في الوقت الذي ينتهك فيه الكيان الصهيوني المجرم القانون الدولي ويغض الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة، وخاصة بعد أزماته الكثيرة التي يعيشها حاليّاً، أطلقت سلطات السجون الإسرائيلية، مؤخراً، سراح الأسير ماهر يونس، الذي لم ينتظر بلوغ بيته في بلدة “عرعرة”، فبادر لمهاتفة والدته الصابرة الحاجة وداد يونس، وهو في الطريق لاحتضانها بعد 40 سنة من الحرمان، بعد أسبوعين على إطلاق سراح زميله ورفيق دربه وقريبه عميد الأسرى كريم يونس من بلدة “عارة” داخل أراضي 48، حيث استمرت تل أبيب بتعنتها في ربط القضايا ببعضها وعرقلة هذا الملف بشكل كبير، ناهيك عن استغلال العدو انشغال العالم ودول الإقليم بعدد من الملفات الحساسة على المستوى الداخليّ والخارجيّ للقضاء على الأسرى.
إرهاب إسرائيليّ بحق الأسرى
من المعروف بالنسبة للعالم أن المنظومة الأمنية التابعة للعصابات الصهيونيّة مستمرة في إرهابها بحق الفلسطينيين وأسراهم، وتُصر بشدّة على زيادة حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو الغاشم، والتضييق عليهم ومحاولة القضاء عليهم من خلال ظروف الاعتقال عبر البيئة الصحية داخل الزنازين المكتظة بالأسرى، إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة بحقهم وخاصة في الفترة الماضية، مع تصعيد العدو الصهيوني المجرم ومخالفته للقانون الدولي وغضّه الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة، وإن كريم يونس وماهر يونس والراحل سامي يونس ثلاثة أقرباء وأصدقاء من بلدتي عارة وعرعرة الشقيقتين المتجاورتين، كانوا قد نفذوا عملية، قبل أكثر من 40 سنة، قتل فيها جندي إسرائيلي ببندقيته التي انتزعوها منه، وحكم عليهم بالمؤبد بعدما أدينوا بالانتماء لحركة “فتح” وبقتل الجندي.
ومن الجدير بالذكر أنّ الأسير المحرر فند مزاعم وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير بأن الأسرى الفلسطينيين يستمتعون بشروط فندق في السجون، وتابع: “هذا كذب فاضح، فالسجن شروطه قاسية جداً، وجزء من محاولة شيطنة الأسرى وتطويعهم وإعادة سلوكهم وترويضهم والكفر بقياداتهم وقضيتهم والخروج عالة على عائلاتهم وشعبهم، وقد سبقه وزير الأمن الإسرائيلي الراحل موشيه ديان، الذي قال “سنجعل من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم اسم فدائيين أدوات آدمية طيعّة يصنعون الألعاب لأطفالنا”، لكن نحن نجحنا بأن نصنع من آلامنا أملاً، ومن معاناتنا نشيداً وطنياً، فاحتفلنا بكل أعيادنا الوطنية، وبانطلاقاتنا، وخلقنا من السجون مدارس وأكاديميات”.
وبمجرد إعطاء المساحة والصلاحيات للمتطرف الإسرائيليّ ايتمار بن غفير، ظهرت الرغبة الإسرائيليّة بتسجيل حقبة دامية بحق الشعب الفلسطيني ومناضليه داخل السجون والمعتقلات، وإنّ الأخير الذي يدعو لطرد العرب من بلادهم التاريخيّة، يبلغ (46 عامًا)، هو زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (القوّة اليهوديّة)، وهو حزب يمينيّ-دينيّ متطرف، ويُعد ابن غفير أحد تلاميذ مئير كهانا، الحاخام العنصريّ الأمريكيّ المولد والذي تمّ منع حزبه (كاخ) في نهاية المطاف من دخول الكنيست، وقد هدد بترحيل الإسرائيليين غير الموالين للكيان، بمن فيهم نائبان عربيان حاليان، وحتى قبل بضع سنوات فقط، كانت لديه صورة معلقة في منزله لـ “باروخ غولدشتاين”، الـ”طبيب المُستوطِن” الذي أجرم في 29 فلسطينيًا في ما تعرف بـ “مجزرة الحرم الإبراهيميّ الشريف” بمدينة الخليل عام 1994.
والدليل على ذلك، أنّ الأخير منذ اللحظة الأول لتسلّمه حقيبة الأمن الداخليّ باشر بتنفيذ خطّته القاضية بتشديد التعامل مع الأسرى الفلسطينيين السياسيين، ومصادرة الإنجازات التي حققوها على مدار سنواتٍ من النضال ضدّ سلطات السجن بالكيان، الأمر الذي من شأنه تفجير الأوضاع داخل السجون، وهو الذي سينعكِس على الشارع الفلسطينيّ برمّته، وخاصة بعد أن خلصت تقارير دوليّة إلى أن الكيان الصهيوني هو “أبرتهايد” أيّ نظام فصل عنصريّ يرتكب جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدوليّ من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وإن الأنباء الأخيرة تفضح الصهاينة بشكل أكبر على الساحة الدوليّة التي تتهم فيها تل أبيب من قبل منظمات حقوقية بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، الشيء الذي يضع العدو الغاشم أكثر فأكثر في دائرة العنصريّة المقيتة ويفضحه دوليّاً.
إجرامٌ إسرائيليّ مفرط
تمارس قوات الاحتلال العسكريّ لفلسطين أبشع جرائم الإرهاب بحق الأسرى الإداريين دون أيّ تهمة أو تقديم لائحة اتهام ضدهم، كما تقود تل أبيب بكل ما أوتيت من قوّة حرباً شنيعة بعيدة عن أعين العالم –ليس كل العالم- ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بكل ما لدى قوات العدو من منظومات أمنية، ناهيك عن الحقد غير الموصوف والثأر النابع من أبعاد سياسية وأمنية ودينيّة، ضد الأسرى الفلسطينيين، ناهيك عن انتهاك حقهم في الحصول على الرعاية الصحيّة والذي أدى إلى استشهاد الكثير منهم في انتهاك سافر للقانون الإنساني الدوليّ، وذلك بعد أن وضعت “إسرائيل” العصي في عجلات تلك القضية، إضافة إلى عقبات وشروط طويلة ومعقدة لشل أي صفقة أو حتى التوصل لأرضيّة مشتركة تبنى عليها مفاوضات جادة وحقيقيّة، باعتبار أنّ حصول أي صفقة لتبادل الأسرى سيؤدي إلى حلحلة في باقي الملفات الأُخرى، لكن حكومات العدو العنصريّ قررت تجميد ملف الأسرى كي لا تدفع ثمن تنازلاتها أمام مطالب حماس وفصائل المقاومة، رغم أن الوسطاء وعدوا أكثر من مرة بتحريك هذا الملف عبر إجراء اتصالات ولقاءات وفي فترات مختلفة، لكن دون جدوى.
ويُظهر الكيان الصهيونيّ الباغي عدم جديّتة في التعاطي مع هذه القضايا الحساسة وعدم اهتمامه بأسرى جنوده ورفات قتلاه، في ظل المعاناة التي يعيشها الكيان المتخبط والذي يولي مسؤولوه اهتماماً كبيراً لمصالحهم الحزبية على مصلحة كيانهم المتهالك، حيث يمنعون اتخاذ قرار كهذا خوفاً على مصالحهم الشخصيّة والحزبية، ليرموا المهمة إلى الحكومات المتعاقبة، ولا يخفى هذا الأمر على الشعب الفلسطينيّ الذي يدرك طريقة تفكير عدوه جيداً، وقد شاهدنا مراراً موقفه الثابت مقابل لغة التهديد والوعيد الإسرائيلية التي استمرت لسنوات، ولم تنفع مع المقاومة والفلسطينيين الذين يعلمون حجم المساعي الصهيونية لتدمير حياتهم وإبادتهم عن بكرة أبيهم.
وباختصار، تدور السياسة الإسرائيليّة حول “الإجرام المفرط”، ويدرك الفلسطينيون أنّ العدو لا يمكن في يوم من الأيام أن يغير منهجه الإباديّ، وخاصة فيما يتعلق بملف الأسرى الذي يعتبر بالنسبة لتل أبيب “المساحة الكبيرة” للتعبير عن استبدادها الذي بات يشبه “حُكم فرعون” ولكن بنكهة صهيونيّة احتلاليّة، لأنها ترغب في وضع الفلسطينيين في مأزق كبير ومستمر وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، فيما تعج سجون العدو بآلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يعيشون أسوأ وضع إنسانيّ، وبالتالي عشرات الآلاف من القصص التي تجسد إجرام الحكم العسكريّ للاحتلال الغاشم.
من ناحية أخرى، تركز سلطات العدو الإسرائيليّ حملاتها القمعيّة على الأسرى داخل السجون، وفرضها عليهم إجراءات انتقامية صارمة من اعتداءات وضرب وعزل انفرادي ومنع من الخروج، الأمر الذي يشعل الأوضاع بشكل متكرر داخل السجون، فيما تسير قضية الأسرى الفلسطينيين بلا شك نحو التصعيد وبالتالي تفجير الأوضاع بشكل كامل داخل المعتقلات وخارجها، حيث تعيش الأراضي الفلسطينيّة حالة من الغليان والتوتر المشحون، يهُدد بإشعال انفجار كبير في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر وحتى العاصمة الفلسطينيّة القدس، نتيجة ممارسات “إسرائيل” القمعيّة والتعسفيّة بحق الأبرياء.
خلاصة القول، دائماً ما تفشل “إسرائيل” في اختباراتها مع الفلسطينيين،حيث إن تصعيد سلطات الكيان لابدّ أنّه لن يكون في مصلحة الكيان الذي يعتقل آلاف الفلسطينيين في سجونه، بينهم مئات المرضى والسيدات حسب الأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام، ناهيك عن الأرقام الحقيقيّة التي تتكتم عليها إدارة سجون العدو، كما أن العدو الصهيونيّ يمارس سياسة “القتل البطيء” مع الأسرى ويماطل بشكل سافر في حلحلة تلك القضيّة، وبغض النظر عن جرائمه التي لا تُحصى بحق الأسرى إلا أنّ الأشهر والسنوات الماضية بالتحديد كشفت اللثام عن جبروت العصابات الصهيونيّة على المستوى الدوليّ.