في المنظور الاسلامي

 العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة

الامام علي(ع): المرأة ريحانة وليست بقهرمانة وفي هذا ارفاق كبير بالمرأة يتناسب مع رقتها وانوثتها ولايزيدها اعباء فوق اعبائها

2023-02-05

د. بتول عرندس

الوفاق/ خاص

المرأة في حياة وهدي النبي وأهل بيته الأطهار لها مكانة عظيمة، وقد أُحيطت بسياج من الرعاية والعناية، وخصَّها الأسلام بالتكريم وحُسْن المعاملة والمكانة والمنزلة الرفيعة، والاهتمام الذي لا نظير له في أي مجتمع آخر مهما ادعى الحفاظ على حقوقها وكرامتها، فلحظ في تشريعاته قضايا المرأة وأعطاها حقوقها كافة، في كافة مراحل حياتها، طفلةً، شابةً، زوجةً وأمّاً. وحفظها وحماها من كلّ الظلم الذي تعرّضت له عبر التاريخ، ومن المعروف أنّ التشريع الإسلاميّ كان السباق في حفظ الحقوق المعنوية والمادّية للمرأة، وساواها في الحقوق مع الرجل، بما ينسجم مع طبيعتها الأنثوية كإنسان ذي تكوين جسديّ ونفسيّ يختلف عن الرجل، وبالتّالي فذلك يقتضي التفاوت والتمايز في التشريعات على مستوى الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وهو بالنتيجة يُحقّق للمرأة شأنها كإنسان وليس ك”رجل”، لأن الرجولة ليست من لوازم إنسانية المرأة وتكوينها. ويؤكد أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب(ع) ان وظيفة المرأة هي في ممارسة الاعمال المناسبة لها، فهي لم تخلق لتحمل المسؤوليات الشائكة والاعمال التي تضر بانوثتها بل خلقت لتظل وردة جميلة وريحانة عطرة. فقال (عليه السلام): ‘ولا تملك المرأة من امرها ماجاوز نفسها، فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانة وفي هذا ارفاق كبير بالمرأة يتناسب مع رقتها وانوثتها ولايزيدها اعباء فوق اعبائها.

 دور المرأة الأساسي

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز الحكيم: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، ففي المنظور الإسلامي وُجِّه التكلف الرسالي والعمل الإلهي للمرأة بمقدار ما وجّه إلى الرجل، وعندما يقول تعالى خليفة فهو يقصد آدم وحوّاء، مؤكداً التكامل الإنساني بين الطرفين، لكن خطاب التغليب عندما يوجّه إلى آدم، فالله يقصد الطرفين لشدّة العلاقة التكاملية بينهما حتّى صارا شيئاً واحداً في الخطاب. علاوةً على ذلك فقد وجه الله خطابه للمؤمنين والمؤمنات في أكثر من موضعٍ قرآني، داعيا اياهم لأداْ التكاليف الواجبة كالصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بمعنى أنّ الرؤية القرآنية والإسلامية ميّزت بين الرجل والمرأة من حيث الخلقة والتكوين النفسي والجسدي للمرأة، وكذلك عندما أسقط الله تكاليف معيّنة عن الرجل وأوجبها على المرأة، فذلك لأنه فاقد القدرة التكوينيّة للمرأة. فكان التميز على أساس التكوين لا التشريع والتكاليف والأدوار.

وبالتالي فكما للرجل دوره الكبير في عصر الظهور المبارك، كذلك للمرأة دورها الذي يعادل دور الرجل، بنفس القوّة والتكليف، كما كانت السيدة خديجة عليها السلام في بداية الدعوة إلى جانب رسول الله محمد(ص)، كانت السباقة في الإسلام والتحمل والصبر والدعوة. هذا الدور نفسه مناط بالمرأة اليوم ومستقبلا في مرحلة الظهور المقدس. وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي(ص): “ينزل عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل واربعمائة امرأة اخيار من على الارض واصلحاء من مضى”. وعن الامام الباقر(ع) قال:”ويجئ والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضا، وهي الآية التي قال الله: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير وعن المفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبد الله(ع) يقول: (يكرّ مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشرة امرأة . قلت: وما يصنع بهنّ؟ قال: يداوين الجرحى ويقمن على المرضى، كما كان مع رسول الله).

السيدة زينب القدوة والانموذج لكل النساء

السيدة زينب سلام الله عليها، السيدة العظيمة الجليلة هي مثال المرأة الكاملة في خدمة الإسلام والعارفة الربانية التي وصلت الى أعلى مراتب العبودية ونذكر بعض الجوانب التوحيدية في عشقها لله سبحانه وتعالى، وهي “مجمع أنوار محمد وآل محمد”، تربت على أيدي جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووالدها الإمام علي أمير المؤمنين(ع)، وأمها السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) والدتها، وأخواها الإمام الحسن المجتبى والإمام الحسين(ع)، سيد شباب أهل الجنّة، وإبن أخيها الإمام زين العابدين عليهم جميعا الصلاة السلام.

من مثل السيدة زينب قدوة لكل إمرأة، هي الفقيهة التي كانت تدرّس الفقه والقرآن، والعالمة التي قال الإمام زين العابدين(ع) فيها: “يا عمّة أنت عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة”. المجاهدة في سبيل الله ، والناصرة لأخيها الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، العابدة التقية الورعة التي لم تترك صلاة الليل حتى يوم العاشر ليلاً. وهي البتول الطاهرة العفيفة التي لم ير أحد خيالها قبل عاشوراء وسبيها. هي المربية المحامية عن أيتام آل محمد وحاملة الرسالة المحمدية والتي حملت مظلومية أخيها، وتحدت سلاطين عصرها. هي أنموذج كل إمراة رسالية في تضحيتها وتفانيها، صاحبة القلب الصبور، واللسان  الشكور، هي التي حين سألها عبيد الله بن زياد :” كيف رأيت صنع الله فيك وبأخيك الحسين(ع)؟ قالت “ما رأيت إلا جميلا”.

والأهم في سيرة السيدة زينب عليها السلام الجهادية حين فدت بنفسها إمام زمانها الإمام زين العابدين عليهما السلام، عندما همّ يزيد لعنة الله عليه بقتله فتدخلت وقالت “إن عزمت على قتله فاقتلني قبله”. فلا نبالغ إذ قلنا أنها المؤسسة الأولى لدولة الإمام المهدي (عج). فهي صاحبة نظرة إستراتيجية عميقة، وبعيدة المدى، وضعت بكلمتها الشهيرة والعظيمة الأسس الأولى لحكومة العدل الإلهي: ” كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين”، أيامك إلا عدد! حين يتحقق الوعد الإلهي بظهور الحجة المهدي من قائم آل محمد عليهم السلام.

دور المرأة في عصر الغيبة

في عصر الغيبة على المرأة الرسالية أن تستلهم من السيدة زينب عليها السلام الإيمان والعلم والعمل والجهاد، فتكون السبّاقة في العمل الإسلامي الرسالي لاسيما إحياء أمر أهل البيت وخدمتهم ونشر علومهم وفضائلهم وهم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: (إِلاّ أَن تَفْعَلُوَاْ إِلَىَ أَوْلِيَآئِكُمْ مّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً).

المرأة الرسالية التي تنال شرف العمل والإعداد والتمهيد إلى جانب الرجل، سندا ومساعدةً، والذين قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ  وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

اذاً فالدور الأساس للمرأة في زمن الظهور المسارعة في أداء المعروف لأهل البيت عليهم السلام بإحياء أمرهم ونشر علومهم وفضائلهم والمشاركة بنشر أحاديثهم عنهم قال(ع): «حدّثوا الناس بأحاديثنا، فإنهم إذا عرفوا محاسن أخلاقنا أحبّونا».