هكذا يرى العراق اتفاق وقف إطلاق النار بين فلسطين والكيان

أبدت مختلف الأوساط والمحافل السياسية والمجتمعية العراقية، ترحيباً وارتياحًا كبيرين، حيال اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وبإشراف ورعاية وضمان أطراف إقليمية ودولية.

2025-01-20

ومن خلال مجمل ما جاء على لسان الحكومة العراقية، ومختلف القوى والزعامات والشخصيات السياسية، والنخب المجتمعية، يمكن القول إن، الموقف العراقي حيال وضع حد للحرب العدوانية المدمرة من قبل الكيان الصهيوني ضد قطاع غزة، انطلق من جملة حقائق ومعطيات، حددت هي في الواقع، مسارات التعاطي العراقي، الحكومي والمرجعي والحزبي والشعبي، مع معركة “طوفان الأقصى” بكل تفاعلاتها وتداعياتها ومخرجاتها.

 

ومن بين تلك الحقائق والمعطيات:

 

*الدعم الثابت والمتواصل والكامل للقضية الفلسطينية، سياسياً وعسكرياً وإنسانياً وإعلامياً، وهذا الموقف ليس وليد اللحظة، بل إنه انبثق وتبلور منذ اليوم الأول لاغتصاب فلسطين واحتلالها من قبل العصابات الصهيونية، وتأسيس ذلك الكيان المجرم على أرضها في عام 1948.

 

ولعل المختلف في هذه المرحلة عن المراحل السابقة، هو أن كل القوى والنخب السياسية والدينية والمجتمعية والثقافية، ومعها الشرائح والفئات الاجتماعية العراقية، تبنت ذات الموقف حيال مساندة الشعب الفلسطيني في معركته “طوفان الأقصى” ضد الكيان الغاصب، وانتقلت من الإطار النظري إلى الواقع العملي الميداني، بأشكال وصور ومظاهر وأساليب ووسائل متنوعة.

 

*لم تكن الحرب العدوانية الأخيرة للكيان الصهيوني، موجهة حصراً وتحديداً ضد الشعب الفلسطيني، وإنما كانت في واقع الأمر جزءًا من المواجهة الشاملة مع محور المقاومة بكل عناوينه ومسمياته، ولأن العراق كان-وما زال-طرفًا رئيسيًا وفاعلًا ومؤثرًا في ذلك المحور، فمن الطبيعي جداً أن يكون له دور وحضور في مساندة ودعم الشعب الفلسطيني، ومن الطبيعي جداً أن يكون معنيًا ومهتمًا بما ستؤول إليه تلك الحرب من نتائج ومخرجات تصب في صالح الشعب الفلسطيني خصوصًا، ومحور المقاومة على وجه العموم.

 

وكما يقال، على العراقيين أن يفتخروا بموقفهم مع غزة وتضحياتهم، ويحتفلوا بصمودها وإرادتها وانتصارها.

 

*كان العراق في مقدمة الدول التي تحركت على نطاق واسع في شتى المحافل والأوساط الإقليمية من أجل وضع حد لجرائم الكيان الصهيوني التي خلفت دماراً بشريًا ومادياً غير مسبوق على النطاق الدولي في قطاع غزة.

 

وقد ساهم ذلك التحرك الواسع، إلى جانب تحرك مماثل ومنسق لأطراف أخرى، في تمهيد الطريق نحو وضع حد لتلك الجرائم، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.

 

ولا شك أن ما ساهم في إرغام قيادة الكيان الصهيوني على القبول والإذعان لخيار وقف إطلاق النار، بشروط مذلة ومهينة بالنسبة له، هو ذلك الصمود الفلسطيني الذي أفضى إلى خفض شروط الكيان ومخططاته وطموحاته ومطامعه إلى الحضيض، وكما قال بعض السياسيين العراقيين: “إن غزة لم تواجه إسرائيل وحدها، بل واجهت الطغيان العالمي، والتخاذل العربي والإسلامي، والعجز الأممي، وأثبتت معركة “طوفان الأقصى” أن قدرات الشعوب هي الأقدر على تغيير المعادلات”.

 

ولم يكن العراق بعيداً عن المساهمة الفاعلة في تعزيز ذلك الصمود الفلسطيني، وتلك البطولة التي قلبت الموازين، وإلا متى كان الكيان الصهيوني يخوض حرباً طويلة ضد منظمات وليس دولاً، ويخرج منها ذليلًا صاغرًا يجر خلفه أذيال الهزيمة والانكسار والخسران؟.

 

*يرى العراق، بكل عناوينه وتوجهاته، أنه بالقدر الذي تحمل الشعب الفلسطيني الكثير جراء دموية الكيان الصهيوني وإجرامه، فإنه حقق الكثير أيضًا، وهذا يحتم الوصول إلى نهايات مرضية ومقبولة، واتفاق وقف إطلاق النار بمختلف اشتراطاته ومحدداته، يعكس ويمثل هذه النهايات المرضية والمقبولة.

 

*هناك تأكيد عراقي على أهمية استثمار ما تحقق من إنجازات ومكاسب في معركة “طوفان الأقصى”، لتعزيز الجبهة الوطنية الفلسطينية، وقطع الطريق أمام الكيان الصهيوني للإقدام على تنفيذ جرائم ومجازر أخرى. فضلاً عن ذلك، فإن ما تحقق، يعد مقدمة لتحرير فلسطين والقدس الشريف، وعودتها إلى أصحابها الأصليين.

ولا شك أن أبناء الشعب الفلسطيني عمومًا، والمقاومة الفلسطينية بالخصوص، بحاجة إلى مواصلة الدعم والإسناد والتأييد، لأن ما بعد المعركة والمواجهة العسكرية، قد يكون أهم وأخطر مما قبلها، فضمان التزام الكيان الصهيوني باتفاق وقف إطلاق النار، وتنفيذ كل فقراته وبنوده، لا سيما المتعلقة منها بالقضايا الإنسانية، يتطلب تحشيد المواقف الساندة والضاغطة، وهذا ما شدد عليه الساسة العراقيون والنخب المختلفة، في بيانات الترحيب والتبريك بوقف إطلاق النار في غزة. ولعل العراق يمكنه أن يضطلع بدور فاعل في هذا الجانب، عبر استثمار حضوره الإيجابي، وعلاقاته الجيدة مع مختلف أطراف المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.

 

واتفاق وقف إطلاق النار، بعد خمسة عشر شهراً من جرائم ومجازر الكيان الغاصب دون تحقيق أي من أهدافه وأجنداته، يعني الشيء الكثير، ليس للفلسطينيين فحسب، بل لكل قوى المقاومة والشعوب العربية والإسلامية التي ترى في الكيان الصهيوني وجوداً شاذًا ومرفوضًا، لذا لا بد من توظيف هذا الاتفاق بأقصى قدر ممكن لتغيير موازين القوى، وإيجاد وخلق حقائق جديدة في كواليس السياسة كما في الميدان.

 

هكذا يرى العراق صورة  المشهد الجديد بعد انتصارات غزة وهزائم الكيان.

 

عادل الجبوري

 

المصدر: العهد

الاخبار ذات الصلة