نجل أحد شهداء الجريمة الأمريكية في الهجوم على طائرة إيرباص الإيرانية للوفاق:

35 عاماً على الجريمة النكراء وحق الرد لم يسقط

خاص الوفاق: كان والدي الشهيد مثالاً للشباب المؤمن الثوري، والذي يستمع باستمرار لقائده، وكلما اقتضت الضرورة حضوره في أي مكان وزمان سوف تجده حاضراً ومستعداً

2023-07-03

محمد حسين اميدى

هي واحدة من أبشع الجرائم العلنية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعب الإيراني، خلال حرب صدام حسين على إيران، والتي كعادتها نفذتها تحت ذريعة الدفاع عن النفس، ولم تلق استنكاراً من أي من مدعي الحرص على حقوق الإنسان.

ففي الـ 3 من تموز/ يوليو للعام 1988، انطلقت رحلة إيران للطيران 655 على متن طائرة إيرباص A300، كانت مجدولة من طهران إلى دبي عبر بندر عباس، إلا أن البارجة الصاروخية الأمريكية ” يو إس إس فينسين” قامت بإسقاطها بواسطة صاروخين أرض-جو SM-2MR ، بينما كانت تحلق في طريقها المعتاد فوق المياه الإقليمية لإيران في الخليج الفارسي، بعد وقتِ قصير من مغادرة الرحلة مطار بندر عباس الدولي. وقد ارتقى على إثر ذلك جميع من كانوا على متنها شهداء، وعددهم 290 شخصًا.

زعمت الإدارة الأمريكية حينها، أن طاقم فينسين قد حدد بشكل غير صحيح طائرة إيرباص على أنها طائرة F-14 Tomcat مهاجمة، وهي مقاتلة نفاثة أمريكية الصنع تمتلكها القوات الجوية الإيرانية منذ السبعينيات. ومع أن إيران قد قامت بتزويد هذه الطائرات F-14 بصواريخ جو-جو، إلا أنه تم إطلاع طاقم فينسين على أنها مزودة بصواريخ جو-أرض.

كما كشفت الجمهورية الإسلامية، بأن طاقم البارجة قد أسقطوا الطائرة التي كانت ترسل إشارات IFF في النمط III، وهي إشارة تحدد بأنها طائرة مدنية، وليس النمط II كما تستخدمه الطائرات العسكرية الإيرانية.

وفي الأيام التي أعقبت الحادث مباشرة، اكتفى الرئيس الأمريكي وقتذاك رونالد ريغان بإصدار مذكرة دبلوماسية مكتوبة للحكومة الإيرانية، أعرب فيها عن أسفه العميق. وعندما سُئل ريغان مباشرة عما إذا كان يعتبر البيان اعتذارًا، أجاب “نعم”. لكن مع ذلك، أصرت إدارته على اعتبار تصرف طاقم فينسين “دفاعًا عن النفس”، وقامت بتكريم قائدها “ويليام سي روجرز”.

بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين للحادثة وفي إطار التعرف على حياة ونضال وطموحات الركاب الشهداء الأبرياء وكذلك على آلام وذكريات عوائلهم،  أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع السيد جواد نيكى مالكى نجل الشهيد حسين نيكى مالكى، الذي كان عضو فريق أمن طيران الطائرة  المنكوبة، وكان الحوار التالي:

والدي الشهيد.. عضو فريق أمن الرئاسة الإيرانية

يبتدأ نجل الشهيد الحوار مُعرفاً بوالده:” وُلد والدي في 30 مارس /اذار 1963 م، نشأ  وترعرع في كنف أسرة متدينة. كان جدي وأعمامي قراء عزاء أبي عبد الله الحسين (ع)، وكان والدي يشاركهم القراءة منذ طفولته. قبل انتصار الثورة الإسلامية في السنتين اللتين سبقتا انتصار الثورة الإسلامية، انخرط والدي مع أعمامي في أنشطة ثورية، واستمروا  في مشاركاتهم الثورية بعد انتصار الثورة، سعى بكل جهده للانتساب للحرس الثوري الإسلامي، مع متابعة لدراسته في الوقت نفسه.”

ويضيف قائلا”:”عمل والدي في مجالات مختلفة في الحرس الثوري الإسلامي، إثنان منها اتسما بالأهمية؛ إحداها “حرس الأنصار” والذي هو قسم حماية الشخصيات والأماكن، والذي يرتبط  نشاطه في الفريق الأمني ​​للمؤسسة الرئاسية، فوالدي كان عضواً في هذا الفريق إبان تولي الإمام الخامنئي (حفظه الله ) منصب رئاسة الجمهورية الإيرانية.”

ويتابع حديثه:” تولي والدي هذا المنصب يظهر الثقة التي أولوها له، فالثقة تُعد أحد العوامل الرئيسية لاختيار الأشخاص لهذا المنصب. عُرف والدي ببراعته ومقدرته، لذلك وبعد صدور مرسوم الإمام الخميني(قدس) بتأسيس قوة أمن الطيران، اختير والدي للإنضمام للفريق الأول من هذه القوة. مع العلم أنّ سلاح حماية الطيران يختار أعضاءه من نخبة الأفراد الذين يمتلكون القدرة والمهارات المختلفة في قوات الحماية (حماية الأشخاص والأماكن)، والذي كان والدي أحدهم”.

ويلفت نجل الشهيد إلى أنه :” أُسس فريق أمن الطيران  بتاريخ 26 ديسمبر / أيلول  1984م  للتعامل مع الحركات المناوئة والمعادية للثورة لاختطاف طائرات الجمهورية الإسلامية وحماية خطوط الطيران في البلاد. ووفقاً للإحصائيات والوثائق المتوفرة، بعد إنشاء هذه  القوة حتى اليوم، لم يتمكن الأعداء من تحقيق عملية واحدة ناجحة في هذا المجال”. ويلفت إلى أنّ انضمام والده لهذا الفريق كان الجزء الثاني من مسيرته في الحرس الثوري الإيراني وأنه :”في خضم هذه الأنشطة، كلما سنحت له الفرصة، كان يتوجه إلى الجبهة  للمشاركة في مواجهة الأعداء، وأصيب هناك في أحد المرات” .

والدي الشهيد مثالاً للشباب المؤمن الثوري

يُعرف الشهيد بأفراد عائلته:” كان لوالدي ولدان الولد البكر شقيقي “حجت”  الذي  أكمل عامه الرابع بعد استشهاد والدي بخمسة أيام. وأنا كان عمري حينها سنتان وثمانية أشهر، لا أتذكر والدي على الإطلاق ولم أعرفه إلا بناءً على ما قاله لي كلاً من والدتي وأقاربي وأصدقائي”.

ويكمل حديثه عن صفات والده بالقول:” بشكلٍ عام، كان والدي الشهيد مثالاً للشباب المؤمن الثوري، والذي يستمع باستمرار لقائده، وكلما اقتضت الضرورة حضوره في أي مكان وزمان سوف تجده حاضراً ومستعداً، يُفضل قضايا الثورة على قضاياه الشخصية. حتى اهتمامه ورعايته لأسرته لا تعتمد على المشاعر والعواطف بل يعتبرها واجباً شرعياً، شكل حضوره ومشاركاته في الساحات المختلفة سواء أكانت سياسية أم ثقافية أم علمية أولوية بالنسبة له”.

هذا وبالإضافة إلى المميزات والخصائص الأخلاقية والفكرية التي كانت مشتركة بين جميع الشهداء ، فقد سمعت من أصدقاء والدي أنه اتسم بصفتان بارزتان هما النظام وصفاء النية”.

 والدي عاشقاً للشهادة ومنتظراً لها..

يقول نجل الشهيد:” الاستشهاد هو حلم وأمنية كل الشباب الثوري. كنا نخطأ بالدعاء والطلب من الله منحنا الشهادة في عمر الشباب، ولكن الآن فهمنا، بناءً على كلام السيد  القائد (حفظه الله)، أنه علينا الدعاء والطلب من الله توفيقنا في الخدمة والعمل في سبيل الله، على أن تكون خاتمة عمرنا الشهادة”.

يلفت نجل الشهيد أن والده كان عاشقاً للشهادة ويتمناها، ولكن في تلك الفترة  كانت الحرب بالنسبة للكثيرين على وشك الانتهاء. وقد استشهد العديد من أصدقاء الوالد في هذه الحرب. تقول والدتي أنه كلما ذهبوا إلى مراسم تشييع الشهداء، كان والدي يبدو متأثر جداً. ولكن بعد استشهاد أخر أصدقائه، تغير والدي كثيراً ، واستمر على هذه الحالة حتى وقوع الحادثة، وهو أثار مرارًا مسألة اقتراب شهادته مع أفراد أسرته. حتى أنه أبلغ أحد أقاربه عن كيفية شهادته قائلاً:” سوف نستشهد في السماء، في سماء البحر، ولم يمض وقت طويل حتى تحقق وعده”.

نال الشهادة مقطعاً إرباً إرباً

يلفت نجل الشهيد إلى كيفية استشهاد والده فيقول:” لم يعد جسده، وبعبارةٍ أخرى، فلقد قطع إرباً إرباً مثل بعض جثامين الشهداء وذلك بناء ً على موقع جلوس الركاب في الطائرة وقربهم من الإنفجار، مع العلم أنه قد عادت جثامين بعض الشهداء وبصورةٍ سليمة” .

ويتابع قائلاً: “أذكر هنا أصدقاء والدي في تلك الرحلة وهم الشهيد “أكبري مقدم” ، الشهيد “شهبازي” ، الشهيد “متوليان”. ومن بين هؤلاء، عادت جثة الشهيد “أكبري مقدم” بأقل ضرر، لكن لم يتسن التعرف على جثة الشهيد “متوليان” إلاّ عبر بطاقة الحليب المجفف الخاصة بطفله والتي تم توزيعها عليهم سابقاً”.

استشهاد الحاج قاسم  سليماني كان أصعب حدث في حياتي

عن فقدان الأب وصعوبة الفراق يقول نجله:” هو أمر صعب ومؤلم للغاية لأي شخص. لدينا الكثير من أبناء الشهداء الذين يبكون والدهم، ولكن استشهاد القائد قاسم سليماني كان أصعب حدث في حياتي مثل كثيرين آخرين”.

ويقول عن لقائه بالحاج قاسم :” قابلته مرة بالصدفة في غرفة الانتظار بالمطار. قبل حوالي عشر سنوات، وأنا في طريقي للمشاركة في حفل الذكرى السنوية لاستشهاد والدنا. تحدثت معه لبضعة دقائق، لكنني لم أخبره أنني إبن شهيد، لأننا علمنا أنه كان لطيفًا جدًا مع أسر الشهداء ولم نكن نريدهم أن يفعلوا ذلك”.

موقع تفجير الطائرة مزار عوائل الشهداء

يقول نجل الشهيد:” في السنوات الماضية وفي الذكرى السنوية لإسقاط الطائرة  لبينا دعوة للمشاركة في مراسم إحياء ذكرى الشهداء في موقع الحادث مع  جميع عائلات الشهداء”.

ويشدد نجل الشهيد على وجوب أن يستغل هذا الإحتفال السنوي عبر تغطية إعلامية مكثفة من أجل إثارة  انتباه الرأي العام العالمي لهذه الجريمة الأمريكية. ويتابع بالقول:” بشكلٍ عام، نحن نمتلك وسائل الإعلام والقدرة القانونية لملاحقة هذه الجريمة، لكننا لم نستفد من قدراتنا هذه للأسف. لذا نتوقع تنفيذ نشاط إعلامي ضخم  حول الحادثة لإظهار مظلومية الجمهورية الإسلامية وقوتها وقدرتها في الوقت نفسه”.

لافتاً إلى أن:” حادثة جريمة إسقاط طائرة الركاب الإيرانية من الأحداث التي حصلت على  إجماع عالمي بإدانة الولايات المتحدة ، وهذا بحد ذاته وفر منصة مناسبة للأنشطة الإعلامية والقانونية”.

ويكمل موضحاً:” بشكلٍ عام، كل إنسان يدين هذا العمل الإرهابي، لذا، إذا رأيت أحداً لا يدين هذا الفعل، ولا ينزعج من الجريمة الأمريكية، يجب أن تشك في إنسانيته. تمامًا مثل الجرائم التي ترتكبها أمريكا والسعوديون في اليمن وفلسطين الآن، والتي يبررها البعض بالتحليل السياسي، ولذلك يجب العمل على مواجهة هذه المفاهيم والأفكار الخاطئة التي يحاولون الترويج  لها في كل قضايانا المحقة، عبر ما يسمى الحرب الناعمة والتي تُشن على بلدنا إيران”.

وفقاً لنجل الشهيد :” أنه من الجيد أن نعلم أن الأبحاث التي أجريت في هذا المجال تظهر وجود ثمانية أنواع من الحرب تجري ضد إيران في وقت واحد وفي الوقت نفسه، أقلها أهمية وأبعدها إحتمالاً الحرب العسكرية القاسية. ولكن الحروب الأمنية والسيبرانية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيل الجديد من الحروب الإعلامية والعمليات النفسية، التي تُعرف بالحرب المعرفية، مستمرة ضدنا.”.

ويُشدد على أن:” لذا علينا المعرفة أولاً وقبل كل شيء أن الفضاء هو فضاء الحرب، وثانيًا، التعرف على نوع الحرب ونطاقها وهندستها والتي تتخذ في كل زمن شكلاً مختلفاً. لذا علينا  التمييز بين جبهة الحق وجبهة الباطل وتحديد ساحة المعركة، ومعرفة قائد جبهة الحق الذي على أساس قيادته نحدد موقعنا من الجبهة،  في رأيي، إذا كان والدي الشهيد حاضراً الآن، فإنه  سيركز على هذه الحرب المشتركة، إذ أن تركيز الحرس الثوري الإيراني ينصب على هذا المجال إلى حدٍ كبير، ويقوم بمتابعة التطورات والتحديثات المستجدة في هذا المجال” .

شعرنا بالفخر لإسقاط الطائرة الامريكية بدون طيار

يُعبر نجل الشهيد عن اعتزازه بالفخر لإسقاط الطائرة الامريكية بدون طيار فيقول:” باعتباري شخصًا فقد والده في نفس المنطقة وبواسطة أمريكا ، كنت دائمًا في انتظار الانتقام. أعتقد أن العديد من عائلات الشهداء والمحاربين القدامى يشعرون بشعوري نفسه. لكن هذا الشعور لا يقتصر علينا، فكل إيراني وطني شاهد وحشية أمريكا في كل السنوات الماضية سيكون سعيداً بمثل هذا الحدث. وهذا ما حصل، شعر جميع الأشخاص تقريبًا من ذوي الميول السياسية وحتى الدينية المختلفة بالفخر”.

ويضيف:” إذا كنا أقوياء فيمكننا الوقوف في وجه أمريكا، وهو ما رأيناه في بعض الأحداث، بما في ذلك اعتقال البحارة الأمريكيين والهجوم على مقر عين الأسد والطائرة الأمريكية بدون طيار. ونأمل أن تؤدي نتائج قوتنا الأخرى أيضًا إلى طرد أمريكا من المنطقة على المدى القصير أو المتوسط.”

ويختم نجل الشهيد بالقول:” لم يظن أحد أن الجمهورية الإسلامية التي اُحتلت أراضيها في الحدود الغربية وتصاعدت رغبات الانفصاليين في أجزاء مختلفة من البلاد ، ستصل الآن، بفضل النظرة الثورية وقيادة الإمام الخامنئي (حفظه الله)، إلى نقطة حيث ستصل يدها  إلى مياه البحر المتوسط ​​واليد الأخرى إلى مياه البحر الأحمر. وكذلك لم يفكر أحد أن الحرب التي كانت مشتعلة في بلادنا، وصلت اليوم إلى حدود فلسطين .. لم يتخيل أحد أن الأمريكي الذي كان يعمل ما يريد وفي أي مكان وزمان، ، سيدمر رمز تقنيته في سماء إيران قبل أن يرتكب أي خطأ. وهذا سببه الإيمان بالله والنظرة المتأنية لقضية الحرب وتضحية رفاق الشهيد نيكي المالكي. هم الذين أوصلوا العمل إلى هذه النقطة ؛ لذلك ، يجب أن نحدد بيئة الحرب وأن نكون حاضرين عند الضرورة ، وفي كل المواقع، وبكل طريقة ضرورية، وهكذا نستطيع القول أننا واصلنا طريق الشهداء”
وفي كلمة أخيرة  يبلغ نجل الشهيد وصية والده ورسالته  للشعب، فقد طلب والدي من الجميع أن يتذكروه في ليالي الجمعة.