فادي بوديّة للوفاق:

أردوغان يريد ان يجعل من القضية التركية قضية مركزية في تذرّعه بإقامة حزاماً أمنياً حيناً وحزاماً جغرافياً حيناً أخر

 روسيا وإيران تحاولان بكل ما أوتيتا من قوة وجهد أن يجمعا الرئيسين التركي والسوري ضمن برنامج يضمن الأمور الأمنية والسياسية للطرفين

2022-12-18

خاص الوفاق/ أمل محمد

تهديدات جديدة اطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يخص قضية الشمال السوري حيث قال بأن “العمليات في شمال سوريا والعراق لا تقتصر على الحملة الجوية، وسنجري مناقشات حول مشاركة قوات برية”، ويقابل هذا التهديد هدوء حذر على طول خطوط تماس جبهات القتـــال شـمال وشمال شرق ســـورية، رغم الوساطة التي تقودها موسكو بين أنقرة و”قوات ســورية الديمقراطيــة” – قســد،  عازمة على فرض خارطة طريق للحيلولة دون استمرار عدوان تركي على مناطق سيطرة قسد ومنع تطورها إلى عملية غزو برية.

فهل ستثمر هذه الوساطة حلّ يلبي الشروط التركية للحيلولة دون تنفيذ غزو بري في الشمال السوري؟ وماذا عن الإتفاق الذي أبرمته كل من روسيا وإيران مع تركيا؟ وهل من المشهد أن تشهد سوريا وتركيا لقاءاً يجمع الرئيسين التركي والسوري؟ الوفاق إلتقت رئيس شبكة مرايا الدولية والمحلل السياسي فادي بوديّة من لبنان وكان اللقاء التالي:

أمل محمد شبيب

الولايات المتحدة الأميركية تستخدم القضية الكردية بيادق بيدها لإبتزاز الرئيس التركي

بداية اللقاء كانت حول لهجة التصعيد التي إعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة، وسعي أنقرة الى أقامة حزام أمني على الحدود السورية، قال بوديّة بأن أردوغان بلا ادنى شك يريد ان يجعل من القضية التركية قضية مركزية في تسلّمه أو تذرّعه في أقامة حزاماً أمنياً حيناً وحزاماً جغرافياً حيناً أخر، في كل الوسائل التي يحاول ان ينتهجها، متذرّعاً بأن الأكراد يشكلون خطراً على أمنه القومي وعلى أمن تركيا القومي، وبالتالي حتى الآن الرئيس التركي لا يناقش مع الجانب الروسي أو الإيراني إلاّ مشكلة الأكراد، وفي الحقيقة أن مشكلة الأكراد هي بيد الولايات المتحدة الأميركية حليفة أردوغان الآن، وهذا ما يدعو للإستغراب والعجب أن الولايات المتحدة الأميركية لا زالت تستخدم القضية الكردية بيادق بيدهم لإبتزاز الرئيس التركي من جانب وإبتزاز الأكراد من جانب آخر، ولتشكيل خطر على الدولة السورية من جانب ثالث، ولا ننسى أن هذه القضية كانت قضية قديمة متجددة الآن يحاول التسرّع بها لإقتطاع المزيد من الأراضي السورية تحت عنوان “تهديد الأمن القومي”. ثم أضاف بانه “من الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول قدر الإمكان أن يحصل المزيد من المكاسب على الساحة السورية وعلى ساحة الصراع او التآمر على الدولة السورية، خاصة من جهة الشمال، ولا ننسى، أن أردوغان المقبل على أنتخابات رئاسية بعد عام، يحاول أن يقدّم نفسه بصورة البطل المنتصر، وفي نفس الوقت هو يسعى لإعادة العلاقات مع الدولة السورية على قاعدة أن النصر حليفه وأن بيده الحل وبيده الصراع”.

هناك محاولات حثيثة لإنتاج علاقة جديدة متوازنة بين سوريا وتركيا

وفي سؤال حول الإتفاق الذي أبرمته كل من روسيا وإيران مع تركيا مؤخراً فيما يخص سوريا والعملية العسكرية التركية هناك، رأي المحلل السياسي اللبناني فادي بوديّة أن روسيا وإيران تحاولان بكل ما أوتيتا من قوة وجهد أن يجمعا الرئيسين التركي والسوري ضمن برنامج يضمن الأمور الأمنية والسياسية للطرفين، وبالتالي حتى الآن لا زالت بعض الامور معلّقة عند بعض التفاصيل الخاصة في الجانب السوري، وهذا يعني أن هناك محاولات حثيثة لإنتاج علاقة جديدة متوازنة بين سوريا وتركيا، على إعتبار أن تركيا هي جارة لسوريا ولا يمكن تغيير الجغرافيا في هذا الإطار، ولا ننسى أن لتركيا يد طولى في الأزمة السورية وفي التآمر على سوريا، وخاصة من جهد دعمها لبعض الفصائل الإرهابية التي تنشط بجرائمها داخل سوريا وعلى الأراضي السورية، لذلك هناك الكثير من التعقيدات المتواجدة، ولكن هناك ايضاً إيجابية كبيرة في اللقاء ما بين الرئيسين التركي والسوري كما تراه إيران.

أردوغان وسياسة الإبتزاز

وفيما يخص سياسة الإبتزاز التي تنتهجها تركيا للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية من خلال التهديد بشن عملية عسكرية في الشمال السوري رغم مخاطر هذه العملية، أكّد بوديّة بان أردوغان إعتمد ويعتمد سياسة الإبتزاز، ولا ننسى هنا كيف ابتز أردوغان أوروبا في إرسال النازحين السوريين، ولا ننسى ايضاً كيف  إبتزّ أوروبا في إرسال التهديد الإرهابي إليهم، ولا ننسى أيضاً أن أردوغان إبتزّ الإيرانيين والسوريين والروس، كما العديد من الدول الإقليمية، كما إبتزّ العديد من الجهات التي كانت تتواصل مع الأتراك، إذاً، تقوم سياسة إردوغان على سياسة الإبتزاز، هنا لا بد ان نستذكر مثلاً موضوع الطائرة الروسية التي أسقطت، ولا ننسى أيضاً موضوع القضية الآذربيجانية مع كارباغ وأرمينيا، ولا ننسى الكثير من القضايا التي قام أردوغان بإعتماد اسلوب الإبتزاز بها، منها القضية الكردية وقضية الشمال السوري، وقضية حلب، وكيف كان يبتز أهالي جميع هذه المناطق، هذه السياسة التي يعتمدها أردوغان يحاول من خلالها أن يحجز لتركيا مكانة رفيعة وخاصة ومحورية في هذا العالم، سواء كان بحلمه الإنضمام الى حلف الناتو، أو بالعلاقة مع دول الخليج الفارسي السعودية وغيرها، لذلك الأن المشهد السياسي اليوم في شمال سوريا هو مشهد استفزازي.

المقترح الروسي يقوم على إنسحاب قسد من مدينتي منبج وعين العرب بريف حلب

وحول المقترحات التي قدمتها روسيا مؤخراً لتركيا في ما يتعلقُ بالمناطقِ التي تسيطرُ عليها قواتُ قسد في شمالِ شرقِ سورية وإمكانية نجاح هذه المقترحات، قال فادي بوديّة بأن روسيا قدّمت العديد من المقترحات بشأن القضية التركية وخاصة فيما يتعلق بقوات قسد التي زارت أكثر من مرة موسكو التي تتواصل مع أكثر من جهة كردية مع روسيا بهدف إيجاد حلول مقبولة، وذكر بأن المقترح الروسي يقوم على إنسحاب قسد من مدينتي منبج وعين العرب بريف حلب الشرقي ودمج قوى الأمنِ التابعة لقسد بالمؤسسةِ الأمنية للدولة السورية، لكن المشكلة تكمن في أن كل من القرار التركي وقرار قسد لم يعد بيدهم بشكل كامل، فالولايات المتحدة الأميركية هي من تتحكم في كل هذه القرارات، وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تعقّد المشهد أكثر فأكثر إذا لم يستقلّوا في قراراهم ولم يستقلوا في إتخاذ المصلحة الوطنية الكبرى، وإتخاذ قرارات قادرة على أن تضمن حقوق الجميع.

الولايات المتحدة والتعنّت الكردي

ثم إنتقلنا للحديث عن التعنّت الكردي في خفض التوتر شمال شرق سوريا، ومصلحة الأكراد في تصعيد حدة التوتر في المنطقة، إعتبر بوديّة بأن التعنّت الكردي وان قرارهم ليس بيدهم، المشكلة اليوم أن هذا القرار بيد الولايات المتحدة الأميركية، هي من تأمر بالتصعيد وهي من تأمر بخفض التصعيد حسب المصلحة الأميركية وليس المصلحة الكردية، وأسوأ ما في الموضوع ان الأكراد حتى الآن لم يفهموا مصلحتهم ولم يقدروا مصلحتهم الشخصية بل لا زالوا حتى اليوم يمشون خلف القرار الأميركي الذي لا يأبه لا للأكراد ولا لغير الأكراد إنما فقط لمصلحتهم.

الحوار السوري التركي يجب أن يحمل ضمانات هادفة

ثم كان الحديث عن هو موقف القيادة السورية من كلام  وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضرورة الحوار بين تركيا وسوريا لحل القضايا الأمنية بين البلدين، وفي هذه النقطة إعتبر فادي بوديّة أن سوريا لا ترفض أصل الحوار، لكن في المقابل لدى سوريا موقف مما حصل للشعب السوري والدولة السورية، كما لديها موقف مما إرتكبته تركيا تجاه سوريا وشعبها، وبالتالي إذا كان لا بدّ من إجراء الحوار لا أعتقد أن سوريا تعارض الحوار، ولكن الحوار يجب ان يحمل ضمانات هادفة، والإجابة على التساؤلات: ما هي أهداف هذا الحوار، وما هي مخرجات هذا الحوار، وكيف يمكن أن يؤثر هذا الحوار على سلام العملية؟ كما لا بد لهذا الحوار ان يصحح الأخطاء التي تم إرتكابها من جانب تركيا، وإذا كان هذا الحوار غير قادر على تصحيح الأخطاء المرتكبة من الجانب التركي تجاه سوريا، فمن الطبيعي أن لا يكون هناك فائدة منه.

تركيا تحاول العودة الى العلاقة مع الجارة سوريا

وحول حقيقة الرسائل التي بدأت تبعثها أنقرة مؤخراً إلى دمشق حول اللقاء بين قيادات البلدين رأي المحلل السياسي بوديّة “أن تركيا ليست هي من ترسل الإشارات الإجابية أو التي ترسل رسائل الى دمشق هذه الفترة، ولكن من الواضح تماماً أن تركيا التي وصلت الى طريق مسدود في كل الرهانات التي راهنت عليها ولا نريد أن نعود الى الوراء لنذكر على ماذا راهنت تركيا وعلى ماذا راهن أردوغان، لكن لا بد من القول أن تركيا راهنت بشكل كبير على كل الأمور التي من شانها أن تحقق لها أحلامها واطماعها التوسعية والإستعمارية، وبالتالي عندما هُزمت هذه الأطماع وسقطت عادت لترسل الإشارات الإجابية، إذا تركيا تحاول قدر الإمكان ان تعود الى العلاقة مع الجارة سوريا وهذا جيّد، لكن على كل حال، حتى الآن لا يوجد قرار واضح لدى الدولة السورية في عودة هذه العلاقات إلاّ بعد إنضاج الأهداف من الحوار، وتثبيت المخرجات، وتثبيت الإطار العام الذي يمكن أن يجمع السوري والتركي تحت عنوان تصحيح الأخطاء وبناء علاقة جديدة بعناوين تضمن إستقرار وسيادة كل من البلدين.

تركيا دعمت الفصائل والخلايا الإرهابية العنلية في سوريا

وفي الختام أشار بوديّة الى بعض المعوقات التي تقف تحول دون عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها، اولها “السنوات العشر من الدعم التركي للفصائل الإهاربية العلنية في سوريا”، وثانيها “إحتضان تركيا علناً للمجموعات الإهاربية في تركيا”، وثالثها “سرقة تركيا للكثير من الآثار السورية والتاريخ السوري جراء هذه الأزمات التي حصلت”، ورابعها “الغدر الذي طُعن به أو الذي يشعر أنه طُعن به الرئيس السوري بشار الأسد من صديقه السابق رجب طيب أردوغان، يعني تركيا بوابتها الى العالم كانت سوريا، وبالتالي هنك غدر حصل”، وختم قائلاً: “بإختصار، هناك الكثير من المعوّقات الأمنية والإستخباراتية والعسكرية ولا ننسى أن تركيا أيضاً تحتل جزءاً من الأراضي السورية وبالتالي هناك الكثير من المعوّقات التي يجب تصحيحها حتى يُبنى على الشيء مقتضاه”.