دعوة للمسلمين لقطع أسباب الخلاف والفرقة

رؤية وأهداف مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية

العمل على التعاون بين المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ المشتركة الثابتة، واتخاذ موقف موحد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأمة الاسلامية

2023-10-03

إنّ فكرة الوحدة بين المسلمين كانت موجودة منذ عصر صدر الإسلام، ولقد جددها ودعا إليها وبلغ لها في القرن الأخير مصلحون من دعاة الوحدة أمثال: السيد جمال الدين الحسيني الأسد آبادي والشيخ محمد عبده وأتباعهما، كما أنتجت هذه الجهود تأسيس دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية، التي تأسّست من قبل عدد من الشيعة والسنّة، حيث كان ذلك المشروع أملاً يراود كبار العلماء في العقود الماضية، ومن بينهم عدد من مراجع التقليد أمثال: آية الله العظمى السيد “حسين البروجردي”. ومن أبرز مؤسسي هذه الدار علماء كبار من السنّة والشيعة وبالتحديد على يد المرحوم الشيخ محمد تقي القمّي المبعوث من قبل آية اللَّه العظمى البروجردي وزملائه الآخرين من شيوخ الأزهر مثل محمد محمد المدني والشيخ سليم البشري، والشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد العزيز عيسى، والدكتور عبد الحليم الجندي وكثير من العلماء السنّة والشيعة ساهموا في دفع عملية دار التقريب إلى الأمام وكتبوا في المجلة المعروفة “رسالة الإسلام” التي قام المجمع العالمي بإعادة طبعها في ستة عشر مجلداً، وكتب في هذه المجلة كثيرون، ومن العلماء الشيعة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والشيخ محمد جواد مغنية وغيرهم من علماء الأزهر مثل الشيخ الباقوري، والشيخ علي مصطفى عبد الرازق، وشكّلت إتجاهاً جيداً للتقريب بين المذاهب من السنّة والشيعة، إلا أن هذه الدار لم تستطع أن تواصل عملها وخفت صوتها خصوصاً بعد أن توفي الكثير من الرواة.

 

وبعد أزيد من نصف قرن على تأسيس دار التقريب، نشأ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في طهران بفكرة الامام علي الخامنئي (حفظه الله)، بمشاركة جماعة من قادة العلم والدين من مختلف المذاهب الإسلامية الذين رأوا من واجبهم الديني دعوة المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم الإسلامية لقطع أسباب الخلاف والفرقة وترك الخلافات المذهبية.

 

 

موقف موحد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا

 

أهداف المجمع هي التقريب بين آراء العلماء من السنّة والشيعة، وإيقاف بعضهم على آراء البعض الآخر بشكلٍ أوضح، والبحث عن المساحات المشتركة بين السنّة والشيعة في مجال الفقه وفي مجال الحديث وأصول الفقه بل في مختلف مجالات المعارف الإسلامية، وكذلك بُغية تعرف بعضهم على البعض الآخر عن طريق تحقيق التآلف والتآخي والتعاون بين المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة، واتخاذ موقف موحد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأمة الاسلامية والموقف الموحد تجاه أعدائها مع احترام التزامات كل مسلم تجاه مذهبه عقيدةً وعملاً، والمقصود من المذاهب الإسلامية، تلك المدارس الفقهية الإسلامية المعروفة التي تتمتع بنظام اجتهادي منسجم ومستند إلى الكتاب والسنة، والمدارس الفقهية المعترف بها وفق وجهة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية هي عبارة عن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، والمذهب الإثنا عشري الجعفري والزيدي، والإباضي، والمجمع العالمي عندما يدعو إلى التقريب بين هذه المذاهب، فهو لا يلزم أحداً باتباع مذهب معين، فلكل مسلم الحق في أن يُقلد مذهب من المذاهب الصحيحة المنقولة من الكتاب والسنة، كما يحق له أن ينتقل إلى غيره من المذاهب ولا حرج عليه في ذلك.

 

إنجازات المجمع العالمي منذ تأسيسه

 

ومن أهم منجزات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية إقامة مؤتمرات الوحدة الإسلامية في أسبوعها التي تحتفل به الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما بين الثاني عشر من ربيع الأول حتى السابع عشر منه والذي يصادف الذكرى السنوية لمولد الرسول الكريم (ص) والذكرى السنوية لمولد الامام جعفر الصادق (ع).

 

وقد شارك حتى الآن في هذه المؤتمرات المئات من المفكرين من علماء ومصلحين من بين الشخصيات المثقفة ووزراء وعلماء ومفتيون وأساتذة جامعات ومن مختلف المجامع العلمية والثقافية والآلاف من العلماء والمفكرين الشيعة والسنة.  كما يقوم المجمع بالتحقيقات في الحوزات العلمية التي تُنتج اكتشاف المساحات المشتركة بين الشيعة والسنّة، وأسسس لهذا الغرض مركز تحقيقي في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، وهو يقوم بالتحقيق في الروايات المشتركة وفي اكتشاف الكتب التقريبية التي كُتبت خلال القرون الماضية وبروح تقريبية.

 

الشيخ الواعظ الخراساني أول أمين عام للمجمع

 

يعتبر الأمين العام هو أعلى مسؤول تنفيذي والناطق الرسمي لمجمع التقريب، ويتم اقتراحه من قبل المجلس الاعلى وتعيينه من قبل ولي امر المسلمين لمدة اربع سنوات، ويكون هو المسؤول والناطق الرسمي والمشرف العام على كل نشاطات المجمع في المجالات العلمية والثقافية والتعليمية والدولية ونشر الكتب واصدار المجلات وتقديم التقريرات الى الجمعية العمومية والمجلس الأعلى.

 

ويتم اختيار الأمين العام من بين الشخصيات العلمية التقريبية المتميزة والناشطة في مجال تقريب المذاهب والوحدة الاسلامية. وقد عين الإمام الخامنئي (حفظه الله) فضيلة الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني أميناً عاما للمجمع لمدة عشر سنوات،  والشيخ الخراساني المولود في مدينة مشهد المقدسة في العام 1925، بدأ دراساته الحوزوية الدينية في مدينة النجف الأشرف لمدة ثلاثة أعوام ومن ثم واصل دراساته الدينية في مدينتي مشهد وقم المقدستين في إيران.

 

 

وتتلمذ في حوزة النجف الأشرف على يد كبار العلماء والمراجع الدينية ومنهم آية الله ضياء الدين العراقي، وآية الله محمدحسين الأصفهاني، والشيخ عباس القمي والشيخ مرتضى الطالقاني.وحضر دروس البحث الخارج في الفقه والاصول آية الله محمد حجت، وآية الله محمد رضا الكلبايكاني والإمام الخميني (قدس)، وآية الله حسين البروجردي المرجع الأعلى وزعيم حوزة قم العلمية في عصره ، حيث لازم درسه أكثر من عشر سنوات، وساعده في تأليف موسوعته الحديثة (جامع أحاديث الشيعة) في 26 مجلداً، وكذلك تنظيم طبقات الرواة ضمن لجنة تشكلت لهذه المهام.

 

تفاعل الشيخ الخراساني كثيراً مع منهج أستاذه السيد البروجردي في دقة التعاطي مع الأحاديث والروايات الواردة في مختلف المصادر السنية والشيعية، والاهتمام بدراسة أحوال الرواة وتنظيم طبقاتهم، وفي الحرص على الاطلاع على فتاوى وأراء مذاهب أهل السنة كطريق لمعرفة مرامي ومعاني روايات أهل البيت(ع).
كما أخذ من أستاذه توجهات الوحدة والتقريب ونذر حياته لخدمة هذه التوجهات متجاوزاً الطرح الشعاراتي إلى المقاربة الفكرية والفقهية، حيث تبنى أراء متقدمة على هذا الصعيد، ناقداً المبالغة والتضخيم في الفروقات العقدية والفقهية بين المذاهب الإسلامية، مؤكداً على المساحة الأوسع للاشتراك والاتفاق..

 

 

ومنذ عام 1960 بدأ المرحوم الخراساني بالتدريس في كلية الالهيات والمعارف الاسلامية بجامعة فردوسي في مدينة مشهد حيث درس الفقة وتاريخ الفقه وتاريخ الحديث وشرح الحديث وتفسير القرآن الكريم وتاريخ التفسير وعلم الكلام والفلسفة.

 

وتولى منصب أول أمين عام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية كما كان عضواً في الهيئة الادارية ومديرا لقسم علوم القرآن في مؤسسة البحوث الاسلامية في العتبة الرضوية المقدسة.

 

وكان لآية الله الخراساني حضوراً فاعلاً في المؤتمرات والطاولات المستديرة التي أقامها مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة وحلب وروسيا والاردن واوزبكستان واوكرانيا والامارات واندونيسيا والبحرين وبلجيكا وتركيا وغيرها وترك مؤلفات عديدة في مواضيع علم الفقه واصوله .

 

 

الشيخ التسخيري… باعٌ طويل في الوحدة والتقريب

 

آية الله محمد علي تسخيري من مواليد 1944 في مدينة النجف الأشرف ينحدر والده علي أكبر تسخيري من منطقة مازندران بشمال إيران، وكان قد بدأ دراسته الحوزوية في النجف الاشرف.

 

وفي العام 1971 م هاجر من مدينة النجف الأشرف إلى مدينة قم المقدسة، وبعد انتصار الثورة الاسلامية تولى العديد من المسؤوليات منها العضوية في مجلس خبراء القيادة ومستشار قائد الثورة الاسلامية في الشؤون الثقافية للعالم الإسلامي ومُساعد مدير مكتب قائد الثورة الاسلامية للشؤون الدولية ورئاسة رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية والامانة العامة للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) والأمانة العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.

 

وتولى منصب أمين عام مجمع التقريب خلفاً للشيخ الخراساني، وكتب و ترجم أية الله التسخيري عشرات الكتب ومئات المقالات ومنها محاضرات في العلوم القرانية والاقتصاد الإسلامي والقواعد الاصولية والفقهية على مذهب الإمامية وتفسير القرآن الكريم في ثلاث مجلدات. والعلامة التسخيري كان رمزاً للفكر والرؤية والثورة في مجال “الوحدة” و”التقريب” بين أتباع أهل البيت (ع) ومسلمي العالم. كان نجماً ساطعاً متميزاً في اجتماعات ومؤتمرات مجمع الفقه الإسلامي – التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي – اتحاد علماء المسلمين، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، رابطة العالم الإسلامي، ومئات المؤتمرات الإسلامية الداخلية والخارجية الأخرى. فكرته الحديثة في الفقه المقارن كانت حلّ “القضايا المستعصية”، كان مفكراً منفتحاً لم يتجاوز السنّة والأصول مطلقاً.

 

ختاماً يسعى المجمع  للتقريب بين المذاهب الإسلامية إلى جعل الوضع الذي يعيشه المجتمع الإسلامي المعاصر أقرب ما يكون إلى ظروف ووضع عصر الرسول الأكرم(ص)  من حيث التأسي بجوانب الأخوة الدينية والقضاء على أجواء العداوة والعصبية الطائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ وكالات