معرض"في انتظار فرس الغياب"

الهوية والوطن والعودة.. في لوحات فنية رقمية

تجربة فنية جديدة تعتمد الفن الرقمي وتقوم على الدمج بين الفن والتكنولوجيا.

2022-11-07

يخوض الفنان التشكيلي والناقد “غازي إنعيم” في معرضه “في انتظار فرس الغياب” تجربة جديدة، تعتمد الفن الرقمي وتقوم على الدمج بين الفن والتكنولوجيا وعلى بلاغة تشكيلية تتجول بين الحركة والسكون وبين الظل والنور وبين الصخب والهدوء.

المعرض الذي افتتح في غاليري “رؤى” غرب عمّان الثلاثاء الماضي ويستمر شهراً، هو الأول من نوعه في الأردن ويضم 30 لوحة استخدم فيها الفنان “الفارة” (الماوس) بدلاً من الريشة ولفتت نظره لهذه التقنية ابنته “يارا” التي كانت تبلغ من العمر 7 سنوات.

وتحلق لوحات “في انتظار فرس الغياب” بالناظر إليها وتنقله إلى فضاء تحقيق الأمنيات في الحرية والفرح والأمان ومواجهة الغياب الذي يحتل كل شيء، كغياب الأهل والمكان والوطن والأشياء التي عاشت معنا، مثل المفتاح في إشارة للجوء الفلسطيني باعتباره “الغياب الملقح بالوجع والاستلاب” حيث أصبحت اللوحة مرآة لمكونات الغياب.

على حافة التجريد

ويقول “إنعيم”: إن التجربة تمثّل تجليات على حافة التجريد، وتغوص في العمق والذات الإنسانية وما يعتريها من صراع وأحلام وآمال وأفراح، وتأخذ المتلقي على ظهر فرس في جولة ممتعة لفك شيفرة اللوحة التي تحمل أكثر من مضمون يعتمد على التفاعل اللوني وكيفية التعاطي معه.

وبحسب رأيه، فإن ما يميز تجربة “الفن الرقمي” أنها استندت إلى التراث الذي قام بتوظيفه توظيفا معاصرا من خلال الرمز والدلالات كالديك والحصان والكف والزخارف والقط والأزياء، وإبرازها الطبيعة والمكان والحياة فيه وهو غير معزول عن الحركة، وقال: “هذا شغفي الذي تأسست عليه الفكرة البصرية بمعناها المطلق” سيما أنه المكان الذي شكل وعيه وأفراحه وأحزانه، في إشارة إلى مسقط رأسه في بلدة صوريف قرب الخليل بالضفة المحتلة.

وتابع: “تجربتي أخذت في البداية المنحى التجريبي ثم دخلت الجانب التعبيري والتعبير التجريبي، فأنتجت مجموعة من الأعمال التي تتناول الطبيعة وجمالياتها وكل ما يتعلق بالموروث الفلسطيني.. التجربة امتداد لتجربتي الغرافيكية”.

 الفرس تنتظر فارسها

وحول الرموز والطبيعة الخلابة التي تحتل مساحة كبيرة من اللوحات كالفرس، كشف إنعيم “إن فتياتنا ينتظرن عرسانهن، ليحملوهن على ظهر فرس، ويطيرون بهن إلى الفضاء نحو تحقيق أحلامهن في الحرية، وحياة أفضل”.

ويشير إلى أن توظيف الحمامة في أكثر من لوحة بمعنى مختلف، حيث تنتظر فجرا قادما ليس نحو السلام المتداول الذي يقود إلى الاستسلام، إنما السلام الذي يأتي بالقوة “استرداد الحق العربي المغتصب”.

ويقول “إنعيم” عن جمال الطبيعة الخضراء، يقول “إنها تمثل البيئة في صوريف قرب الخليل جنوب الضفة المحتلة(وهي المكان الذي ولد وعاش فيه) ، لذلك نجدها تشع بالفرح والأمل الجميل القادم”.

ويرى ضرورة توظيف التراث الفلسطيني من زخارف وتعويذات لتعكس الهوية الفلسطينية الضاربة بجذورها في الأرض من أيام الكنعانيين، ويضيف قائلا “هذا التراث الذي يعمل الكيان الصهيوني على سرقته وتسويقه سيبقى ضاربا في الأرض وشاهدا على الحق والعدل وهو متوارث من الأجداد إلى الأمهات إلى الأبناء”.

رؤى نقدية

وفي تعليقه على المعرض، يقول الناقد “محمد العامري”: “رغم الفن الرقمي ظلت لوحات إنعيم متمسكة بصفاته الجمالية وطبائع التكوين والعناصر كالحصان والطائر والمطرزات الفلسطينية والبيوت والحقول والمرأة والرجل”.

ووصف العامري التمثلات التي تتحرك في شرايين اللوحة بأنها “الدم الذي يسري في عروقنا” فالذكريات البعيدة والحاضرة هي أعمال ضد النسيان، مؤكدا أن المكان هو البطل وهو إشارة إلى فقدان البيت كعنصر أساسي، فقد حمل الفلسطينيون مفاتيح بيوتهم في هجراتهم، فالبيت هو المأوى المفقود لكثير من المهجرين، واللوحات تحمل رسالة إنسانية ورسالة الفنان الخاصة، حيث الحلم بالأرض وطقوسها صورة من التوارث الفلسطيني والدفاع عن الذات بمكوناتها الثقافية والتاريخية.

الهم الفلسطيني

وترى الفنانة التشكيلية سعاد عيسوي أن المعرض مختلف، فهي المرة الأولى التي يستخدم خلالها الحاسوب بنجاح لافت للانتباه في أعمال فنية وبسيطرة كاملة من الفنان، وهذا بحد ذاته إضافة نوعية لمشوار انعيم الفني مؤكدة أنه “معرض نوعي”.

وأضافت “اللوحات تعكس الهم الفلسطيني لكنني ألمس تفاؤلا وأملا من خلال الألوان المستخدمة كما لها علاقة بالهوية الفلسطينية وتكريسها في التطريز والخيل والبيوت والنساء.. مضمون اللوحات مرتبط بالقضية الفلسطينية ودفاع عن التراث”.

الرمزية عنوان

وحسب الدكتور كرام النمري المتخصص في الفن التشكيلي، فإن الفنان إنعيم متأثر بالتشكيلي السوري عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق محمود حماد، فالأشكال المكونة للوحة متناسقة مما يثبت نضوجه فكريا وأكاديميا وأنه يميل  إلى الرمزية ويدحض افتراءات المحتل، فالصبار على سبيل المثال لا ينبت إلا في قرية عربية ولو هدموها عشرات المرات ولا يمكن أن يكون رمزا لمستوطنة صهيونية.

أقام غازي إنعيم 5 معارض فنية في دمشق وعمّان وله مقتنيات في 15 دولة عربية وأجنبية، وصدر له كتب “وجوه من الحركة التشكيلية العربية” و”مآذن الرحمن في مدار الزمان” و” ثريات اللون.. سماء معتمة” و”رفيق اللحام رائد الفن الأردني المعاصر” و”مهنا الدرة: موسيقار الفرشاة فيلسوف اللون” و”ناجي العلي: الريشة السيف”.