القارة السمراء تلفظ الصهاينة

انطلقت يوم السبت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمال القمة 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، تحت شعار "تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الأفريقية القارية". ولكن شهدت القمّة تطورا سياسياً مُلفتاً وهاماً لدرجة كبيرة، حيث "طُرد وفد إسرائيلي" تسلل خلسة إلى القمة، في ظاهرة تشير الى الرفض الإفريقي للدور الصهيوني الخبيث في هذه القارة.

2023-02-18

في تفاصيل القمّة أعلنت الحكومة الإثيوبية إن 35 رئيس دولة و4 رؤساء حكومات على الأقل يشاركون في القمة، وتولى غزالي عثماني رئيس جزر القمر الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، خلفا للرئيس السنغالي ماكي سال.

*تسلّل فاشل

وفيما كان الكيان الصهيوني يستميت لإحداث فجوة إقتصادية وسياسية في القارة السمراء، وبينما كان العدو يحاول إستكمال تسلله داخل القارة الأفريقية بعد أن غزاها من باب تصدير الأسلحة والاستثمارات وتقديم التكنولوجيا الزراعية، إصطدمت جميع هذه المحاولات بجدار الرفض من قبل قادة افريقيا.

وكانت قد تقدّمت “اسرائيل” بطلبات عدّة لمنحها العضوية في الاتحاد الافريقي بصفة مراقب، إلاّ ان الطلب تم رفضه بشكل قاطع، فقد رفضت طلباتها أعوام 2013 و2015 و2016، لكن رئيس المنظمة موسى فكي قرر منفردا إعطاءها هذه الصفة في 22 يوليو/تموز 2021، وهو ما وصفه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بغير المسؤول ودفع 25 دولة لمطالبته بالتراجع.

*رفض افريقي قاطع

هذا الرفض من جانب العديد من الدول الأفريقية للقرار دفع فكي إلى إرجاء البت في الموافقة من عدمها لحين عقد القمة. وقائمة الدول التي عارضت هي الجزائر، جنوب أفريقيا، تونس، إريتريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الغابون، نيجيريا، زيمبابوي، ليبيريا، مالي، سيشل.

وعن القمّة الـ36 التي انعقدت يوم أمس، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد -في كلمته- إنه لا بد من تمثيل أفريقيا في مجلس الأمن بمقعد دائم على الأقل ومقعدين غير دائمين.

كما شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في القمة على أن “أفريقيا بحاجة إلى العمل من أجل السلام”، مشيرا خصوصا إلى الوضع في منطقة الساحل وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأضاف غوتيريش أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل مباشر على حياة الشعوب الأفريقية التي تتحمل أكبر التحديات، على حد قوله. ورأى أن أفريقيا تحتاج إلى تمويل دولي لتخفيف عبء الديون المثقلة بها، مطالبا من جهة أخرى بعودة المسار الديمقراطي في السودان ومالي وبوركينا فاسو.

*جلسات مغلقة

وستعقد جلسات مغلقة لإقرار جدول الأعمال، والاستماع لتقارير عن حالة السلم والأمن، ومنطقة التجارة الحرة الأفريقية، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بتقييم خطة تنفيذ العشرية الأولى من رؤية أفريقيا 2063، وإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي كلمة له، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي: إن المطلوب هو تفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية سريعا لمواجهة التحديات المختلفة، مضيفا أن شركاء القارة السمراء “يفرضون شروطا صارمة لتمويل مشاريعنا المختلفة”. كما دعا فكي إلى وجوب إصلاح الحوكمة العالمية التي تُقصي أفريقيا من مجلس الأمن، مشيرا إلى أن بعض الأهداف التي تبنتها القارة لم يتم تحقيقها بسبب غياب الإرادة السياسية لدى البعض.

*توسع الإرهاب

وحذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي من توسع الإرهاب في مالي وبوركينا فاسو وتشاد، موضحا الحاجة لتضامن دولي مع البلدان المتضررة.

وطُرد وفد إسرائيلي تسلل خلسة إلى القمة، وفي وقت سابق، ذكرت تقارير إعلامية أنّ مفوضية الاتحاد الأفريقي ألغت دعوة كانت وجهتها سابقاً إلى “إسرائيل” لحضور افتتاح القمة، بعد ضغوط مارستها الجزائر وجنوب أفريقيا لمنع “تل أبيب” من حضور أي نشاط في القمة.

وكانت مصادر إعلامية جزائرية قد كشفت أنّ مسألة سحب صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي من “إسرائيل” ستكون على جدول أعمال القمة الأفريقية العادية. وأضافت المصادر أنّ “الكيان الصهيوني يمارس ضغوطاً على دول القارة السمراء من أجل قبوله عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، خلال الدورة المرتقبة”.

وكانت “إسرائيل” قد مُنحت رسمياً، في شهر تموز/يوليو من عام 2021، صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي. وقوبل هذا الأمر بانتقادات سفارات كل من الأردن والكويت وقطر وفلسطين واليمن، وبعثة جامعة الدول العربية مع السفارات الأفريقية العربية.

وفي بداية آب/أغسطس الماضي، اعترضت كل من الجزائر وتونس ومصر وليبيا وموريتانيا، إضافة إلى جمهورية جزر القمر، رسمياً على قبول رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لوثائق اعتماد “إسرائيل” عضواً لدى الاتحاد بصفة مراقب.

*ما الذي تريده اسرائيل من أفريقيا؟

المحور الأمني والسياسي هو الأقوى، إلا أن الاقتصاد والتكنولوجيا هي القوى الناعمة التي تتوغل إلى أفريقيا، فبعد قطيعة مع أغلب دول القارة بعد حرب يونيو/حزيران 1973، استطاع العدو الصهيوني ترميم علاقاته مع الدول المقاطعة عقب توقيع اتفاقية السلام مع مصر (26 مارس/آذار 1979) لأن الأفارقة قطعوا علاقاتهم الدبلوماسية معها تضامنا مع مصر باعتبارها الدولة الأفريقية التي تعرضت للعدوان الصهيوني.

لذلك فقد دخل الكيان الصهيوني في منافسة أكبر للصين في الاستحواذ على قطعة أكبر من (كيكة) الاقتصاد في قارة أثبتت الدراسات أنها تحتوي على أكبر مخزون للثروات الطبيعية من معادن ونفط ومنتجات زراعية، وغيرها، قدرت بما يعادل 30% من الموارد الطبيعية في العالم.

*ما مجالات التعاون بين دول أفريقيا وتل أبيب؟

وزيادة على ما سبق، فإن لتل أبيب مآرب أخرى في هذه القارة لما فيها من فرص استثمارية واعدة ومتنوعة تطمح في الدخول عبر بوابتها، ومنها وعود بنقل التقنية الحديثة في مجال الزراعة التي برزت فيها شركاتها، وتطوير طرق وأساليب الزراعة لدى الأفارقة، كما أنها لا تغفل عن بيع الأسلحة الهجومية والدفاعية التي تنتجها مصانعها الحربية وترفد بعائداتها ميزانيتها، كواحدة من أكبر مصدري السلاح إلى أفريقيا.

 

المصدر: الوفاق