لسنا هنا بحاجة لتكرار أن العدوان الأمريكي الوحشي على ايران تم دون ان تكون هناك أي اسباب تستوجب ذلك،فالبرنامج النووي الايراني برنامج سلمي ويخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدار الساعة، بل أن اغلب وقت الوكالة ومفتشيها يصرف على ايران حصرا دون دول العالم جميعها. كما أن ايران ليست في حالة حرب مع امريكا، لذلك لا يمكن وصف تصرف ترامب لا بكونه انتهاك صارخ وغير مسبوق لمبادئ الأمام المتحدة و قواعد القانون الدولي.
إن العدوان الأمريكي الوحشي على ايران هو عدواني دون أدنى مبرر على دولة ذات سيادة وعضو في الأمام المتحدة، الأمر الذي يعكس رؤية امريكا، الدولة التي تعتبر نفسها حاملة لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، إلى القانون الدولي وميثاق ألامم المتحدة و الحقوق المشروعة للدول والشعوب، فمثل هذه القضايا لا تعني أي شيء بالنسبة لأمريكا وذيلها القذر “اسرائيل”، في حال تعارضت مع الاطماع و النوايا الخبيثة والمصالح غير المشروعة لهذا الثنائي المجرم والارهابي، الذي يرى في القوة المجردة، الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها فرض أرادته على العالم ومواجهة كل قوة يمكن أن تتمرد على هذه الارادة المتوحشة.
عدوان ترامب على ايران، كشف للعالم اجمع مدى ضعف الكيان الاسرائيلي وعجزه عن مواجهة ايران بمفرده، لذلك هرعت أمريكا بشكل مباشر للدخول في الحرب لانقاذ لقيطها الذي تركته ينهش بالمنطقة كالكلب المسعور على مدى 80 عاما دون رادع حقيقي، كما هي تردع اليوم وبكل قوة كما فعلت ايران خلال اسبوع واحد فقط، لذلك لم يعد هناك من ينظر إلى هذا الكيان اللقيط كقوة قائمة بذاتها دون الدعم الامريكي، وهذا ما كانت تؤكده ايران منذ أكثر من أربعين عاما، من أن سبب كل مصائب العالمين العربي والإسلامي هو أمريكا المتحركة بشكل مباشر ورئيسي في كل جرائم هذا الكيان على مدى عمره المشؤوم.
رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي أول مؤتمر صحفي له بعد العدوان الغادر على ايران، اسهب كثيرا في الحديث عن “الانتصارات” الوهمية التي حققها والتي ستنهي البرنامج النووي الايراني وتدمير القدرات الصاروخية لايران وصولا الى “تغيير النظام” و كذلك تغيير وجه الشرق الأوسط.
اللافت اان نتنياهو الذي تحدث عن كل ” تلك الانتصارات التي سطرها” اشترط حصولها بتدخل امريكا الى جانب كيانه ضد ايران! بل واكثر من ذلك كشفت هيئة البث الاسرائيلية ان حكومة نتنياهو طلبت رسميا من الولايات المتحدة مساعدتها في تدمير “منشأة فوردو النووية”.
واللافت اكثر أن ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي حاولت في البداية الظهور بمظهر المخدوعة وان نتنياهو نجح في خداعها عندما شن عدوانه الغادر على ايران بينما هي كانت مشغولة بالتحضير للجولة السادسة من المفاوضات مع ايران، الا أن لعب هذا الدور لم يدم طويلا. حيث انتقل ترامب من طرف “المحايد” في الحرب إلى طرف مباشر فيها، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اخذ يتحدث بلهجة “الامر والناهي” فيها، فاخذ يهدد ويتوعد ايران ويضع لها مهلا ليس باسابيع بل بايام وحتى ساعات، للاستسلام ورفع الراية البيضاء، والا سيحرق ايران ومن فيها، ودعا إلى اخلاء العاصمة طهران فورا، والتي يبلغ عدد سكانها 15 مليونا!، حتى يتجنبوا تساقط الصواريخ الامريكية عليهم. الا ان ايران وبعد تجاوزها تداعيات الضربة الأولى الغادرة والتي كان ترامب يعتقد انها ستكون القاضية، انتقلت الى مرحلة، ليس تاديب الكيان الصهيوني الغادر، بل تدفيعه اثمانا باهظة تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يرتكب أي حماقة أخرى ضد ايران.
بشكل عام ، رغم التطورات المتلاحقة للحرب، والتهديدات الأمريكية المستمرة، والتواطؤ الغربي وخاصة الاوروبي مع المعتدي، ورغم الحرب النفسية والإعلامية التي تشن بشراسة ضد الشعب الايراني، إلا أنه بالإمكان أن نستخلص ما يلي من كل ما جرى حتى الان:
فشل الأمريكي في تحقيق اهدافه من العدوان الاسرائيلي على ايران، وفي مقدمتها تدمير البرنامجين النووي والصاروخي الايرانيين، وتاجيج الراي العام الايراني ضد النظام الاسلامي، واشعال فتن قومية ومذهبية داخل ايران، حيث انقلب السحر على الساحر، بعد أن التف الايرانيون حول قيادتهم بشكل لافت، في ملحمة اذهلت الاصدقاء قبل الاعداء.
تم تدمير منشات عسكرية وامنية واستراتيجية واقتصادية في قلب الكيان الاسرائيلي، وبشكل غير مسبوق، ولم تعصم الكيان كل طبقات الدفاع الجوي الأمريكية وغير الأمريكية، من نيران الصواريخ الايرانية التي احدثت دمارا لم يشهده الكيان منذ تاسيسه المشؤوم قبل ما يقارب الثمانين عاما، و مازالت الصواريخ الايرانية تهطل على رؤوس الصهاينة المعتدين، حتى بدأت الأصوات تتعالى في الكيان منددة بمغامرة نتنياهو التي باتت تهدد وجود الكيان نفسه.
ما كان ترامب ليرضى أن يخرج بهذا الشكل السخيف وهو يعلن عن قصف ايران، يعربد، ويهدد ايران اما بالرضوخ لمطالبه أو مزيدا من القصف لو كان الكيان الصهيوني قويا حقا او أن نتنياهو نجح في تنفيذ المهمة التي تكفل بتنفيذها. فعربدة ترامب تكشف ضعف وعجز نتنياهو اكثر مما تكشف عن خواء ترامب.
ايران لم تستنفد الا جزءا يسيرا من ترسانتها الصاروخية، بينما استنفد الكيان اغلب مخزونه من صواريخ منظوماته الدفاعية، واخذ يتوسل أمريكا لمده بالصواريخ، فيما حال أمريكا وقواعدها ومصالحها في المنطقة لن يكون منذ الآن بافضل من حال تل ابيب وحيفا، وان الانتقام قادم وعلى ترامب أن يدفع ثمن حماقته وهو صاغر كما دفع ويدفع نتنياهو حماقته.
العدوان الأمريكي على ايران كان نتيجة مباشرة لتنسيق كامل كان موجودا منذ البداية، بين الثلاثي المشؤوم، أمريكا والدول الأوروبية مع الكيان الاسرائيلي، و تقاسم الادوار بين هذا الثلاثي كان بهدف الحصول من ايران على تنازلات في الشأن النووي، عبر تحريض الكيان على العدوان في البداية، ولكن بعد فشله، تدخلت أمريكا كمنقذ له، وقد تدخل الدول الأوروبية بعد ذلك كفرقة اطفاء حريق، ومن الواضح أن لعب الادوار هذا لم ولن يسفر عن أي نتيجة تذكر، بل فضح هذا الثلاثي الخبيت أمام الراي العام العالمي، وفي المقابل كشف عن قوة وصلابة القوات المسلحة الايرانية التي لم تستخدم خلال الأيام القليلة الماضية إلا بعض هذه القوة وأن القادم سيكون اعظم