الأسرة والحياة

الاعتذار سمة حضارية اجتماعية

أظهرت نتائج دراسة نشرتها مجلة التربية أن تنشئة الأطفال على فضیلة الاعتذار من شأنها أن توجد مجتمعاً مترابطاً متکافئاً خالیاً من الحسد والحقد

2022-12-17

تعتبر ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ من إحدى الثقافات التي غابت عنا أفراداً وجماعات، فهي ليست مجرد كلمة عابرة وإنما سلوك حضاري وفن ومهارة اجتماعية لا يتقنها إلا الرجال الأقوياء العقلاء وهي بمثابة هدية تعبر عن تقديرنا وحبنا واحترامنا لمن أخطأنا بحقهم فتزيد من الألفة والمحبة والتقارب بين جميع أفراد المجتمع.

والاعتذار لا يعني أنك على خطأ فقط بل يعني أنك تقدّر العلاقة مع الآخرين وتمنحها أهمية كبيرة، ولا جدوى من الاعتذار ما لم تُرافقهُ نيّة صادقة على تصحيح الخطأ، وعدم تكراره. فهناك الكثير ممّن يعتقدون أن في الاعتذار ضعفاً وهدراً للكرامة، وهذا المفهوم المغلوط الشائع هو السبب وراء قطع العلاقات التي تجمع بين الناس، وضياع الكثير من الذكريات، والمواقف الجميلة التي ربطت بينهم لفترات طويلة، ويندرج تحتها قطع صلة الأرحام وتفكك الأسر والعائلات.

لقد أظهرت نتائج دراسة نشرتها مجلة التربية أن تنشئة الأطفال على فضیلة الاعتذار من شأنها أن توجد مجتمعاً مترابطاً متکافئاً خالیاً من الحسد والحقد، وأن تربیة الطفل على الاعتذار لا تقتصر على الاعتذار للبشر فحسب، وإنما یجب على المربي أن ینشئ الطفل ویربیه على فضیلة الاعتذار إلى الله سبحانه وتعالى أولاً عن طریق الاستغفار والندم والتوبة وإصلاح النفس من الداخل، وأن الاعتذار إلى الآخرین عند الخطأ في حقهم یعد عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وهو منهج رباني ربَّى الله سبحانه وتعالى علیه الأنبیاء والرسل علیهم السلام.

وخرجب الدراسة بعدة توصيات أهمها: یجب على جمیع المؤسسات التربویة إعادة بناء المنظومة الأخلاقیة لأفراد المجتمع کافة، وتضمین ثقافة الاعتذار من خلال بیان أهمیة تلك الفضیلة وتنمیتها لدى الأطفال عن طریق الأسالیب التربویة الإسلامیة، کما ینبغي على المربین أن یثقفوا أنفسهم تربویاً، ویتدربوا على الأسالیب التربویة المختلفة لغرس الفضائل والقیم الإسلامیة التي تتناسب مع الأطفال باختلاف شخصیاتهم وأعمارهم، واختلاف المواقف والتجارب التی تمر بهم.

وكما يقولون دائمًا أن الاعتذار من شيم الكبار.. فمثلاً الأنبياء كانوا يعتذرون عن أي خطأ يرتكبونه؛ موسى عليه السلام بعد أن وكز الرجل بعصاه فقتله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:15].

إذن فأن ثقافة الاعتذار تعكس مضمون الشخصيَّة الإنسانيَّة، ومدى اتساع مداركها الفكريَّة وقدرتها على التعامل مع مختلف الظروف والمواقف الحياتيَّة، وعلى الإنسان أن يعلم أنَّه في اعتذاره عن أخطائه ترتفع قيمته ويعلو قدره بين الناس. من جانبه، يرى أستاذ علم النفس في جامعة دمنهور بالإسكندرية د. محمود عكاشة في حديث أن خلق الاعتذار واحد من الفضائل الإنسانيَّة النبيلة. ويشير إلى أن علم النفس الحديث يتناول التسامح كواحد من أساليب العلاج الحديثة التي نجحت في علاج كثير من الاضطرابات التي يعاني منها الأشخاص هذه الأيام.