في ظلّ الحوار المباشر وغير المسبوق والأول من نوعه بين دمشق وأنقرة بشأن حلّ الأزمة بينهما، والذي جرى بوساطة روسية، وفيما تدّعي بعض وسائل الإعلام المنضوية تحت جناح أمريكا والغرب بأنه تم تهميش دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المفاوضات، كان لابد من إعطاء جرعة لذاكرة البعض المُصابين بالزهايمر، إذ أن مبادرة التقريب بين “دمشق وأنقرة” طهران كانت أول من أطلقها.
ففي يوليو من العام المنصرم، كشفت إيران عن سعيها لتحسين العلاقات “المُنعدمة” بين سوريا وتركيا، وأجرى وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان حينها زيارة الى دمشق حاملاً معه أجندة التقريب بين سوريا وتركيا، وقال عن تلك الزيارة أنها تهدف إلى تعزيز خطوات إحلال السلام في المنطقة.
وجاءت مبادرة ايران في الوقت الذي قلل فيه مراقبون من حظوظ نجاح المسعى الإيراني، ولكن رغم هذه التنبؤات المتشائمة إلاّ أن المبادرة رأت النور في نهاية المطاف، وإن كانت أطلقتها ايران وتوّجتها روسيا، فجلّ ما تريده الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو حلّ الأزمة في سوريا وعودة الأمن لشعب هذا البلد المثقل بأعباء سنوات طوال من الحرب والدمار، ودون أدنى شكّ فإن لايران دوراً كبيراً في إنجاح الحوار بين سوريا وجارتها الشمالية تركيا.
*قنوات الحوار المباشر
وكانت قد إنفتحت مؤخراً قنوات الحوار المباشر بين دمشق وأنقرة بوساطة روسية لحلّ ملفات عالقة في الأزمة السورية، لا سيما فيما يخصّ ملفّي “المعارضة والأكراد” الذي تتزايد فيه حدة التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في الشمال السوري ضد تنظيمات كردية مصنفة على قوائم “الإرهاب”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تبذل فيها طهران جهوداً على هذا الصعيد، فالمسعى الأخير من قبل ايران لم يمرّ عليه عام واحد حتى الآن، فيما جرت كل المحاولات السابقة في الكواليس وبعيداً عن الإعلام والإعلان.
والجدير ذكره هنا، أنّ موسكو انخرطت أيضاً في مساعٍ مماثلة على مدى السنوات الثلاث الماضية على وجه الخصوص. وقد أثمرت تلك الجهود الإيرانية -الروسية حصول لقاءات أمنية سورية – تركيّة غير مرة، لكنّ المستوى السياسي بقي مقفلاً على هذا الصعيد، نظراً إلى انعدام الثقة السورية بإردوغان وفريقه، قياساً بمستوى الغدر الذي تلقّته دمشق من صديقها السابق الذي تحوّل إلى عدوّ من دون مقدّمات أو موجبات.
ما نستطيع أن نقول، بأنه إستنتاج شبه قطعي أنّ المساعي الإيرانية جرت بالتنسيق مع موسكو، في محاولة إيرانية – روسيّة لمواجهة حالة الحشد السياسيّ والعسكريّ التي تعمل عليها واشنطن في المنطقة هذه الفترة، إذ عادت الأخيرة بقوة إلى النشاط في منطقة الشرق الأوسط، بعد حالة من الانكفاء والارتباك استمرت أكثر من عام ونصف العام.
*ايران تؤكد على وحدة الاراضي السورية
بالتزامن مع هذه التحركات، اوضح المتحدث باسم الخارجية في مؤتمره الصحفي يوم، أنه نظرا لتلقي دعوات بهذا الخصوص تدرس الحكومة زيارة رئيس الجمهورية الى سوريا وتركيا في المستقيل، وصرح: ان هناك محادثات تجري بين كبار المسؤولين الايرانيين والسوريين، واصفا العلاقات بين طهران ودمشق بانها ممتازة. وحول دعم الجمهورية الاسلامية الايرانية لسوريا حكومة وشعبا ودور ايران في اعادة اعمار سوريا، قال: ان ايران تؤكد على الحفاظ على وحدة الاراضي السورية.
من جانبه، أجرى وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان، يوم الاحد، اتصالا هاتفيا بنظيره السوري فيصل المقداد، جرى البحث خلاله حول العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين والتنسيق العالي القائم بينهما على مختلف المستويات لما فيه مصلحة الشعبين في سوريا وإيران. وخلال هذه المحادثات الهاتفية، ناقش امير عبداللهيان والمقداد، تطورات الأوضاع في المنطقة والعالم، وتبادلا الأفكار حول عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك، حيث كانت وجهات النظر متطابقة في المواضيع التي جرى التطرق لها.
*المقداد يؤكد على دور إيران
وأعرب الطرفان عن ارتياحهما للتطور المستمر في العلاقات الثنائية بين البلدين والتنسيق العالي القائم بينهما في كل المجالات. وأثنى المقداد على الدور الإيراني الهام في دعم صمود الشعب السوري وفي مساعدة سوريا من خلال دورها الفعال على مختلف المستويات، وخاصة في اجتماعات صيغة أستانا، التي حققت إنجازات على أرض الواقع. وأعلن المقداد أن سوريا تقف إلى جانب إيران في مواجهة محاولات الضغط عليها والتدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، حيث أدان مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية إزاء الملف النووي الإيراني، معبراً عن ثقة سوريا بحكمة وصلابة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قيادةً وحكومةً وشعباً، في مواجهة هذه المؤامرات.
بالتزامن أيضاً، بدأ معاون وزير الخارجية والمغتربين السوري أيمن سوسان زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، يجري خلالها مباحثات مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، تتناول العلاقات الثنائية وآخر التطورات في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان في استقبال الدكتور سوسان والوفد المرافق، رئيس الدائرة الثانية لغرب آسيا في الخارجية الايرانية وعدد من المسؤولين الإيرانيين والسفير السوري في طهران الدكتور شفيق ديوب.
*علاقات تتطور بإستمرار
بموازاة ذلك، أكد السفير الإيراني بدمشق مهدي سبحاني، أن العلاقات الإيرانية السورية جيدة وتتطور يومياً. وصرح سبحاني في تصريح خاص لـ«الوطن» على هامش فعالية إحياء الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد الفريق قاسم سليماني ورفاقه، أن العلاقات الإيرانية السورية جيدة وإستراتيجية رغم العقوبات المفروضة على كلا البلدين، وأن تلك العلاقات تتحسن وتتطور يوماً بعد يوم.