تُعد مقابلة الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، محطة هامة لفهم توجهات الحزب

حوار الأمين.. بين السياسة والمقاومة

خاص الوفاق: أكد الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة مستمرة رغم التضحيات والضغوط، مشددًا على أن العبرة الحقيقية هي في الاستمرارية.

 د. أكرم شمص

 

المقدمة

 

تُعد مقابلة الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، محطة هامة لفهم توجهات الحزب وخططه المستقبلية، لا سيما بعد التغيرات الأخيرة في القيادة إثر استشهاد الشهيد الاسمى السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين. ويُظهر الحديث رؤية استراتيجية للحزب تجاه التطورات السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة، بالإضافة إلى العلاقات الدولية والمواقف من القضايا الإقليمية.

 

المقاومة: هوية متجذرة وثبات في وجه الزلازل

 

وصف الشيخ نعيم قاسم التشييع بأنه “تشييع إلهي” يحمل أبعادًا رمزية تتجاوز الوداع لشخصين رحلا، ليمثل تشييعًا للمستقبل واستمرارًا لنهج المقاومة. وقد أبرز المشاركة الجماهيرية الواسعة رسالة للعالم بأن المقاومة ليست مجرد حركة سياسية أو عسكرية، بل هي جزء متجذر في المجتمع اللبناني. وأكد الشيخ قاسم أن جمهور المقاومة هو جمهور صلب وصادق، يمتد دعمه من البيئة المباشرة للمقاومة إلى المؤيدين والمناصرين في مختلف أنحاء العالم. واعتبر أن هذا الجمهور مستعد لتقديم التضحيات والوقوف بثبات في مواجهة التحديات. كما رأى في التشييع إعلانًا للانتصار بطريقته الخاصة، معبرًا عن قدرة المقاومة على الصمود والثبات حتى اللحظة الأخيرة، وإثباتها أنها قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بثقة وإيمان.

 

وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها المقاومة، والتي وصفها الشيخ قاسم بـ”الزلزال”، إلا أنه أبدى ثباتًا وإيمانًا عميقًا بالسكينة الإلهية، حيث لم يشعر بالقلق أو التوتر حتى في أصعب اللحظات، ما يظهر قدرته على إدارة الأزمات بروح معنوية عالية.

 

كما كشف الشيخ قاسم عن الاستراتيجية العسكرية والسياسية التي اتبعتها المقاومة في معركة “أولي البأس”، موضحًا كيف تم استعادة القيادة والسيطرة وملء الشواغر بعد استشهاد القيادات، مؤكدًا أن المقاومة استهدفت دائمًا الأهداف العسكرية متجنبة المدنيين، حفاظًا على الإطار الشرعي للمعركة وسعيًا للحفاظ على المعايير الإنسانية والأخلاقية في الصراع.

 

المقاومة وثبات الهوية اللبنانية في مواجهة المشروع الصهيوني

 

تطرق الشيخ نعيم قاسم في حديثه إلى الأسباب الحقيقية للحرب على لبنان، نافيًا أن يكون الإسناد للمقاومة هو المبرر. وأوضح أن العدو الصهيوني كان يخطط للحرب منذ فترة طويلة، حيث صرّح وزير الدفاع الصهيوني غالانت في 11 تشرين الثاني بضرورة شنّ حرب على لبنان، حتى قبل أحداث طوفان الأقصى. وأكد الشيخ قاسم أن الحرب اندلعت لأن العدو الصهيوني اعتبر أن الوقت أصبح مناسبًا لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، وليس بسبب تقديم الدعم للمقاومة.

 

وقد أكد الشيخ نعيم قاسم على أن العدوان الصهيوني ليس مجرد مرحلة عابرة بل جزء من مشروع توسعي يستهدف المنطقة بأسرها من المحيط إلى الخليج الفارسي.

 

وأشار إلى أن إدخال الحاخامات إلى موقع العباد يُظهر النوايا الصهيونية لضم أجزاء من لبنان تحت ذرائع دينية وتاريخية واهية. الشيخ قاسم رفض بشدة فكرة “حروب الآخرين على أرضنا”، موضحًا أن من يقاتل ويُستشهد هم لبنانيون وأن الأرض المحتلة هي لبنانية بامتياز. كما انتقد المواقف الداخلية التي تُبرر الاعتداءات الصهيونية أو تمنحها ذريعة أمام المجتمع الدولي، مشددًا على أن المقاومة ليست خيارًا بل ضرورة وطنية للحفاظ على السيادة اللبنانية. وأبدى استغرابه من المسؤولين الذين يمتنعون عن انتقاد العدو الصهيوني ويكتفون بمهاجمة المقاومة، مؤكدًا أن المقاومة والشعب اللبناني لن يسمحوا للاحتلال بالاستمرار أو بتنفيذ مخططاته.

 

الثبات السياسي والموقف الإقليمي: رؤية الشيخ نعيم قاسم للمقاومة والتحالفات

 

أكد الشيخ نعيم قاسم أن حزب الله لا يعاني من أزمة تحالفات داخلية، مشيرًا إلى التمثيل الشعبي الواسع للحزب وحركة أمل، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع التيار الوطني الحر وقوى سياسية أخرى. شدد على أن دخول الحزب إلى الحكومة جاء بتمثيل شعبي حقيقي، وأبدى الحرص على التعاون المستمر مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل، مع الاستعداد للمشاركة في الانتخابات البلدية. على الصعيد الإقليمي، أثنى على الدعم الشعبي من إيران والعراق واليمن وفلسطين، معتبرًا أن المقاومة حركة تحررية إقليمية. كما انتقد المحاولات الأميركية والصهيونية لفرض معادلات جديدة، محذرًا من خطورة التطبيع مع العدو الصهيوني وما قد يترتب عليه من تقسيم وإضعاف للمنطقة.

 

إعادة الإعمار: بين مسؤولية الدولة والتزام المقاومة

 

أكد الشيخ نعيم قاسم أن إعادة الإعمار في لبنان ليست مجرد مشروع إنساني بل جزء من عملية الإصلاح والإنقاذ الشاملة، مشددًا على أن الدولة اللبنانية هي المسؤولة الرئيسية عن تعويض المتضررين وإعادة بناء المناطق المتضررة من الاعتداءات الصهيونية. أوضح أن المقاومة لعبت دورًا داعمًا في الإيواء والترميم الجزئي، حيث قدمت الدعم لأكثر من 300 ألف شخص، لكنها لا تهدف إلى الحلول محل الدولة، بل إلى دعمها ومتابعة ملف الإعمار لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها. كما دعا إلى تكامل الجهود بين الدولة والمقاومة والمجتمع لتحقيق نهج شامل للإصلاح والإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي.

 

الرؤية المستقبلية والمخاطر المحيطة بالمقاومة والإقليم

 

أكد الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة مستمرة رغم التضحيات والضغوط، مشددًا على أن العبرة الحقيقية هي في الاستمرارية. وحذر من أن أي عدوان على إيران سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والعالمي. كما أبدى تحفظًا حول مستقبل الأوضاع في سوريا، مؤكدًا وجود محاولات لتقسيم البلاد، لكنه لم يستبعد احتمال ظهور مقاومة سورية ضد الاحتلال الصهيوني. واعتبر أن التصريحات الصهيونية حول تغيير وجه الشرق الأوسط تهدف إلى تمرير أجندة أمريكية وصهيونية لتقسيم المنطقة، مؤكدًا أن المقاومة ستظل عائقًا أمام هذه المخططات.

 

رسائل الفخر والوفاء: الشيخ نعيم قاسم يمجد المجاهدين والشهداء الأحياء

 

في ختام مقابلته، عبّر الشيخ نعيم قاسم بصدق وعمق عن مشاعره تجاه المجاهدين والجرحى الذين وصفهم بـ”تاج الرؤوس” و”الشهداء الأحياء”. أظهر الشيخ قاسم مشاعر الفخر والامتنان، مؤكدًا على أن هؤلاء المجاهدين يمثلون رمزًا للصمود والعزة، وأن تضحياتهم هي وقود استمرار المقاومة. استخدم لغة روحية ومؤثرة، تربط بين القيادة والمجاهدين بعلاقة أبوية وروحانية، مشددًا على أن من لم ينل الشهادة جسديًا يبقى شهيدًا حيًا بروحه ومعنوياته العالية. كانت كلماته بمثابة رسالة دعم وتقدير تُلهب المشاعر الوطنية وتُعزز الولاء والوفاء للمسيرة المقاومة.

 

الشيخ نعيم قاسم: قائد استثنائي برؤية استراتيجية وثبات في الأوقات الحرجة

 

في إطلالته الإعلامية الأولى كأمين عام لحزب الله، أظهر الشيخ نعيم قاسم كاريزما القيادة وثقة بالنفس، معبرًا عن رؤية استراتيجية عميقة للأوضاع المعقدة في لبنان والمقاومة. تميزت إجاباته بالحسم والوضوح، مشددًا على أن الحزب يعمل بتمثيل شعبي قوي، ويسعى للمساهمة في بناء دولة عادلة. أكد الشيخ قاسم أن المقاومة ستستمر في الميدان لفرض معادلات تحمي لبنان من الأطماع الصهيونية، معبرًا عن تقديره للدول والشعوب الداعمة للمقاومة. وأظهر واقعية وشفافية في تقييم الوضع الميداني، مع حرصه على رفع المعنويات وإبقاء الروح النضالية حاضرة. وفي الختام، برهن الشيخ نعيم قاسم على قدرته في الموازنة بين التحديات العسكرية والمواقف السياسية، مؤكدًا أن المخططات الصهيوينة والأميركية لن تنجح في تقسيم المنطقة أو زعزعة استقرار لبنان.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة