الأسرة والحياة

أيها الأب.. كن صديقاً لأبنك

تقع تربية الأبناء على الوالدين أولا، ثم على المربين والمؤدبين، وليست التربية أن تطعِم ولدك وتكسوه فقط، فالتربية أعظم من ذلك وأجلّ، فالابناء أمانةٌ عند والديهما، وقلوبهم الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة، خاليةٌ من الأحقاد وغيرها.

2022-12-17

قد يقع من الآباء والمربين أثناء تربية أولادهم إفراط أو تفريط، فمثلًا يربي أحدهم ولده على الجبن، وذلك بكثرة تخويفه أو يقوم الآخر بتربية ولده على التهور، بل والاعتداء على الآخرين بدعوى أن تلك هي الشجاعة، والأمر على عكس ذلك. أو يربي أحدهم ولده على الترفه والتنعم فلا يرد له طلبًا، ويقتّر الآخر على ولده أشد التقتير، حتى يشعر ولده بالنقص عن الآخرين.. أو يربي أحدهم ولده بالقسوة والشدة والغلظة، والآخر بالتساهل الشديد، والأمثلة على ذلك كثيرة. ولكن التوسط في الأمور هو الصواب، فلا إفراط أو تفريط، وكما قيل: «خير الأمور أوسطها.

فآخر مرحلة من مراحل التربية هي الصحبة أو الصداقة، وتكون بعد أن كبر الولد ونما عقله، وأصبحت له شخصيته المستقلة التي يحاول إبرازها وإظهارها بين الناس، وتلك هي مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حرجة وحساسة في حياة الأولاد، لأنه يكون متقلب المزاج، حاد الطباع، ويكون التمرد والعناد سمة ملازمة له، ففي هذه المرحلة لا يكون النصح والتوجيه بطريقة الأمر والإلزام؛ لأن الولد قد لا يستجيب، ولكن الصداقة هاهنا هي التي تحل المشكلة، وتجعلك قريبًا من ولدك، يُسِر إليك بمشاكله، يرجو أن يكون عندك الحل لها، فإنك إن لم تقترب منه آنذاك فإنه يبحث عمن يفضفض معه، ويتجاذب معه أطراف الحديث، وقد يكون من يفضي إليه ليس هو الاختيار المناسب، فتقع المشاكل وتزداد.

لقد عرف أحد الشعراء أسرار مفاتيح الصداقة، فإن لكل شيء مفتاحًا ينفتح به، فإذا أخطأت المفتاح ظل الباب مغلقًا عليك، وإذا قسوت انكسر المفتاح أو الباب، وعندئذٍ تكون الخسارة، لأنه من الصعوبة أن يعود الأمر كما كان. وقلنا: إن مرحلة الصداقة تكون في طور مرحلة المراهقة، وهي مرحلة التمييز لدى الأولاد التي يشعرون فيها بذواتهم، ويريدون أن يظهروا بين زملائهم بأحسن لباس وأجوده، فهنا على الوالد الصديق ألا يبخل على ولده، أو يظنه طفلًا فيختار له ما لا يرغب ولده فيه..

وهذه بعض الأمور التي نرى أنها تجعل الآباء أصدقاء لأولادهم. فحاول أن تترك له مساحة من الحرية، فالطفل في مراحله المتقدمة مثلًا يلبس ما يُلبسه إياه أبواه، وما يشتريانه له، ولكن هاهنا اترك لولدك حرية الاختيار، مع التوجيه غير المباشر، إن وجدتَ سوءًا في الاختيار. اجعل الحوار سمة الحديث بينكما، فالولد في هذه المرحلة يحتاج إلى من يتجاذب معه أطراف الحديث. لا تسفّه آراءه.. ولا تهوّن من إمكاناته، بل شجّعه على تصرفاته الحسنة، فالكلمة لها مفعول السحر، والكلمة الطيبة والثناء الحسن يدفعان ولدك لبذل ما في وسعه لأداء ما طُلب منه، والكلمة المحبطة تقعده عن العمل، وتسبب له جرحًا في نفسه قد لا تداويه الأيام، لذا وسّد له بعض الأفعال التي يقدر على فعلها، ثم شجعه إن أحسن، ولا تعنفه إن أخطأ. وإياك والضرب، فقد يخطئ كثير من الآباء الذين لا يزالون يضربون أبناءهم في هذه المرحلة.