسلامي)، احتال بدعوته، ودس اليه السم، بعد ان منحه ولاية عهده، وابدل لباس العباسيين الأسود بالاخضر، الذي كان يرتديه الرضا (ع).

وجاء ابنه المعتصم، وبعده الواثق، ثم اعتلى منصة الخلافة المتوكل، الذي اوغل في التعرض للعلويين كافة. قال أبو الفرج الاصفهاني: ” كان المتوكل شديد الوطأة على آل ابي طالب (ع)، غليظا في جماعتهم، شديد الغيض والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم … فبلغ فيهم ما لم يبلغه احد من خلفاء بني العباس قبله، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين (ع) وعفى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له، لا يجدون من زاره، الا اتوه به وقتله او أنهكه عقوبة”. (مقاتل الطالبيين ٥٩٩_ ٥٧٩).

واندثر المتوكل، كما اندثر قبله المأمون… وبقي آل البيت (ع)، مصابيح منيرة لمسار السالكين في الحق، على مر الدهور والاعصار… بقوا خالدين، منائر مشرقة، وعابرة للزمن إلى يوم الدين، وبقي الإمام الرؤوف (ع) شامخاً ونوراً يضئ الدروب، وفرقداً للتائهين والضالين في كل مكان.

استشهاد الإمام

كانت شهادته عليه السلام صفر، سنة ثلاث ومائتين “، كما جاء في (الإرشاد) للمفيد (رض) وفي (الكافي). (العدد القوية، لدفع المخاوف اليومية، لعلي بن يوسف المطهر الحلي ص٢٧٥)، “وكان عمره الشريف يومئذ ٥٥ سنة، ولكن وقع الاختلاف في اليوم الذي استشهد فيه. قال ابن الاثير والطبرسي وجمع آخر، انه كان في اليوم الآخر من الشهر. ” (موسوعة المصطفى والعترة (ع)، ج١٢، ص٥٣٥)، اي: شهر صفر.

وما أحداث الثورة، وابتداء الحركة الإسلامية، ضد الحكم البهلوي العميل، ونضال علماء الدين، خاصة الإمام الخميني (قدس)، إلا دليل وبرهان مبين على ديمومة مسيرة رجال الله تعالى، تتبعا لخطوات الأئمة الأطهار (ع)، على طريق إحقاق تعاليم الإسلام، كما كانت عليه، لا كما أراد لها بنو امية وبنو العباس، ومن سار على نهجهم لحد الان، وتشهد على ذلك، ما قام به الأعداء لوأد الثورة الإسلامية، وإسقاط الحكم الذي جاءت به، منذ انتصارها عام ١٩٧٩، فمن الحرب المفروضة وسنينها العجاف الثمان، إلى الحصار الظالم، الذي بدأ جداره بالتصدع، مؤذنا بالانهيار… وأعمال الشغب المتتالية، ونزول اقزام مرتزقة إلى الشوارع والساحات، صارخين بمنح المرأة حريتها! متناسین انها في الغرب، ليست الا أداة بيد سماسرة الرق الجديد!، فلا دين او تشريع، أعطى للمرأة حقها، وحفظ كرامتها وأجلها، في العالم غير الإسلام وشريعته السماوية السمحاء، التي تسير عليها الثورة المباركة. وعن الهدف الحقيقي وراء دعوة الإمام الرضا (ع) لـ (مرو)، والخديعة التي اتخذها المأمون وسيلة لذلك، قال الإمام الخميني (قدس): ” الإمام الرضا (ع) الذي دعوه بالمكر، ماذا أرادوا منه ان يفعل؟… كان مفهوما منذ البدء، انهم لم يدعوه ليسلموه الحكم، بل لم يفسحوا له المجال في اصدار بعض التعليمات والأوامر” (صحيفة الإمام العربية ج٢٠، ص١٠٠). لقد تغنى الشعراء، صادحين بالشعر الرفيع ما استطاعوا، حيث تتربع تائية دعبل الخزاعي، على المنصة، وقد انشدها بين يدي الأمام الرضا (ع):

مدارس آيات خلت من تلاوة

و منزل وحي مقفر العرصات.

قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة، فلما انتهيت إلى قولي:

خروج امام لا محالة واقع

يقوم على اسم الله والبركات.

فبكى الأمام (ع) بكاءا شديدا. ومما صدح به دعبل أيضا:

هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه

و محكمه بالزور والشبهات

تراث بلا قربى وملك بلا هدى

و حكم بلا شورى بغير هداة

إلى قوله:

ديار رسول الله أصبحن بلقعا

و دار زياد أصبحت عمرات

و آل رسول الله غلت رقابهم

و آل زياد زينوا الحجلات. (المناقب، ابن شهر آشوب ،٢/٣٩٤).

و إليك ابو فراس الحمداني في قصيدته (الشافية) الخالدة، وهي جواب على قصيدة ابن سكرة العباسي، التي استهلها بالقول:

بنو علي دعوا مقالتکم‌

لا ينقص الدر وضع من وضعه.

فرد عليه ابو فراس:

الحق مهتضم والدين مخترم

و فيئ آل رسول الله مقتسم.

إلى أن قال:

يا للرجال أما لله منتصر

من الطغاة ؟ أما لله منتقم

بنو علي رعايا في ديارهم

و الأمر تملكه النسوان والخدم .

**

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته

و ابصروا بعض يوم رشدهم وعموا

عصابة شقيت من بعد ما سعدت

و معشر هلكوا من بعد ما سلموا

لا بيعة ردعتهم عن دمائهم

و لا يمين ولا قربى ولا ذمم. (جاءت في “الغدير” كاملة مع مصادرها. ٣ / ٤٠٢ ٣٩٩). وقال أبو نواس مادحا الإمام الرضا (ع):

قيل لي انت اوحد الناس طرا

في فنون من الكلام النبيه

لك من جواهر الكلام بديع

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا استطيع مدح امام

كان جبريل خادما لأبيه.

وقال أيضاً، عندما ابصر راكبا محاذيا له، ولم ير وجهه، فسأل عنه، فقيل انه علي بن موسى الرضا (ع):

اذا أبصرتك العين من بعد غاية

وعارض فيك الشك، اثبتك القلب

ولو ان قوما يمموك لقادهم

نسيمك حتى يستدل به الركب. (مركز الأبحاث العقائدية)

 

المصدر: الوفاق/ مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قدس)